أمة وسطا.. ما معنى الوسطية؟

الكاتب: المدير -
أمة وسطا.. ما معنى الوسطية؟
"أُمَّةً وَسطًا.. ما معنى الوسطية؟

 

يقولون: الإسلام دين الوسطية، هل وصفهم للوسطية صحيح؟

كثيرون يقولون: الإسلام دين الوسطية، وكلٌّ يعبر (بالوسطية) عن مفهوم عنده.

 

كثير ممن عاينتهم يصفون (بالوسطية) ذلك التراخي في تنفيذ الأوامر، والتفريط في أوامر الله ونواهيه، وكثيرًا ما نجد هذا اللفظ يتردد عند الحديث عن أهل الكتاب للترفُّق بهم (في كل موضع) وطلب ودِّهم.

 

مصيبتنا في مدَّعي (الوسطية المغلوطة) حين نجدهم يحكمون على شعائر الدين بالوسطيَّة!

 

فالوسطية عندهم هي ما بين الالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه وبين ترك ذلك بالكلية؛ كأنهم يقولون: التزم.. لكن ليس بكل شيء!

 

فتجدهم يرددون عبارات، ويَظهرون على أحوال تخفيف التكليف عن الناس مثل:

• الدين جوهر.. لا مظهر.

• احتجبي يا أختاه، ولا مانع من بعض التبرج والسفور، ويُسمونه لك حجابًا.

• صلِّي يا أختي، وإن كان بالسروال فلا بأس، المهم أن تُصلِّي.

• التزم يا أخي، لكن الدين ليس كله لحية ولا قميص قصير.

 

• اختلطوا يا مسلمين رجالكم بنسائكم، لكن بشرط، حافظوا على المزاح بغير ألفاظ خارجة، وانصحوا بعضكم بعضًا في الخلطة؛ حتى يكون مجلسًا محمودًا فيه ذِكْر.

 

• هنِّئ الكافر بعيده (الذي هو إحياء لدعواهم ولد لله - تعالى الله عما يصفون)، بشرط ألا تصلي صلاته أو تؤمن بشركه.

 

• غنِّي يا أختي أغاني تتكلم عن الإيمان والإسلام لتُرَغِّب الناس فيه.. ولكن لا تخضعي بالقول!

• انصح الناس ولا تحزَن حتى لو سبُّوا دينك ونبيك.. الموعظة الحسنة يا أخي.

 

• المعازف لا بأس بها، فأنت تُطرب الناس وتكلِّمهم عن الإسلام.. النبي صلى الله عليه وسلم أحلَّ ضرب الدف للنساء في الأفراح.

 

أي وسطية هذه؟! إنها التفريط المُتجَمِّل!

فهل الوسطية والاعتدال تَعنيان الوقوف بين الأوامر والنواهي؛ فلا نأخذ بها كاملة تامة، ولا نتركها كلها؟!

أو تعني الوقوف بين الكفر والإيمان وأخذ بعض هذا وبعض ذاك؟!

 

أو تعني أن نُحلَّ ما حرم الله من أجل دعوة الناس إلى الدين؟ أأنتم أعلم بما يصلح أنفس الناس أيها المدَّعون؟! أليس الله أعلم بما يصلح الأنفس؟! ما لكم كيف تحكمون؟!

أي اعتدال هذا؟! والله إنه العوج!

 

• ? وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ? [ق: 16].

• ? أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ? [الملك: 14]

 

ومِن وصفهم (المغلوط) للوسطيَّة، فإنَّ كل متمسِّك بالأمر والنهي هو مُتشدِّد مُفرِط (من الإفراط والإكثار: أي مُكثر) في الدين.

 

فمن يَفصل بين فهمنا للوسطية وفهمهم في هذا الاختلاف البيِّن؟

أولًا: نسأل: من أين جاء الناس بلفظ الوسطية؟

أليس من كتاب الله؟

فطالما أن الوسطية لفظة مأخوذة من الإسلام فلنتعلمها من مصدرها الذي أتت منه.

 

فما معنى الوسطية التي جاءت في كتاب الله؟

? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ? [البقرة: 143].

 

في التفسير:

? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [البقرة: 143] المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطًا؛ أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها، وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [البقرة: 143] قال: (عدلًا)، قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي التنزيل: قال أوسطهم؛ أي: أعدلهم وخيرهم.

 

ووسط الوادي: خير موضع فيه، وأكثره كلأ ًوماءً، ولما كان الوسط مجانبًا للغلو والتقصير كان محمودًا؛ أي: هذه الأمة لم تغلُ غلوَّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم، وفي الحديث: خير الأمور أوسطها، وفلان مِن أوسط قومه، وإنه لواسطة قومه، ووسط قومه؛ أي: مِن خيارهم وأهل الحسب منهم، وقد وسط وساطة وسطة، وليس مِن الوسط الذي بين شيئين في شيء؛ (تفسير القرطبي).

 

يعني جل ثناؤه بقوله: ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [البقرة: 143] كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم التوفيق لقِبلة إبراهيم وملَّته، وفضَّلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل؛ كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطًا، وقد بينا أن الأمة هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم، وأما الوسط فإنه في كلام العرب: الخيار.

 

القول في تأويل قوله تعالى: ? لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ? [البقرة: 143] والشهداء جمع شهيد، فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا عدولًا ? لتَكُونُوا ? [البقرة: 143] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ أنها قد بلغت ما أُمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أُمَمِها، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدًا عليكم بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي؛ (تفسير الطبري).

 

((يُجاء بنوحٍ يومَ القيامةِ، فيقال له: هل بلَّغتَ؟ فيقول: نعم يا ربِّ، فتُسألُ أُمَّتُه: هل بلَّغَكم، فيقولون: ما جاءنا من نذيرٍ، فيقول: من شهودُك؟ فيقول: محمدٌ وأُمَّتُه، فيُجاءُ بكم فتشهدون، ثم قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [البقرة: 143] - قال: عدلًا - ? لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ? [البقرة: 143]))؛ الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 7349.

 

خلاصة حكم المحدث: صحيح.

 

مروا بجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت))، ثم مروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال النبي: ((وجبت))، قالوا: يا رسول الله، قولك الأولى والأخرى وجبت، فقال النبي: ((الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض))؛ الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم: 1932، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

 

فكيف يكون الحكم على عمل الفرد إلا قياسًا على إتيانه الأوامر واجتنابه النواهي؟

فلو أن الحَكَم هو الأهواء لصار كل من يقول - بلسانه - أنا مؤمن مستحقًّا للجنة (أيًّا ما كان ما يؤمن به).

 

وقد جعل الله الرسل قائمين على إصلاح الأرض، وجعل على المؤمنين للرسل واجب الإصلاح في الأرض بهذه الرسالات.

وهذه الأُمة التابعة للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم عليها هذا الواجب من إقامة هذه الرسالة والإصلاح بها في الأرض.

 

وهو واجب ليس بالهيِّن؛ لأنها المتمِّمة، فلا رسالة ولا رسول بعد هذه الرسالة، وهذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم:

? لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [الحديد: 25].

 

يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصَّلات من البيان والدلائل، وأنـزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، والميزان بالعدل.

 

كما حدثنا ابن عبدالأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ? الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ? [الحديد: 25] قال: الميزان: العدل.

 

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ? وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ ? [الحديد: 25]بالحق؛ قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويُعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يُعطي، قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدنيا.

 

وقوله: ? لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ? [الحديد: 25] يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل.

 

وقوله: ? وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ? [الحديد: 25] يقول تعالى ذكره: وأنزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد، يقول: فيه قوَّة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدو، وغير ذلك من منافعه.

 

حدثني يونس، قال: أخبَرَنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ? وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ? [الحديد: 25] قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها، ? وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ? [الحديد: 25] بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك.

 

عن مجاهد: قوله: ? وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ? [الحديد: 25] وجنَّة وسلاح، وأنزله ليعلم الله من ينصره، وقوله: ? وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ? [الحديد: 25] يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب الله من ينصر دين الله ورسله بالغيب منه عنهم.

 

وقوله: ? إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ? [الحديد: 25] يقول تعالى ذكره: إن الله قويٌّ على الانتصار ممَّن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز في انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحلَّ به من العقوبة؛ (الطبري).

 

? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ? [النساء: 59].

 

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس قال: أخبرنا ليث، عن مجاهد في قوله: ? فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ? [النساء: 59]، قال: فإن تنازع العلماء ردُّوه إلى الله والرسول، قال: يقول: فردُّوه إلى كتاب الله وسنَّة رسوله؛ (الطبري).

 

ما أريد بلوغه يا إخوة أن الوسطية لا تعني الوقوف متوسطين بين الكفر والإيمان، ولا الوقوف بين الأوامر والنواهي؛ ما بين الأخذ بها كاملة أو تركها كاملة، آخذين بما يُهوَى وتاركين ما يثقل على الأنفس من تكليف، بل هي كما أوضحنا تفصيلًا مُفصلًا نسأل الله فيه النفع والبصائر.

 

يا رسول الله، حدِّثني بأمر أعتصم به، قال: ((قل: ربي الله، ثم استقم)) قلتُ: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف عليَّ؟ فأخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلسان نفسه، ثم قال: ((هذا))، الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه، الصفحة أو الرقم: 3223، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


"
شارك المقالة:
46 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook