ألم يأن لنا أن نعمل لهذا الدين؟

الكاتب: المدير -
ألم يأن لنا أن نعمل لهذا الدين؟
"ألَم يأنِ لنا أن نعمل لهذا الدِّين؟




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أحبتي في الله، طبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلًا، وأسأل الله عز وجل كما جمعنا في الدنيا على طاعته أن يجمعنا في الآخرة في جنته ومستقر رحمته.

 

أخواتي الحبيبات، أريد أن أبدأ بسؤال، ترى ما هو أغلى شيء تملكينه في حياتك؟

قبل أن تفكري في الرد على هذا السؤال، اسمعي معي هذه القصة التي تحصل كثيرًا وتتكرر في حياتنا.

 

قصة ذلك الرجل الذي ظل طيلة عمره يعمل ويجتهد ويتعب؛ حتى يكوِّن ثروة، وفعلًا بفضل الله عز وجل كوَّن ثروة طائلة: أموالًا كثيرة وعقارات وأراضٍ ومجوهرات، وغير ذلك مما قد يملكه الإنسان في هذه الحياة، ولكن حصل ما لم يكن في الحسبان، أصيب فجأة بمرض خطير، حياته الآن معرضة للخطر.

 

لا بد من إجراء عملية جراحية لإنقاذ حياته، ولكن هذه العملية ستكلفه كل ما يملك، ترى ماذا يختار؟

هل يختار الثروة التي تعب فيها؟ أم يختار إجراء العملية؟ طبعًا لن يتمسك بهذه الثروة التي جمعها، وإنما سيتمسك بالحياة.

 

سيختار أن يستغني عن كل هذه الأموال التي تعب فيها طوال حياته، حتى يعيش بعض الوقت؛ بضع سنوات، بضعة شهور، بضعة أيام، حتى لو بضع ساعات، عرفتِ ما هو أغلى شيء في حياتك، إنه الوقت، تلك اللحظات والساعات، تلك الأيام والأعوام، ولهذا أقسم الله عز وجل بالعصر وهو الزمان؛ قال تعالى: ? وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ? [العصر: 1 - 3].

 

الوقت غالي جدًّا، أغلى ما تملكينه في حياتك، لهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: اغتنم خَمْساً قبل خَمْس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك[1].

 

الوقت هو الحياة، ورأس مالك الذي تتاجرين به مع الله عز وجل وتطلبين به السعادة والنجاة، والله عز وجل لم يخلقنا عبثا ولم يتركنا هملًا: ? أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ? [المؤمنون: 115، 116]، تعالى وتقدس أن يفعل شيئًا بلا حكمة، بلا غاية، إنما خلقنا لغاية: ? وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? [الذاريات: 56].

 

وظيفتنا في الحياة عبادة الله عز وجل، يجب أن تعرفي وظيفتك في الحياة، العبودية لله، أن تكون أوقاتك وأيامك وساعاتك ولحظاتك لله عز وجل: ? قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ? [الأنعام: 162، 163].

 

سؤال آخر، ما هو تعريف الإنسان؟

الحسن البصري رحمه الله يعرِّف لنا الإنسان قال رحمه الله: إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضُك، يسلِّمُك الليلُ إلى النهار، ويسلمك النهارُ إلى الليل، حتى يسلِّمَانك إلى الآخرة.

 

أنت وأنا وكل إنسان عبارة عن أيام؛ عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يقول: الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما، نعم أريد أن أغتنم حياتي، أغتنم أوقاتي وساعاتي فيما خلقتُ لأجله، أريد أن أستيقظ من الغفلة، إنما هي لحظات محدودة وأنفاس معدودة: إنما نعد لهم عدًّا، يعني نعد أنفاسه، ترى كم تبقى لنا من نفس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها، وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ[2].

 

بعض النساء تقول: إن شاء الله بعد ذلك أحفظ القرآن، ما زال الوقت أمامي، سأتعلم العلم الشرعي لما أنتهي من تربية أولادي وأزوِّجهم، وأطمئن عليهم، وهكذا تؤجل وتسوِّف، بعض الناس يغتر بحلم الله تعالى وستره، ويتمادى في معصيته، ويسوِّف التوبة والرجوع إلى الله، ويَعِد نفسه بالمغفرة، ويتمنى على الله الأماني؛ كما قال تعالى: ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ? [الأعراف: 169].

 

اسألي نفسَكِ؛ كم عشتِ في هذه الدنيا؟ كم من نذير جاءك يذكرك بالله عز وجل؟ كم من آيات سمعتها؟ كم من محاضرات وكلمات؟ وكثير منا غافل عن طاعة ربِّ الأرض والسماوات.

 

كل واحدة منَّا تسأل نفسها: ماذا قدَّمت للإسلام؟ كم قرأت من كتب أهل العلم؟ كم درست وتعلَّمت؟ كم حفظت من القرآن؟ كم دعَت إلى الله؟ كم إنسان اهتدى على يدي؟ كم إنسانة لبِست الحجاب بسببي؟ كم قدمت لحياتي، حياتي في الآخرة: ? يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ? [الفجر: 24].

 

عمركِ فرصة يجب أن تغتنميها، حياتك فرصة إن ضاعت لن تعود مرة أخرى، الحياة فرصة لمرة واحدة، ولذا يجب علينا العمل والاجتهاد والدعوة الى الله عز وجل والبذل لهذا الدين!

 

ما الذي يجري لأمة الإسلام الآن أصبحت أمة مستضعفة؛ قال صلى الله عليه وسلم: يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال: لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ[3].

 

غثاء يعني مثل الرغوة التي تكون مع السيل كثيرة جدًّا، ولكن ليس لها قيمة ضعيفة هشة ليس لها وزن لا يعمل لها أحدٌ حسابًا.

 

نعم نحن انشغلنا بالدنيا وغفلنا عن الموت، انشغلنا بالدنيا وما فيها من مُتع وغفلنا عن الآخرة: ? يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ? [غافر: 39].

 

لو نظرنا لأحوال أمتنا في كل مكان: انتشار الإلحاد حتى في بلاد الإسلام، انتشار الشركيات والمحرمات، كيف حصل ذلك؟ إنها سُنَّة الله: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ? [محمد: 7]، نحن ابتعدنا عن الإسلام، فحلَّ بنا الضعف والهوان.

 

الحل حتى ننتصر أن ننصر الله عز وجل، أن ننصر دينه وشريعته في أنفسنا، وندعو إليها غيرنا، أن نتبع منهج الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.

 

منهج الأنبياء في الإصلاح، ما هو؟ إنها الدعوة إلى الله: ? قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ? [يوسف: 108].

 

من يريد أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتبع الأنبياء، عليه أن يدعو إلى الله عز وجل، الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل: ? وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? [فصلت: 33]، يعمل في نفسه ويدعو غيره؛ قال الحسن رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذا حبيب الله، هذا أحب خلق الله إلى الله، أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه.

 

أطاع الله عز وجل في نفسه، ودعا غيره إلى طاعته تبارك وتعالى، دعا الناس إلى الخير، أرشدهم إلى الحق: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 104]، هذا هو طريق الفلاح: الدعوة إلى الله، لن أستطيع القيام بالدعوة إلى الله إلا بالعلم، لن أستطيع أن أصلح عبادتي وأخلاقي ومعاملاتي إلا لَمَّا أتعلم، طلب العلم هذا هو السلاح، لمن أراد النجاة والفلاح.

 

الدعوة إلى الله عز وجل سبيل الفلاح والأجر المتواصل حتى بعد الموت، إلى الآن نقول: قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وندعو له ونتعلم كلماته، إلى الآن حتى بعدما مات، وكذلك كل العلماء.

 

فالأجر المتواصل هذا مترتب على الدعوة إلى الله عز وجل من عاقل لا يريد لنفسه ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه مِن الإثمِ مِثْلُ آثامِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن آثامِهم شيئًا[4].

 

كان عندي درس في المسجد قبل العشرة من ذي الحجة، وذكرت فيه بعض السنن التي يجب أن نحافظ عليها، بعدها بفترة قابلت إحدى الأخوات كانت قد حضرت معي هذا الدرس، تقول لي: أنا لما سمعت عن صلاة الوتر وكنت قبل ذلك لا أحافظ عليها، سمعتك في الدرس تقولين عن صلاة الوتر وفضلها، فأنا إلى الآن بفضل الله عز وجل أحافظ على صلاة الوتر منذ ذلك اليوم، ما شاء الله، هذه ثمرة الدعوة إلى الله، تخيلي لما تدعين إنسانة إلى الوتر، فتجعل آخر صلاتها وترًا، وهي تنتظم على هذا الأمر، يكون الأجر للداعي والفاعل بإذن الله.

 

ولو حذرت الناس مثلًا من بدعة كان يقع فيها الناس، كان لك الأجر، لو أرشدت الناس إلى سُنَّة كانوا قد غفلوا عنها، كان لك الأجر؛ قال ابن القيم رحمه الله: تبليغ سُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمة، أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، أما تبليغ السُّنة فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء.

 

كثيرٌ من الناس يُحْسِنُ أن يرمي وأن يقوم بهذا الأمر، لكن لا يستطيع تبليغ العلم إلا ورثة الأنبياء، من هم ورثة الأنبياء العلماء: إنَّ العلماءَ ورَثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لَمْ يُورِثوا دينارًا ولا دِرهمًا، وأورَثوا العِلْمَ، فمَن أخَذه أخَذ بحظٍّ وافرٍ[5].

 

انظري إلى همَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، كم بذل صلى الله عليه وسلم! كم ضحى بكل غالٍ ونفيس لأجل هذا الدين! خديجة رضي الله عنها زوجته تطلب منه في يوم من الأيام أن ينام ويرتاح، ماذا قال لها؟ قال لها: مضى عهد النوم يا خديجة، وكانت قد نزلت عليه الآيات: ? يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ? [المدثر: 1، 2].

 

الدعوة تحتاج إلى قيام، تحتاج إلى جهد وبذل وعطاء، يوم أُحد ماذا حصل للنبي صلى الله عليه وسلم لأجل هذا الدين؟ جُرح صلى الله عليه وسلم، شُجَّت جبهتُه وكُسِرَت رباعيتُه - سن من أسنانه - وجُرحت شفتُه، وضربه أحد الكفار - عبدالله بن قمئة - ضربه بالسيف على عاتقه - على كتفه - ضربة ظل يشتكي منها شهرًا، كل هذا في سبيل هذا الدين لأجل هذا الدين.

 

كذلك كان أصحابه من بعده رضي الله عنهم، خُبَيْبُ بنُ عَدِي رضي الله عنه، أسره الكفار وقيدوه وربطوه، وبدؤوا يعذبونه، ثم يسألونه: أتحب أن يكون محمدًا مكانك وأنت بين أهلك وأولادك؟ فقال: والله ما أحب أن أكون في بيتي آمنًا ويشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشوكة في يده، أفأحب أن يكون مكاني؟، وكان يقول وهم يعذبونه:

فلست أبالي حين أقتل مسلمًا
على أي شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزعِ

 

مهما كان الإنسان متعبًا، مهما كان يشعر بألم، مهما كان عنده من مصائب من ابتلاءات، المهم أن يبقى على هذا الطريق، أن يبقى على هذا الدين، أن يضحي لأجل هذا الدين حتى ينتصر!

 

أبو بكر رضي الله عنه يحارب المرتدين، يقدِّم ماله كله لله، ماذا قدَّمتُ أنا؟ وماذا قدمت أنت؟ أبو بكر رضي الله عنه يقدم ماله كله لله، ويحارب المرتدين ويجمع القرآن، عمر رضي الله عنه تكثر الفتوحات في عهده، ويُسقط المسلمون في عهده أكبر دولتين وأقوى دولتين الفرس والروم، عثمان رضي الله عنه يجهز جيشًا كاملًا تخيلي إنسانًا وحده بمفرده يجهز جيشًا كاملًا! كم أنفق في هذا الأمر رضي الله عنه، يجمع الناس على مصحف واحد المصحف العثماني الذي بين أيدينا الآن، علي رضي الله عنه ينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، يستعد أن يفديه بنفسه، يقاوم الخوارج، عمرو بن الجموح رضي الله عنه أحد الصحابة وكان أعرجَ، وكان شيخًا كبيرًا يريد أن يخرج للجهاد، النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: لقد عذرك الله، فيقول عمرو رضي الله عنه: يا رسول الله، أحب أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، دعني أجاهد، أحب أن أدخل الجنة، وكذلك كان التابعون وأئمة الإسلام من بعدهم، قدموا للإسلام!

 

الشافعي رحمه الله أول من صنف في أصول الفقه، الإمام مالك رحمه الله صنف أول كتاب يهتم بجمع الحديث الصحيح، الإمام أحمد ثبت في المحنة في مواجهة المعتزلة، ولُقِّب بإمام أهل السنة، شيخ الإسلام ابن تيمية العالم المجاهد المفتي القاضي، يناظر أهل البدع ويحارب أهل الفلسفة.

 

ماذا قدمنا نحن؟ صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يوقف الفاطميين في مصر، وينتصر على الصليبيين في موقعة حطين، ويسترد بيت المقدس.

 

تقولين لي: هذه النماذج من الصحابة ومن بعدهم، ونحن لا نستطيع ذلك، أقول لك: حتى في العصر الحالي هناك نماذج أيضًا مثل هؤلاء، قدمتْ وبذلت لهذا الدين، وضحَّت لأجله، الدكتور عبدالرحمن السميط سمعتِ عنه؟ ذهب إلى إفريقيا لينشر الإسلام في إفريقيا، وينفق كل أمواله على فقراء المسلمين، تخيلي عبدالرحمن السميط ماذا يفعل؟ يسلم على يديه أعداد كبيرة جدًّا من المسلمين رحمه الله، ويوزع الكثير جدًّا من نسخ المصحف، هذا شخص واحد، انظري إلى الهمم، انظري إلى البذل لدين الله عز وجل.

 

أنشأ أكثر من مائة مركز إسلامي، وأربع جامعات، و860 مدرسة، و5700 مسجد، وحفر 9900 بئر حتى توفاه الله عز وجل عام 2013 رحمه الله عز وجل رحمة واسعة.

 

هؤلاء الذين بذلوا للدين وأمثالهم كثر، فماذا بذلنا نحن؟ نحن لا نستطيع أن نصبر على حلقة نطلب فيها العلم، حلقة نحفظ فيها القرآن، شيء يسير من المشقة، بعض النساء تتعلل بالأولاد وتتعلل بالبيت، وتتعلل بالظروف، وتتفلت بعد ذلك، أسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على طريق الحق!

 

ليس هذه همم للرجال فقط، وإنما في النساء أيضًا، انظري إلى أم سليم رضي الله عنها لما جاء أبو طلحة يَطلبها للزواج، قالت: يا أبا طلحة، ألا تستحيي أن تسجد لخشبة، هلا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأنا أزوِّجك نفسي، لا أريد مهرًا غير ذلك، فكان مهرها الإسلام، أكرم النساء مهرًا كانت أم سليم رضي الله عنها.

 

أم سفيان الثوري رحمهما الله تقول له: اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، أنا أعمل وأغزل، وأنت تتفرغ لطلب العلم، هذه كانت همم النساء همم عالية.

 

وهناك أيضًا همم وبذل وتضحية، ولكن في الباطل، الملكة إيزابيلا ملكة إسبانيا التي تربَّت في الكنيسة، بذلت وضحت بكل ما تملك لأجل دينها المحرف - النصرانية المحرفة - أخذت عهدًا على نفسها ألا تستبدل ثيابها حتى تسقط غرناطة، ويخرج منها المسلمون، غرناطة كانت آخر قلاع المسلمين في إسبانيا حتى سقطت عام 1492.

 

ماذا فعلت إيزابيلا؟ وحَّدت الجهود، جهود كل ملوك النصارى ضد المسلمين، وبذلت كل ما تملك، حتى إنها دفعت وقدمت مجوهراتها لدفع رواتب الجنود، وكانت تُشرف على المعارك بنفسها ضد المسلمين، وكانت هي المسؤولة عما يسمى بمحاكم التفتيش التي كانوا يُحَرِّقون فيها المسلمين حرقًا وهم أحياء، وطمست كل ما هو إسلامي، فلم تبق في الأندلس مئذنة يُسمع فيها أذانٌ.

 

سبحان الله؛ كما قال عمر رضي الله عنه: إني لأعجَبُ من جلد الفاجر وعجز الثقة، الإنسان الذي يدافع عن هذا الدين يجب أن يكون عنده جلد وصبر، فسبحان الله، مَن أولى بالجلد والصبر؟ مَن أَولى بالهمة العالية والعزم؟ أهل الباطل أم أهل الحق؟ الذين يدافعون عن الدين، عن الإسلام، الذين يريدون أن ينتصر هذا الدين، انظري إلى همة أهل الباطل، إحدى الفنانات تخيَّر ما بين بيتها وزجها وأولادها وما بين الفن، تقوم بتمثيل أدوار الحب والغرام والعشق والهيام، وبين أن تختار البيت والأولاد، فماذا ستختار؟ وبماذا ستُضحي؟ تخيَّلي ماذا فعلت؟ ماذا اختارت؟ اختارت الفن وضحَّت بالزوج والأولاد والبيت، كثير جدًّا فعلنَ ذلك، فسبحان الله، هل ضحينا للإسلام بشيء؟ هل ضحينا لهذا الدين بشيء؟ هل خدمنا الإسلام كما يخدم هؤلاء الباطل؟

 

مجالات خدمة الإسلام كثيرة:

طلب العلم: عندما تطلبين العلم فأنتِ الآن تخدمين الإسلام، وتنصرين هذا الدين.

الدعوة إلى الله عز وجل نشر الخير بين الناس.

 

مساعدة المحتاجين، نشر سُنَّة، محاربة بدعة، إغاثة ملهوف، إقامة صلاة، بناء مسجد، صيام يوم، قضاء دين، اقتراح فكرة ينتصر بها الإسلام، اقترحي هذه الفكرة، أعْمِلِي جهدك وتفكيرك كيف ينتصر الإسلام، كيف نرتقي بالمسجد، كيف نرتقي بالحلقات، كيف نجمع الناس على الخير، كيف نرشدهم إلى الخير، اقتراح فكرة، سد ثغرة، دعاء للمسلمين بظهر الغيب، نريد أن نولد من جديد، نريد أن نعمل لهذا الدين.

 

ليكن دينُنَا هو همُّنَا الشاغل، وليس هواية نمارسها في أوقات الفراغ، يعني لا أعطي الدين وقت الفراغ الذي عندي، الوقت المتبقي، وإنما أعطي الدين كل الوقت، كل واحدة منا لديها ما تُحسنه، أكيد عندك شيء تحسنينه تستطيعين به خدمة هذا الدين، كل منا يستطيع أن يقدم لهذا الدين، كل منا مسؤول عن هذا الدين: ? وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ? [الصافات: 24].




نحتاج أن نطلب العلم، وأن نعرف فضله، وأن نعمل به، وأن نُبلغه، وأن ندعو الناس إليه: بلِّغوا عني ولو آيةً[6].

اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، اللهم ارزقنا علمًا نافعًا وعملًا صالحًا، وقلبًا خاشعًا.

اللهم أصلح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانَا التي فيها معاشُنَا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعَل الموت راحةً لنا من كل شر.

اللهم اهدنا واهدِ بنا، واجعلنا سببًا لمن اهتدى، اللهم ارزُقنا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.

اللهم ارزُقنا الفردوس الأعلى بفضلك ورحمتك، وارزُقنا شهادة في سبيلك.




[1] صحيح الجامع (1077): صحيح، رواه: الحاكم.

[2] أخرجه الترمذي (2459 )، وابن ماجه (4260 )، وأحمد (17164 ) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

[3] صحيح الجامع : (8183)، من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[4] سنن أبي داود: (2674)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] صحيح ابن حبان: (88)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.

[6] صحيح البخاري: (3461)، من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook