أليس الله بعزيز ذي انتقام

الكاتب: المدير -
أليس الله بعزيز ذي انتقام
"? أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ?

 

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَام؟! يسمعها المظلوم فيستبشر بأن الله تعالى سيقتص له لا محالة.

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! يسمعها المكلوم فيزول ألمه، ويلتئم جرحه، وتجف دمعته، ويسر قلبه.

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! يسمعها الضعيف فتمنحه القوة الروحية والصبر الذي بهما يصمد أمام بطش الباطشين وجور الجائرين.

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! يسمعها الظالم فتهزه هزاً يُزلزل أركانه، ويُقوِّض عرشه، وينسف مُلكه، ويُنغص معيشته، وينزع راحته، ويقض نومه. وذلك لأنه لا يعلم من أين سيأتيه انتقام الله تعالى فجنود الله تعالى كثيرة ? وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ? وأخذ الله تعالى أليم. قال تعالى:  ? فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ? (العنكبوت 40).

 

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! بها تستقيم أمور الحياة، وتوضع الأمور في نِصابها، وتعود الحقوق إلى أصحابها.

 

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! تحتاج إلى قلوب كلها يقين بوعد الله تعالى وأن الله تعالى لا يخلف وعده مهما طُويت السنين ومهما طال الزمان ? وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ? (مريم: 64).

 

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! يسمعها المظلوم والمكلوم والضعيف حين يتحقق وعد الله تعالى لهم فتنسكب العَبرات، وتهدأ القلوب، وتستقر الأنفس، وتخر الأبدان ساجدة لله تعالى شكراً على كرم عطائه وتحقيق وعده.

 

• أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ؟! يسمعها الظالم حين يتحقق وعيد الله تعالى له فتزيدة ذلاً على ذلته، وخزياً على خزيه، وألماً على ألمه، وحينها يتمنى أن تُسَوَّى به الأرض ولا يرى شماتة الشامتين، ونظرات المقهورين، ولوعة المقربين.

 

• أولاً: معنى الانتِقَام وأنواعه:

• جاء في لسان العرب لابن منظور رحمه الله: الانتقام مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء .

• جاء في موسوعة نضرة النعيم : الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط .

• جاء في المعجم المفسر لكلمات أحاديث الكتب التسعة للشيخ طارق عوض الله: (نقم): المنتقم، يوصف الله عز وجل بأنه ذو انتقام، وأنه ينتقم من المجرمين، كما يليق به سبحانه، وهي صفة فعلية ثابتة بالكتاب والسنة، وليس المنتقم من أسمائه تعالى.

• جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور رحمه الله: الانتقام: المكافأة على الشر بشر وهو مشتق من النقم وهو الغضب.... .

• قال الإمام الغزالي رحمه الله: المنتقم هو الذي يقصم ظهور العُتاة وينكل بالجناة ويشدد العقاب على الطغاة .

• قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله – في مجموع الفتاوى: واسم المنتقم ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جاء في القرآن مُقيداً كقوله تعالى ? إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ? وقوله  ? إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ?. والحديث الذي في عدد الأسماء الحسنى الذي يذكر فيه     المنتقم فذكر في سياقه البر التواب المنتقم العفو الرؤوف : ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

 

• والانتقام منه المحمود ومنه المذموم:

1- الانتقام المحمود: هو الانتقام الذي يردع الظالم فلا يعود للظلم والعاصي فلا يعود للمعصية فيستريح العباد وتأمن البلاد. وهذا الانتقام يكون بالحدود والتعزيرات والعقوبات التي حددها الشرع. وأحياناً يكون العفو أوجب للتهذيب وأمضى من العقوبة والردع.

• عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور، وقد قدَّم بين يديه جماعةً - كانوا قد خرجوا عليه - ليقتلهم، فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك، وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم .

• عن الأصمعي قال: أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ، والتَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه

• قال المنصور لولده المهدي: لذة العفو أطيب من لذة التشفي؛ وذلك أن لذة العفو يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذم الندم .

 

2- الانتقام المذموم: هو الانتقام الذي يكون بقصد التشفي والتنكيل والتجاوز أو الانتقام بما لم يبيحه الشرع.

• جاء في كتاب غرر الخصائص الواضحة، وعرر النقائض الفاضحة لأبي إسحق برهان الدين المعروف بالوطواط قال: ومن رسالة للبديع الهمداني يصف ملكا عظيم الشان يحسبه المتأمل إنسانا وهو شيطان... إلى أن قال: لا يعرف من العقاب إلا ضرب الرقاب ولا من التأديب غير اراقة الدماء ولا يهتدي إلا إلى إزالة النعماء ولا يحلم عن الهفوة كوزن الهبوة ولا يغضي عن السقطة بجرم النقطة ثم إن النقم بين لفظه وقلمه والأرض تحت يده وقدمه فلا يلقاه الولي إلا يغمه ولا العدو الا يذمه فالأرواح بين حبسه واطلاقه كما أن الأجسام بين حله ووثاقه .

 

• ثانياً: الانتقام كما ورد في القرآن الكريم: لقد وردت العديد من الآيات التي تحدثت عن انتقام الله تعالى وبطشه بالظالمين والمعتدين ومن يحادون الله تعالى ورسله الكرام.

 

1- قال تعالى: ? الم * اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ? (آل عمران 1 – 4).

 

2- قال تعالى: ? فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ? (الأعراف 135 - 136).

 

3- قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ? (المائدة 95).

 

4- قال تعالى: ? فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ? (إبراهيم 47).

 

5- قال تعالى: ? وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ? (الحجر 78 – 79).

 

6- قال تعالى: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ? (الروم 47).

 

7- قال تعالى: ? وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ? (السجدة 22).

 

8- قال تعالى:  ? أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ ? (الزمر 36 – 37).

 

9- قال تعالى:  ? قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ? (الزخرف 24 – 25).

 

10- قال تعالى: ? فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ?  (الزخرف 41 – 43).

 

11- قال تعالى: ? فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ ? (الزخرف 54 – 56).

 

12- قال تعالى:  ? يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ? (الدخان 16).

 

• هذه الآيات وغيرها تثلج صدر المظلوم وتبعث فيه الأمل وحسن الظن بالله تعالى بأنه سبحانه سينتقم له وسيعيد له حقه إن عاجلاً أو آجلاً، كما أنها تقع على مسامع الظالم المُعتدي فترتعد فرائسه وتنغص معيشته لأنه يظل طوال حياته مُترقباً ينتظر انتقام الله تعالى منه.

 

ثالثاً: الانتقام في السنة النبوية المطهرة: إن الأحاديث التي ذكرت في هذا الجانب فحواها أن المسلم لا يجب عليه أن يغضب ولا ينتقم لنفسه بل يكون غضبه وانتقامه إذا انتهكت حرمات الله تعالى دون تجاوز أو إفراط ولكن وفق ما حدده الشرع الحنيف.

1- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بينَ أمرينِ إلا أخَذَ أيسَرَهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعدَ الناسِ منه، وما انتقمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنفْسِه إلا أن تُنتَهكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنتَقِمَ للهِ بها (رواه البخاري).

 

2 – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتجت الجنةُ والنارُ! فقالتِ الجنةُ: يدخلني الضعفاءُ والمساكينُ. وقالت النارُ: يدخلني الجبارونَ والمتكبرونَ. فقال للنارِ: أنتِ عذابي أنتقمُ بك ممن شئتُ. وقال للجنةِ: أنتِ رحمتي، أرحمُ بك من شئتُ (رواه الترمذي).

 

3- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء إلى عبدِ اللهِ رجلٌ فقال: تركتُ في المسجدِ رجلًا يُفسِّرُ القرآنَ برأْيه. يُفسِّرُ هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ. قال: يأتي الناسَ يومَ القيامةِ دخانٌ فيأخذ بأنفاسِهم. حتى يأخذَهم منه كهيئةِ الزُّكامِ. فقال عبدُ اللهِ: مَن علِم علمًا فلْيَقُلْ به. ومن لم يعلمْ فلْيقُلْ: اللهُ أعلمُ. فإنَّ مِن فقه الرجلِ أن يقول، لما لا عِلمَ له به: اللهُ أعلمُ. إنما كان هذا؛ أنَّ قريشًا لما استعصتْ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دعا عليهم بسنينَ كسِني يوسفَ. فأصابهم قحطٌ وجهدٌ. حتى جعل الرجلُ ينظر إلى السماءِ فيرى بينه وبينها كهيئةِ الدُّخانِ من الجَهدِ. وحتى أكلوا العظامَ. فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ! استغفِرِ اللهَ لمضرَ فإنهم قد هلكوا. فقال لمضرَ؟ إنك لَجرئٌ قال فدعا اللهَ لهم. فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: ? إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ? (الدخان 15) قال فمُطِروا. فلما أصابتْهم الرَّفاهيةُ، قال، عادوا إلى ما كانوا عليه. قال فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: ? فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ? [الدخان 10 - 11] ? يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ? (الدخان 16) قال: يعني يومَ بدرٍ (رواه مسلم).

 

رابعاً: نماذج من انتقام الله تعالى من الظالمين: إن انتقام الله تعالى من الظالمين على مر العصور أثبته القرآن الكريم وأثبتته السنة النبوية المطهرة، فكم أهلك الله تعالى من نماريد وفراعين وهامانات وقوارين وطغاة وجبابرة وظالمين ليكونوا عِبرة لكل مُعتبر وسلوى لكل مظلوم.

 

1- انتقام الله تعالى من أبرهه وجيشه: ورد في مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني رحمه الله: فبينما هم كذلك إذ بعث اللّه عليهم (طيراً أبابيل) أي قطعاً قطعاً صُفراً دون الحمام وأرجلها حُمر، ومع كل طائر ثلاثة أحجار، وجاءت فحلّقت عليهم، وأرسلت تلك الأحجار عليهم فهلكوا، قال عطاء: ليس كلهم أصابه العذاب في الساعة الراهنة، بل منهم من هلك سريعاً، ومنهم من جعل يتساقط عضواً عضواً، وهم هاربون، وكان أبرهة ممن تساقط عضواً عضواً حتى مات ببلاد خثعم.

 

2- انتقام الله تعالى من أكابر كفار قريش: عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ترك قتلى بدرٍ ثلاثًا. ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال: يا أبا جهلِ بنَ هشامٍ! يا أميةَ بنَ خلفٍ! يا عتبةَ بنَ ربيعةَ! يا شيبةَ بنَ ربيعةَ! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني قد وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا . فسمع عمرُ قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. فقال: يا رسولَ اللهِ! كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟ قال والذي نفسي بيدِه! ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم. ولكنهم لا يقدرون أن يُجيبوا ثم أمر بهم فسُحبوا. فأُلقوا في قليبِ بدرٍ (رواه مسلم).

 

3- انتقام الله تعالى من الحجاج بن يوسف الثقفي: جاء في كتاب كيف ماتوا؟ لمؤلفه خليفة إسماعيل الإسماعيل قال: ذكِر أن الحجاج قد أصيب بمرض الأكلة في بطنه وكان يهرش بطنه بيديه الاثنتين حتى يدمى إلى درجة أنهم كانوا يكوونه بالنار على بطنه لتخفيف تلك الأكلة التي أصيب بها ولم يكن يشعر بحرارة النار ويقول الرواة أنه كان يبكي كالأطفال من شدة الألم وقد شكا حاله إلى العالم الكبير الحسن البصري الذي قال له: كم قد نهيتك يا حجاج أن لا تتعرض لعباد الله الصالحين لكنك لم تنته وهذا جزاؤك. فقال الحجاج بصوت يملؤه الأسى والألم: إني لا أطلب منك أن تدعو الله حتى يشفيني ولكني أطلب منك أن تسأل الله أن يُعَجِّل قبض روحي ولا يطيل عذابي. ويُقال أن الحسن البصري بكى بكاء شديداَ من شدة تأثره لحال الحجاج. وقد ظل الحجاج يعاني من مرض الأكلة خمسة عشر يوماً لم يطعم فيها الزاد ولم يغمض له جفن حتى مات في شهر رمضان وقيل في شهر شوال سنة (95هـ) وعمرة (54) عاماً .

 

4- انتقام الله تعالى من القرامطة: عندما هجم القرامطة على بيت الله الحرام عام 317 هـ واستباحوا حرمته وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود الذي ظل عندهم 22 عاما: جاء في كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي قال: فلما عاد القرمطي إلى بلاده رماه الله في جسده حتى طال عذابه وتقطعت أوصاله وأطرافه. وهو ينظر إليها وتناثر الدود من لحمه .

 

5- انتقام الله تعالى من الوالي الظالم محمد بن صمصامة: كان محمد بن صمصامة أميراً على دمشق وكان ظالماً متجبراً سفاكاً للدماء مصادراً للأموال خبيث العقيدة، عج الخلق فيه إلى الله، وكثر ابتهال أهل دمشق من هذا الذي سمي جيش ابن محمد بن صمصامة، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: ابتلي بما لا مزيد عليه، ضربه الله بالجذام، وكان يقول لأصحابه: اقتلوني ويلكم أريحوني من الحياة .

 

6- انتقام الله تعالى من كمال أتاتورك: ألغى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية، وكان معادياً للإسلام، ومنع الأعياد والحج والأذان واللغة العربية، وأصدر أمراً بتحويل مسجد أياصوفيا إلى متحف، وكان سكيراً عربيداً ماجناً فاحشاً، ابتلاه الله بكائنات دقيقة لا ترى بالعين، فذاق مر العذاب ثلاث سنوات حتى قبضت روحه.

 

• والنماذج في هذا الجانب كثيرة لم تنته ولن تنتهي إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها فالمعركة سِجال والأيام دُول بين الحق والباطل. وإن تأخر انتقام الله تعالى من بعض الظالمين فإنما يكون ذلك استدراجاً لهم وإمهالاً فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

 

وختاماً: إن انتقام الله تعالى ممن يُخالف أمره - بعد إمهاله وإقامة الحجة عليه - سُنة ماضية ليستقيم الكون ولتستقر الحياة وليعلم الخلق أن للكون إله يُدبر أمره بما يقومه ويصلحه. ولقد وضع الله تعالى للعباد أيضاً من الضوابط والأحكام والحدود بشأن المعتدين ما يمكنهم من ردع الظالمين وتقويم المتجاوزين دون تجاوز أو إجحاف لأن من استمرأ الانتقام قسى قلبه وذهبت مروأته وصار في عِداد الظالمين.

أيها المظلوم صبراً لا تهن
إن عين الله يقظى لا تنام
نم قرير العين واهنأ خاطراً
فعدل الله دائم بين الأنام
وإن أمهل الله يوماً ظالماً
فإن أخذه شديد ذي انتقام


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook