أهل الفقر ربما أوفر أجرا

الكاتب: المدير -
أهل الفقر ربما أوفر أجرا
"أهل الفقر ربما أوفر أجرًا

 

إنَّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفِره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعَه بإحسان إلى يوم الدين.

 

بين يدي المقال:

أهل الفقر في الحقيقة ينعَمون بأوفرِ النعم من الهدوء والراحة؛ أي: هدوء الضمير وراحة النفس؛ لقلة انشغالهم بهموم ومتاعب الدنيا، وهي نعمة يفتقدُها كثيرٌ من خلق الله، نعمة يفتِّش عنها الأغنياء بمالِهم، والملوك بمُلكهم؛ لكثرة انشغالهم بجمع المال وتحصيل المتاع، فهم لا يهدؤون الليل والنهار طلبًا للتكاثر في الأموال والمتاع، وهذا ما يسبِّب لهم الأرق والقلق.

 

وصدق قول القائل:

ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ ??? ولكنَّ التَّقيَّ هُو السَّعيدُ




بيتان من الشعر:

فَأَهْلُ الفَقْرِ قَدْ نَامُوا فَلَا هَمُّ
وأَهْلُ الفَضْلِ قَدْ نَادَوْا أَيَا نَوْمُ؟
فَأَهْلُ الفَقْرِ فِي أَمْنٍ وَفِي رَوْحِ
وَأَشْقَى الفَضْلُ كم جَمْعٌ وَكم قَوْمُ؟

 

لطيفة في (أيا نومُ):

استعمال أداة نداء البعيد لنداء القريب، وذلك لغرض بلاغي، وهو (تنزيل القريب منزلة البعيد)، فالنوم حقيقته قريب من العبد، لكن افتقَده وابتعد عنه بعدًا كبيرًا؛ بسبب انشغال فكره بهموم الدنيا، حتى أصبح يتمناه ويطلبه، فكأنه ينادي عليه كما ينادي على الشخص البعيد.

 

الشرح:

النوم من آيات الله تعالى الدالة على عظيم قدرته، قال الله تعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ? [الروم: 23].

 

• والنوم من نِعم الله تعالى؛ فبه يتقوَّى العبد على أعباء الدنيا والدين.

• جعل الله تعالى النومَ مجددًا لنشاط العبد، ومسكنًا لنفسه، ومهدئًا لأعصابه، وحاجةُ الإنسان لراحة عقله ونفسه أشدُّ من حاجته لأكله وشربه.

 

• هذه النعمة قد يُحرمها العبد، ويسعى لجلبها بكل ما أوتي من مال ومتاع، لكن لا يستطيع لذلك سبيلًا؛ لأن الله بيَّن أن النوم من آياته، وأنه أمن وأمانٌ منه سبحانه وتعالى، قال جل وعلا: ? إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ? [الأنفال: 11]، وبالتالي فهذه النعمة هي خيرٌ من المال والمتاع؛ لأن بفقدانِه يتشرَّد عقل العبد، ويفقد صوابه، وتضطرب حياته.

 

• هذه النعمة قد لا يُفكِّر فيها كثير من خلق الله ولا يهتمون بها؛ نظرًا لعدم انشغالهم بها، فالفقراء مثلًا تجدُهم في راحة ضمير، وطُمأنينة نفس، وهدوء فكر، وبالتالي فلا يجدون أدنى صعوبة عند خلودهم للنوم، فينامون في راحة، دون قلق ولا أرق، لكن قد يُحرم هذه النعمةَ أصحابُ الثراء والمال والتجارة، والمنشغلون بجمع الأموال أو تكثيرها من الأغنياء والأثرياء.

 

جاء في الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمرَه، وجعل فقره بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتب له، ومَن كانت الآخرة نيَّته، جمع الله له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ))؛ صححه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (404، 949، 950).

وهكذا قد يُحرم الإنسان الذي شغلَتْه الدنيا عن الدينِ حتى لذَّة النوم، التي هي من نعم الله الكبيرة.

 

المقابلة:

هذه النعمة التي يُفتِّش عنها الأغنياء بأموالهم، ويحاولون كسبها بأي وسيلة كانت، وتجدونهم يشربون الأدوية لغرض نومةٍ هادئة مطمئنة، هذه النعمة لا يسأل عنها الفقراء، وهي بالنسبة لهم لا تساوي شيئًا، فلو وُضعت هذه النعمة في كِفَّة ميزان ووضعت هذه الأموال المكتسبة في كِفَّة، لرجَحتْها.

 

تذكرة:

ليست النِّعم أو الأرزاق هي في الأموال المتكاثرة والأمتعة المتوافرة، فقد يُعطى العبد كنوز الدنيا، وهو محروم من راحة ساعة.

 

الحكمة:

فالله قد قسَّم الرزق بين العباد عدلًا؛ فقد أعطى الفقراء ما يتمناه الأغنياء بملء الأرض ذهبًا، قال جل وعلا: ? أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ? [الزخرف: 32].

 

الملاحظ:

كثيرٌ منا شغلَتْه هموم الدنيا عن الآخرة، فكان فضلُ الله عليه من مالٍ وأولادٍ سببًا في خسارة دينه ودنياه:

فخسارة دينه بما يفوتُه من ثواب وأجر الأعمال الصالحة؛ ومن أعظمها الصلاة والذكر.

وخسارة دنياه بما يفوته من راحة بال، وهدوء نفس، واجتماع بأهل وأولاد، وحرمانه لذَّة النوم.

 

لطيفة:

قد يكون الفضل هَمًّا وغَمًّا، بل وفقرًا، وقد يكون الفقر غُنْمًا وفضلًا.

 

الوصية:

• على الفقراء أن يصبِروا على فقرهم، ولا يتسخطوا لأقضية الله العادلة؛ فقد أعطاهم الله من النعم ما لم يعطِ الأغنياء والأثرياء.

• على ذوي الفضل ألَّا يُلهيهم فضلُ الله تعالى عن ذكرِه وعبادته، فيجعل ذلك شقوةً لهم في دنياهم وأخراهم.

 

الخلاصة:

سعادة الدنيا والآخرة لمن أعطاه الله من فضله، وألهمه تسخيره في مرضاته، فنال ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

 

اللهم لا تجعلِ الدنيا أكبرَ همِّنا ولا مبلغ علمِنا

ونسألُ الله أن يرزقَنا من فضله المدرار

ويرزقنا ذكره بالليل والنهار


"
شارك المقالة:
21 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook