أنماط التعليم في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
أنماط التعليم في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

أنماط التعليم في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
أسهم عدد من الأشكال والأنماط التقليدية للتعليم في تأسيس الحركة الثقافية المعاصرة في منطقة حائل، ما انعكس على واقعها الثقافي الذي شهد تقدمًا ملموسًا شقت طريقه منطقة حائل في حقل التعليم مشكلاً اللبنة الأولى في بنائه، وفيما يأتي عرض لأشكال وأنماط التعليم القديم في حائل، وهي: الكتاتيب، وحلقات المساجد، والمدارس الأهلية.
 

مرحلة ما قبل التعليم النظامي

 
أشكال للتعليم القديم في حائل   هي: الكتاتيب، حلقات المساجد، المدارس الأهلية.
 
أ - الكتاتيب: 
 
لم تخلُ مدينة أو قرية في حائل من (كُتَّاب) أو أكثر قبل التعليم النظامي بما يقارب مائتي سنة، وكان يُطلق عليها أحيانًا (القراية) ومرجعية التعليم فيها دينية بنيتها الأساسية تعليم وتحفيظ القرآن الكريم، واعتمدت على جهود معلمين مخلصين، وعلماء أجلاء، وخطباء مساجد، عمل بعضهم بلا مقابل إلا احتساب أجر العلم عند الله سبحانه وتعالى؛ كما تورد بعض المصادر والروايات الشفهية  
 
كان التعليم في الكتاتيب على مدار العام لا يقطعه إلا غيبة المعلم، أو انشغاله بعمل قاهر يمنعه عن تعليم طلابه قسرًا، وكان أبناء البدو يتعلمون في الفترات التي يستقر فيها أهلوهم من الترحال بحثًا عن العُشب بجوار المدن أو القرى التي بها كُتَّاب ومعلم.
 
وكانت الدراسة تتم على فترتين: صباحية ومسائية، تبدأ الصباحية بعد شروق الشمس، وتستمر من ثلاث إلى أربع ساعات، يمضي بعدها المعلم وطلابه إلى قضاء حوائجهم، وتناول الغداء، ثم يعودون إلى الدرس في الفترة المسائية ما بين صلاتي العصر والمغرب، وتتغير هذه الفترة قصرًا وطولاً في فصل الشتاء عنها في الصيف، ولم تكن هناك علامات على بدء الدرس ونهايته إلا كلمات المعلم الذي كان يُلفت نظر طلابه إلى بدء العمل بجلوسه والإشارة إليهم، ولا يعرفون أن مجلسهم انتهى إلا حين يقول لهم: "صلوا على النبي" فيردون: "اللهم صلِّ على نبينا محمد" ويأخذون ألواحهم منصرفين  
 
كانت هناك بعض الكتاتيب المخصص لها أبنية، والبعض الآخر يتم التعليم في جانب من المسجد، أو منـزل المعلم، وربما في مكان ظليل تحت شجرة  
 
وكان المعلم (الخطيب - المطوع - الكاتب) يعد محور عملية تعليم الصغار التقليدية قبل انتشار التعليم النظامي في منطقة  حائل؛ أما في المراحل المتقدمة فالشيخ هو المسؤول عن التعليم برمته، وتأتي قيمة هذا النوع من المعلمين من كونه يكاد أن يكون هو العملية التعليمية بكاملها، إذ إنه نموذج تاريخي فريد لما يسمى (المثقف العضوي) كان يقوم بدور مؤسسة كاملة في ظروف غاية في القسوة، وأحيانًا يعمل دون أن يكون له مكان مخصص، فيقوم بدوره في جانب من المسجد، أو منـزله، ويعمل دون أن ينتمي إلى مؤسسة رسمية، بأجر من الأهالي أحيانًا، وأحيانًا أخرى بلا أجر، ويقتني الكتب، وينسخها في وقت لم يكن يتوافر فيه من الإضاءة سوى فتيلة سراج باهتة، وأوراق شحيحة، وأحبار بدائية يصنعها بنفسه، وكان عليه أن يقوم أحيانًا بدور المؤذن، وخطيب المسجد، ثم عليه أن يشتغل بتأمين مصدر لرزقه، فلم تكن هناك جهة معينة تدفع للمعلم راتبًا، وإنما يتلقى أجره من أهالي طلابه، إذا كان منقطعًا للتعليم، فقد كان المعلمون نوعين؛ الأول منقطع لعملية التعليم، يعيش على ما يتلقاه من أجر لقاء تعليم الطلاب، وينتمي إلى الطبقة الفقيرة من المجتمع التي تعيش على الكفاف، ولم يكن يتجاوز أجر تعليم الطالب الواحد في المدن غالب الأحيان نصف الريال إلى الريال شهريًا، في حين كانت الأجرة عينية في الريف، فتراوحت بين صاع وصاعين من القمح أو التمر مقابل تعليم الطالب الواحد شهريًا، وفي أوقات الرخاء قد يحصل المعلم على منحة من الإقط، أو السمن، أو اللبن من أبناء البادية، أو بعض من ثمار مواسم الحصاد، وكان بعض ولاة أمور التلاميذ يقدمون مساعدة للمعلمين يطلق عليها (دخولية) عند التحاق الطفل بالكُتاب، وفي المناسبات والأعياد يطلق عليها (عيدية) ولا يأخذ النوع الآخر من المعلمين أجرًا لقاء التعليم، حيث ينتمي في الأصل إلى شريحة اجتماعية ميسورة نسبيًا، كأن يكون المعلم هو أمير القرية، أو البلدة، أو خطيب المسجد فيها، أو أحد المتعلمين الميسورين، وكان بعض المعلمين ينتقل من مكان إلى آخر لنشر العلم، وربما يعمل في مكانين متقاربين في الوقت نفسه  .  ويوضح M1 الملحق رقم 1 أشهر معلمي الكتاتيب في منطقة حائل.
 
هدف عملية التعليم هو ختم القرآن الكريم؛ لذا يبدأ الطلاب التوجه إلى الكُتاب في نحو العاشرة من العمر أو ما بعدها، ويستمرون في التعلم بشكل مستمر أو متقطع؛ ما يجعل الوصول إلى هدف إكمال التعليم (ختم القرآن الكريم) يستغرق سنوات قد تطول أحيانًا، وكان على الراغبين في إكمال تعليمهم قراءة كتب الفقه والعقيدة، وأولها كتاب الأصول الثلاثة، المشتمل على أقسام التوحيد الثلاثة؛ توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، ثم يقرأ في الفقه كتاب آداب المشي إلى الصلاة، وشروطها، وأركانها، وواجباتها؛ ثم يدرس من الحديث كتاب الأربعين النووية.
 
وعن الوسائل التعليمية فلم يكن الورق أو الأقلام ووسائل التعليم الأخرى متاحة وقتئذٍ، ولم توجد إمكانات مادية أو تقنية مخصصة للتعليم، وكان الحل البيئي خيارًا وحيدًا، وتمثل هذا الحل في صنع لوح من الخشب مطلي بمادة يسهل الكتابة عليها.
 
واللوح قطعة مستطيلة من خشب محلي غليظ له ممسك به ثقب يسمح بمرور حبل صغير لتعليقه منه، يصنع بمساحة تراوح بين 15 و 20سم عرضًا، وطولاً من 25 - 30سم وسمك في حدود سنتيمترين تقريبًا، مصقول الوجهين، ويتم طلاؤهما بالمبيض، لتجهيزه للكتابة أثناء الدرس، وعمل الواجب أو (الخطة) في البيت
 
والمبيض (بيضاء لوح) هو أحجار كلسية شديدة البياض والنعومة تذوب في الماء، وتستخدم جافة بتمريرها برقة على اللوح بعد رشه بالماء، فتذوب المادة، وتلتصق باللوح مكونة طبقة رقيقة، وتترك لتجف في الشمس، وبعدها يصبح اللوح جاهزًا.
 
أما الأقلام فنوعان؛ يصنع الأول من أعواد الأشجار المصمتة أو النباتات البيئية، مثل: الرمث، والعوسج، ويصنع الثاني من قصب مجوف مجلوب من مناطق نهرية خارج المنطقة، أو بعض أغصان مجوفة لنباتات كالخوخ، يتم بريها بأداة حادة؛ لتكون رؤوسها بالسماكة المرغوبة التي تتفاوت من الحدة إلى الغلظة طبقًا للغرض المعد القلم من أجله.
 
وقد تفنن أهل المنطقة في صنع أحبار ملونة من الخامات البيئية، باستخدام صبغات تُذاب في الماء مع مثبت هو الصمغ العربي في الغالب، وكانت الألوان الرئيسة للأحبار هي: الأسود، والأزرق، والأحمر، ومادة التلوين الأساسية للحبر الأسود السناج الذي يتم جمعه من أسطح القدور، أو يصنع من بقايا القهوة المحروقة، أو الفحم، بعد سحقه، ومغلي قشر الرمان؛ حيث تمزج بالصمغ العربي لتصبح على هيئة مستحلب، يتم تخفيفه بالماء للدرجة المناسبة، أما مادة تلوين الحبر الأزرق فتؤخذ من حبوب شجر الرال المتوافر في البيئة، ثم تجفف وتطحن، ويغلي المسحوق في الماء، فيعطي سائلاً أزرق مائلاً إلى الخضرة، يضاف إليه الصمغ العربي لتثبيته، ولزيادة درجة الزرقة يضاف إليه مغلي قشر الرمان، أو الصبغ الأزرق (النيلة) ويصنع الحبر الأحمر بدرجتين؛ الأولى فاتحة أقرب إلى اللون البرتقالي، وعنصر التلوين من العصفر، والثانية أحمر داكن، ومادة التلوين هي الصبغة الحمراء، وكان الحبر الأكثر شيوعًا هو الحبر الأسود الذي يستخدمه الطلاب وعامة الناس، يليه الأزرق، أما الحبر الأحمر فلم يكن يستخدمه إلا الخاصة، والنُساخ المعنيين بزخرفة المستنسخات، ووضع العلامات عليها.
 
وقد شكلت الظروف المتاحة الوسائل التعليمية، فلم يكن هناك فصل دراسي ولا وسائل تعليمية بالمعنى التقليدي متاحة للمدرس مثل السبورة، فكان على المدرس توزيع جهده على طلابه بشكل فردي، وكان يبدأ بتقسيم الحروف إلى مجموعات يكتبها لكل طالب على حدة فوق لوحه الخشبي، وبعدما يحفظ الطلاب الحروف في شكلها القياسي يعلمهم المعلم الأشكال المختلفة للحرف الواحد، ويكتبها لهم بالطريقة نفسها على اللوح الخشبي، ويعلمهم بعد ذلك تركيب الحروف لصنع الكلمات وتفكيكها للحصول على الحروف، وبتكامل الطريقتين تتكون عند الطالب ملكة الإملاء، ثم يعلمهم التشكيل، ويستمر في دروس الإملاء والقراءة، حتى تبدأ مرحلة قراءة القرآن الكريم التي يسبقها المعلم بتعليم طلابه قراءة التشهد كما تقال في ختام كل صلاة قبل التسليم، ثم يبدأ الطلاب بحفظ القرآن الكريم مبتدئين بالفاتحة؛ حيث يقسمها المعلم إلى قسمين كل قسم (خطة) على الطالب قراءتها، وكتابتها، ثم عليه بعد ذلك قراءتها جهرًا على المعلم الذي يصحح له أخطاءه، وتسمى قراءة الخطة (قص) ثم يبدأ تعليم قصار السور، ثم سور أطول، ويتدرج المعلم في تعليم طلابه بتقسيم النص القرآني لعدد من الخطط يتوافق مع إمكانات الطلاب وقدرتهم على تعلمه، وتدريبهم على قراءته وكتابته.
 
وكان يحتفل بنتائج هذا التعليم؛ فإذا أتم الطالب حفظ جزء من القرآن يُعد أهله وليمة من المتوافر لديهم، ويتوجه زملاؤه بعد الدراسة الصباحية إلى منـزله؛ وهو يتقدمهم، وخلفه مباشرة أبرع الطلاب ممسكًا بطرف ثوبه أو غترته، أو واضعًا يده على كتفه، مرددًا آيات الذكر الحكيم، ويرد بقية الزملاء كلما انتهى من تلاوة آية بكلمة آمين، ثم يقرأ بعض الأدعية والابتهالات حتى يصلوا إلى المنـزل فيما يسمى (زفة الطالب) ليستقبلهم أهل الحارة وعائلة المحتفى به، فيستريحوا حتى يقدم لهم الطعام، ثم يتفرقوا. أما إذا أتم أحد الطلاب ختم القرآن فهذه فرحة كبرى، وعلى أهله إقامة حفل ووليمة حسب مقدرتهم، يدعون إليها الجيران، والأقارب، والمعلمين، وزملاء الطالب.
 
ب - حلقات المساجد:  
 
تقتصر على طلبة العلم الراشدين، أي بعد مرحلة الكُتَّاب يجلس فيها الشيخ في زاوية من زوايا المسجد، ويتحلق حوله طلبته، يستمعون إلى دروسه، ويدونون ما يمليه، ويختبر ما حصلوه من علم، ويبين M2 الملحق 2 أشهر هذه الحلقات.
 
ج - المدارس الأهلية:
 
بدأت باكورة جهود المجتمع المدني في الجزيرة العربية للتعليم الحديث في منطقة حائل، حين قام الشيخ سليمان الحمد السليمان السكيت بافتتاح أول مدرسة أهلية في المنطقة على نفقته الخاصة في عام 1353هـ / 1934م، وسماها (مدرسة سبيل الرشاد) التي استمرت تؤدي دورها المهم حتى عام 1356هـ / 1937م، وكانت الدراسة بها مجانية، ما شجع عددًا كبيرًا من محبي العلم على الالتحاق بها، وبلغ عدد طلاب العلم فيها ما بين 70 و 100 طالب، وكانت مواعيد الدراسة فيها تشابه مواعيد الكتاتيب، وذلك للتوافق مع الشروط البيئية والمجتمعية للمنطقة، وسارت على نهج الدراسة الدينية السائدة، فلم تكن هناك اختبارات تحصيلية، وكانت المواد التي كانت تدرس فيها هي مناهج (مدرسة الفلاح) نفسها بمكة المكرمة  
 
ثم توالت الجهود بافتتاح مدرسة بقعاء الابتدائية التي افتتحها الشيخ عبدالرحمن بن محمد العريفي، ومساعده الشيخ عبدالرحمن بن حمود العبيد في 28 / 2 / 1370هـ الموافق 1951م.
 

مرحلة التعليم النظامي  

 
بدأت المدارس النظامية مع النهضة السعودية، وكانت أول مدرسة حكومية عرفتها منطقة حائل هي المدرسة السعودية بحائل التي أُدمجت فيها مدرسة سبيل الرشاد بعد تأسيسها عام 1356هـ / 1937م بوصفها واحدة من ست مدارس ابتدائية أمر بإنشائها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - في كل من: الرياض، وحائل، والمجمعة، وعنيزة، وبريدة بناءً على العرض المرفوع من مديرية المعارف بمكة المكرمة، وانضم إلى المدرسة طلاب الكتاتيب الموجودة وقتئذٍ، وبلغ عدد طلابها في عامها الأول 446 طالبًا موزعين على ثلاثة مستويات  ،  ثم تم افتتاح المدرسة الابتدائية الثانية باسم (المدرسة العزيزية) عام 1368هـ / 1949م، وتلاها في عام 1369هـ / 1950م (المدرسة الفيصلية)، ثم افتتح أول معهد للمعلمين عام 1373هـ / 1954م، وبعد ذلك (المتوسطة الأولى) عام 1376هـ / 1957م، ثم (ثانوية حائل)  عام 1378هـ / 1958م، وتوالى سيل التعليم بافتتاح المدارس وتطويرها في كل مدن المنطقة وقراها. لقد أسهم التعليم بفاعلية في التنمية الثقافية وخَرَّجَ شخصيات لامعة في مجالات الثقافة والعلوم التطبيقية والإنسانية، وقد تطورت المؤسسة التعليمية في المنطقة تطورًا حثيثًا.
 
ولم يقتصر تعليم القرآن الكريم على البنين؛ إذ كان لدى المجتمع اتجاه لتعليم الفتيات القرآن الكريم، وإن على نطاق أضيق من تعليم الصبية، وكانت الفتاة تتعلم غالبًا على يد أحد أقاربها كوالدها أو أخيها، أو عمها أو خالها، أو ذي محرم، وكان مسموحًا في بعض الحالات للفتيات اللاتي لم يبلغن مبلغ النساء أن يحضرن الدروس مع بنات المعلم إن كان له بنات يدرسن، وكن يجلسن في معزل عن الصبية، حيث يستقطع المعلم من وقت الصبية لتعليمهن، والاستماع إليهن، وكان بعض زوجات المعلمين من المتعلمات يقمن بتعليم الفتيات، وتوافرت في بعض الأحيان معلمات متفرغات يقمن بعملية تعليم متكاملة موازية لتعليم الصبية، وحفظت الذاكرة الحائلية أسماء معلمات حظين بالإعجاب والتقدير، فكانت حافظة القرآن يشار إليها بالبنان  ،  ويشمل M3 الملحق رقم 3 أشهر كتاتيب تعليم البنات في منطقة حائل.
 
شارك المقالة:
67 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook