أكل الحلال الطيب

الكاتب: المدير -
أكل الحلال الطيب
"أكل الحلال الطيب من أسباب السعادة




أكل الحلال ينور القلب ويصلحه، فتزكو بذلك الجوارح، وتُدْرَأ المفاسد، وتكثر المصالح.

وبالعكس فإن أكل الحرام والمشتبه يُصدئ القلب ويُظلمه، ويُقَسِّيه، وهو من موانع قبول الدعاء.

فالطيب عنوان سعادة العبد، والخبيث عنوان شقاوته.




فالطيب لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به، فله من الكلم الطيب الذي لا يصعد إلا إلى الله، وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها، وهي الأعمال التي اتفق على حسنها الشرع والعقل والفطرة، وله أيضًا من الأخلاق أطيبها وأزكاها، ولا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها، ومن الرائحة أطيبها وأزكاها، وكذلك لا يختار من الأصحاب إلا الطيبين منهم، ولا يختار من المطاعم إلا أطيبها، وهو الحلال الهنيء المريء الذي يُغذى البدن والروح أحسن تغذية، فروحُه طيب وبدنه طيب وخُلقه طيب، وعمله طيب وكلامه طيب، ومطعمه طيب ومشربه طيب، وملمسه طيب ومنكحه طيب، ومُدخله طيب ومُخرجه، فهذا ممن قال الله فيهم: ? الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ? [النحل: 28].




الحث على أكل الحلال الطيب من الكلم الطيب وأثر ذلك في السعادة:

قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ? [البقرة: 168].




لكن لماذا أتبع الأمر بالحلال بالنهي عن اتباع خطوات الشيطان؟

الجواب: لأن الشيطان أحرص ما يكون على أن تُقذف اللقمة الحرام في بطن الإنسان، فهذا يُسهِّل عليه أن يذهب به حيث يشاء، ولهذا رُوِي عن بعض أهل العلم أن الشيطان يقول: خَصلة من ابن آدم أُريدها، ثم أُخلِي بينه وبين ما يريد من العبادة، أجعل كَسْبَه من غير حلٍّ، إن تزوَّج تزوَّج من حرام، وإن أفطر أفطر على حرام، وإن حج حجَّ من حرام.

وقال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ? [البقرة: 172].

وقال تعالى: ? يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ? [المائدة: 4].

وقال تعالى: ? الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [الأعراف: 157].




وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ? يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ? [المؤمنون: 51]، وقال: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ? [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر، يَمد يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومَطعمه حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك).




قال الحافظ ابن رجب: (في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يُقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يُفسد العمل ويُمنع قَبوله).

قال عليه الصلاة والسلام: (الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسَبَه من طيِّب)؛ رواه ابن ماجه وإسناده صحيح.

وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يتصدق أحد بتمرة من كسبٍ طيب، إلا أخذها الله بيمينه فيُربيها كما يُربي أحدُكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم).




ماذا قال السلف في أكل الحلال الطيب؟

• قال وهيب بن الورد: لو قمت مقام هذه السارية، لن ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك حلال هو أم حرام؟!

• وسُئِل بعض الصالحين: بِمَ تلين القلوب؟ فقال: بأكل الحلال.

• وقال عمر بن الخطاب: بالورع عما حرَّم الله يُقبل الدعاء والتسبيحُ.

• وقال سهل بن عبدالله: النجاة في ثلاثة: أكل الحلال، وأداء الفرائض، والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.

• وقال أبو عبدالله الباجي: خمس خصال بها تَمامُ العمل: الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل لله، والعمل على السُّنة، وأكل الحلال، فإذا فُقِدت واحدة، لم يَرتفع العمل، وذلك إذا عرَفت الله ولم تعرف الحق لم تنتفع، وإذا عرَفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع، وإذا عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص لم تنتفع، وإذا عرفت الله وعرفت الحق، وأخلصت العمل، ولم يكن على السُّنة لم تنتفع، وإن تَمَّت الأربع ولم يكن الأكل من حلال، لم تنتفع.

• وقال بعض السلف: الحجر المغضوب في البناء أساس الخراب.

• لهذا كان الصالحون والسعداء يتحرَّون غاية التحري، وينظرون أدق النظر ماذا يدخل بطونهم، ففي البخاري عن أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراش أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون من الصدقة، فأُلقيها).




وفي البخاري أيضًا عن عائشة قالت: كان لأبي بكر رضي الله عنه غلام يخرج له الخَراج، فكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال كنت تكهَّنت لإنسان في الجاهلية وما أُحْسِنُ الكهانة، إلا أني خدعته، فلقِيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، قال: فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه، وفي رواية قال: (والله لو لم تخرج إلا مع نفسي، لأَخرجتها).




? وها هو المبارك والد الإمام عبدالله بن المبارك، كان المبارك عبدًا رقيقًا أعتقه سيده، ثم اشتغل أجيرًا عند صاحب بستان، وذات يوم خرج صاحب البستان مع أصحاب له إلى البستان، وقال للمبارك: ائتنا برمان حلو، فقطف رمانات، فقدمهنَّ إليهم، فإذا منها الحامض والتالف، فقال صاحب البستان: أما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك: أنت ما أذِنت لي أن آكل حتى أعرف الحلو من الحامض، فقال له: أنت منذ كذا وكذا تحرس البستان، وتقول هذا، وظن أنه يخدعه، فسأل الجيران عنه، فقال: منذ أتى هذا البستان ما أكل رمانة واحدة، فتعجب صاحب البستان ودعاه، وقال: يا مبارك، ليس عندي إلا ابنة واحدة، فلمن أُزوِّجها؟ فقال له: اليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، والعرب للحسب والنَّسب، والمسلمون للتقوى، فقال صاحب البستان: ما رأيت أتقى لله منك، فزوَّجه ابنته.




فسبحان الله، عَفَّ المبارك عن رمانة واحدة، فسيق إليه البستان وصاحبه، فالجزاء من جنس العمل، ومن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، ومن هذا البيت العفيف خرج الإمام العَلَم عبدالله بن المبارك الذي كان يقول: لأن أرد درهمًا من شبهة - لا من ربا، ولا من رِشوة، ولا من محسوبية، ولا من ظلمٍ، ولا من بيع محرم، ولا من التجارة في محرَّم، ولا من غشٍّ - خيرُ لي من أن أتصدق بمائة ألف درهم!




• وها هو والد الإمام البخاري، عن أحمد بن حفص قال: دخلت على أبي الحسن - يعني إسماعيل والد الإمام البخاري - عند موته، فقال: (لا أعلم من مالي درهمًا من حرام، ولا درهمًا من شبهة)، قال أحمد: فتصاغرت إليّ نفسي عند ذلك، وقلت: وصلاح الآباء ينفع الأبناء؛ كما قال تعالى: ? وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ? [الكهف: 82].




• مجمع بن سمعان رحمه الله: قال الإمام ابن الجوزي: جاء مجمع بن سمعان إلى السوق بشاة يبيعها، فقال لمن أراد شراءها: يُخيَّلُ إليّ أن في لبنها ملوحة! قارن بين تعامل السلف وبين تعاملنا، واسكُبْ على أحوالنا العبرات.




• وأختم بكلام عظيم لتابعي عظيم، وهو يوسف بن أسباط:

قال: إذا تعبد الشاب يقول إبليس: انظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء، قال: دَعُوه، لا تَشتغلوا به، دَعُوه يجتهد ويَنْصَب، فقد كفاكم نفسَه!

فاحرِصوا رحمكم الله على أكل الحلال الطيب، واستعينوا بالله ولا تَعجِزوا، وارفعوا أيديكم إلى رازقكم وقولوا: (اللهم اكْفِنا بحلالك عن حرامك، واغْنِنا بفضلك عمن سواك).




• النصيحة:

ليَتَأمَّل كل عاقل ما يُدخل في بطنه، أو على أهله وعياله، وليَنظر في سائر المعاملات التي مارَسها، ما الحلال منها وما الحرام؟


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook