أصعب كسر

الكاتب: المدير -
أصعب كسر
"أصعب كسر




كما يصعُب إصلاح الزجاج المحطم، يصعب أيضًا جبر الخاطر المكسور، فإذا سقطت الثقة، وانحدرت الأماني مهيضة، واختفى بريق العين منثورًا، ذهبت أنفاس الأمل العتيقة، وذبلت ورود الفرح الجميلة، وأُغلقت أبواب التمني المتينة.

 

كلماتي المنبعثة لكل من هانت عليه خواطر الناس، واعتقد أن كسرَها أمرٌ يسير، أتحدث عن صعوبة إصلاح الكسر لا تغييره واستبداله، فلا تتغير الخواطر ولا تتبدل، لذلك كن حذرًا من الكلمة التي تخرج من فمك، أو التصرف الذي تسرَّعت ونفَّذته.

 

قد يسامحك مَن أصابته رماح الكلمة، أو وربما لا يسامحك إذا وقف الرمح في حلقه، وقد يسامحك العزيز الذي كسر تصرُّفك قلبَه، أو وربما لا يسامحك ويذهب بعيدًا؛ حتى لا يرى أحد ضَعفه، قد يعفو عنك مَن سمِع الكلمة ومضى، وربما لا يعفو عنك إذا تسبَّب تصرفك في نَبْذه، وقد يعفو عنك مَن وقفت ضدَّه، وربما يتشبَّث برأيه ولا يقبل العفو إذا رأى مقابل عفوهِ لؤمًا، فهنا أصبحتْ مشقة الإصلاح صعبة، هذا حال واقعنا وأحد نماذجه، أما مَن عفا فأجرُ عفوه على ربه، ولا أنسى مَن كان متعمدًا ومدبرًا لكلمة، أو تصرَّف تصرُّفًا غرضُه كسرُ خاطرِ مَن أمامه حقًّا، فربما يسامحه أو وربما يكون رَدُّهُ أقوى، وقد ترى هنا أو هناك مَن لا يعطي الأجير حقَّه، وبدل أن يجف عرقُه جفَّ دمعُه، وكتَم غيظَه، فربما يسامحك على فعلك، أو وربما لا يسامحك وتسمع خبرَه، وهنا سقطت الورقة، ورحلت صعوبة إصلاح الكسر، وحلَّت مكانها قساوة تأنيب الضمير الشاقة.

 

ألم أقل لك: لا تعتقد أنه أمرٌ يسير؟ فكم من قوي أهلكته كلمة! وكم من ضعيف أهلكته تصرُّفات مَن حوله! فاحرِص على انتقاء ألفاظك، ولا تكن كالذين سبقت ألسنتهم عقولَهم، وتذكَّر أن لسانك يترك أثرًا في قلب مَن أمامك، وراجع نفسك كثيرًا قبل أن تستلقي على وسادتك، فربما يأتي يوم وتمتلئ دمعًا وندمًا.

 

للكلمة عدة أوجه فقد يَفهمك من أحسن الظنَّ، وقد لا يسامحك مَن لا يعرف قصد الكلمة، خروج الكلمة من فمك يسير، أما تأثيرها على مَن أمامك فعسير.

 

أنحسب التصرف غير اللائق مع أحد المرضى وكلمة مثل يا معاق التي قد تُلقى في وجهه، لن تؤثر فيه وتُشعره بالنقص في مجتمعه، وتهدم جدران ثقته بمن يقولها؟ في الحقيقة أنا لا أدري مَن المريضُ حقًّا، ولا أدري هل تيقَّنا فعلًا أن كسر الخواطر أمرٌ صعب؟

 

وهل يذكر أحدنا تصرفًا تَحَسَّر بعده على فِعله؟ ألم يكن يعلم قبل فِعله أن كل امرِئ ينتظره قبره ونحن على استعداد للرحيل في أي لحظة؟ فما فائدة هذه الدنيا؟

 

لا تكسر قلبًا حيًّا بتنمُّرك، فربما يكون الكسر سببًا في موت قلبه، ولا يستطيع أن ينجو ليبقى كما كان منتعشًا، والكلمات المحبطة التي قد يقولها أحدنا لمن أبدع في كتابة صفحات شغفه وحبه لعملٍ ما، ربما تُطوى وتُمزَّق، وربما تكون سببًا في تحذير الناس منك إذا ذكروك.

 

هذا حال الدنيا التي تحمل في طيَّاتها الكثير من أقوال وتصرفات بني آدم المنبثة، فمنها الطيبُ ومنها السيئ، لا نُدين النوايا مطلقًا، ولكن نُدين كل مَن هو معتاد على كسر خاطر من حوله بكلامه وتصرفاته.

 

أكتُب رسالتي قبل أن تنفدَ طاقتي وينتهي فنجان قهوتي:

إلى مَن تعمَّق في كلماتي المبعثرة وخواطري المشتتة، تذكر أن الكلمة التي تخرج من فمك، وتَحْسَبُهَا سحابة مطرٍ رقيقة قد تكون سحابة غيمٍ سوداء تمطر التفرقة والقطيعة، واحترم الآخرين، فتجنب التجريح والتنمُّر والأذيَّة المجانية؛ لأنها تتسبَّب في كسر مَن أمامك فعلًا، ولا تعتقد أبدًا أن كسر الخواطر مزح؛ فكسر الخواطر أصعب كسرٍ.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook