أهم الشخصيات التاريخية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
أهم الشخصيات التاريخية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

أهم الشخصيات التاريخية في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
أ - حاتم الطائي:
 
يعد حاتم مفخرة طَيِّئ ومن أذاع صيتها وأعلى من قدرها؛ فصارت طَيِّئ والجبلان وحائل عنوانًا للكرم والأخلاق الحميدة التي تقرب من المثالية، وهي تسلط الضوء على المبادئ الأساسية لعرب الجزيرة وآدابهم وأخلاقهم.
 
وهو حاتم بن عبدالله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث واسمه جلهمة بن طَيِّئ بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو سفانة الطائي الجواد  .  وقد عاش قريبًا من الهجرة النبوية، ويعتقد أنه توفي عام 46 ق.هـ. وقد أسلم ابنه عدي وابنته سفانة، وكان لهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة.
 
فمن مجمل ما قيل في خلقه أنه "كان من شعراء العرب، جوادًا يشبه شعره جوده ويصدق قوله فعله، وكان حيثما نـزل عرف منـزله، وكان مظفرًا إذا قاتل غلب، وإذا غنم أنهب، وإذا سئل وهب، وإذا ضرب بالقداح فاز، وإذا سابق سبق، وإذا أسر أطلق وكان يقسم بالله ألا يقتل واحدَ أمِّه. وكان إذا أهل الشهر الأصم الذي كانت مضر تعظمه في الجاهلية ينحر في كل يوم عشرًا من الإبل فأطعم الناس واجتمعوا إليه، فكان ممن يأتيه من الشعراء: الحطيئة وبشر بن أبي خازم"  ،  يقول مخاطبًا ابنه: "أي بني، إني أعهد من نفسي ثلاث خصال: والله ما خاتلت جارة لريبة قط، ولا اؤتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أوتي أحد من قِبَلي بسوء. ويصفه ابنه عدي بأنه كان رجلاً طويل الصمت، وكان يقول: " إذا كان الشيء يكفيكه الترك فاتركه"  
 
وتتواتر قصص حاتم مع الكرم الذي أصبح مرادفًا لاسمه فيقال الكرم الحاتمي لمن اشتهر بالكرم. وارتبط الكرم به منذ صغره، فيذكر الأصفهاني أنه كان في صغره لا يأكل إن لم يجد من يأكل معه وإلا أهلك طعامه  .  ومن الواضح وفق الروايات أن هذه الخصلة لم يرثها عن أهل أبيه، فقد غضب عليه جده سعد بن الحشرج الذي تربى في حجره بعد وفاة والده عندما ذبح كل إبله التي أمره أن يرعاها ليقدمها ضيافة لثلاثة مسافرين من الشعراء، فتركه ورحل عنه  .  وعلى الأرجح أنه ورث ذلك عن أمه التي عرفت بكرم دعا إخوتها للحجر عليها.
 
وأم حاتم هي عتبة أو عنترة أو عنبة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس، وفضلاً عن كونها شاعرة أيضًا، فقد كانت لا تمسك شيئًا سخاءً وجودًا، وكان إخوتها يمنعونها فتأبى، وكانت امرأة موسرة وسخية فحبسوها في بيت سنة يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع، ثم أخرجوها بعد سنة، وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق، فدفعوا إليها صرمة   من مالها وإبلها، وقالوا: استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن تزورها، فسألتها، فقالت: دونك هذه الصرمة فقد والله مسني من الجوع ما آليت ألا أمنع سائلاً، ثم أنشأت تقول:
 
لعمـري لقدما عضني الجوع عضة     فـآليت  ألا أمنـع الدهـر جائعـا
فقـولا لهـذا اللائـمي اليوم أعفني     وإن  أنـت لم تفعل فعض الأصابعا
فمـاذا  عسـاكم أن تقولـوا لأختكم     سـوى عذلكم أو عذل من كان مانعا
ومـاذا  تـرون اليـوم إلا طبيعـة     فكيف  بتركي يا ابن أمي الطبائعا  
ولا تمدنا المصادر بمعلومات أخرى عن أم حاتم إلا هذه الرواية التي ترد في أكثر من موضع بشكل مختصر أو مفصل، ولعل الكشف عن مصادر تراثية جديدة يطلعنا على المزيد حول شخصية هذه المرأة ومدى تأثيرها في ابنها. وكما نرى فإن هذه الرواية لا تشير إلى حالتها الزوجية أو العمرية، فلا ندري هل كان ذلك قبل زواجها أم بعده؟ وهل كان حاتم صغيرًا أم كبيرًا؟ وإن كان كذلك فكيف لا يكون له موقف مدافع عن أمه أمام أخواله؟
وعرف حاتم بأبي سفانة، فقد كانت أكبر بناته وأبنائه، وإخوتها عدي وعبدالله وأمهم نوار، وقيل بل إن عديًا أمه ماوية. وكانت سفانة على عهد والدها وجدتها لأبيها، سخية كريمة. قال ابن الكلبي: كانت سفانة بنت حاتم من أجود نساء العرب، وكان أبوها يعطيها الصرمة بعد الصرمة   من إبله فتنهبها وتعطيها الناس، فقال لها حاتم: يا بنية إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطي وتمسكي أو أمسك وتعطي فإنه لا يبقى على هذا شيء   ". وكانت ضمن سبايا طَيِّئ في فتح الجبلين. وقد وردت قصة أسرها ولقائها الرسول صلى الله عليه وسلم، بأكثر من صيغة وهي تجمع على انبهار الصحابة بجمالها وحسنها وكيف أراد علي بن أبي طالب أن يطلبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجعلها في فيئه، فلما تكلمت أنست فصاحتها جمالها إذ قالت: " يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، وأنا ابنة حاتم طَيِّئ (سفانة) ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جارية هذه صفة المؤمنين حقًا، لو كان أبوك مؤمنًا لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق. وأسلمت فحسن إسلامها  .  وكذلك أسلم عدي بن حاتم وحسن إسلامه أيضًا  
 
وقد تزوج حاتم من نوار وله معها كثير من القصص حول كرمه ومعاناتها معه، وتزوج بعد وفاتها بماوية. ونجد أن عددًا من القصص تتداخل بين زوجتيه، وكأن الرواة لم يميزوا بينهما. وقال في كل منهما شعرًا جميلاً. هذا ويبدو أن نوار قد تزوجت من عركز بن حلبس الطائي وأنجبت منه أبناء منهم ملحان، ومن الأرجح أنها تزوجت منه قبل حاتم  
 
وفي زواجه من ماوية قصة تتناسب مع نبله وكرمه، وإن كان هناك خلاف حول نسب ماوية، ففي رواية أنها ماوية بنت حجر بن النعمان الغسانية، وفي أخرى أنها ماوية بنت عفرز، وليس هناك وضوح حول خلفية ماوية بنت عفرز سوى أنها كانت ملكة ما، أو حول هذا الخلاف في الاسمين. وتختلف الروايتان حول سكناها بين دمشق والحيرة عندما قدم عليها حاتم لخطبتها، وأنها في القصتين أخضعت حاتمًا وصحبه الذين - كما يبدو - تقدموا جميعًا لخطبتها، إلى اختبارات في الخلق والكرم، وهو أسلوب شائع في الأدب العربي قبل الإسلام وبعده، ولا سيما عندما تكون المرأة صاحبة شأن ويطلب ودها كثيرون.
 
وفي رواية تقدم حاتم لماوية بنت حجر الغسانية، وتعرّف بأنها عمة أبي شمر بن الحارث بن حجر بن النعمان الغساني، يذكر أنها كانت تُخطب في سائر العرب من يمني أو مضري فلا يكلمها أحد في التزويج مصرحًا إلا أن يكون في الشعر، فقدم إليها حاتم ومعه أوس بن سعدي الطائي وزيد الخيل النبهاني الطائي يخطبونها  .  وتنتهي هذه الرواية دون إشارة إلى من اختارت ماوية، وإن كانت تشير إلى احترام وأدب متبادل بين جميع الأطراف.
 
وتتناول الرواية الثانية خطبة حاتم لماوية أخرى، وهي ماوية بنت عفرز. ويذكر ابن قتيبة أنها من بنات ملوك اليمن. فوجد عندها النابغة الذبياني ورجلاً من النبيت يخطبانها، فقالت لهم: انقلبوا إلى رحالكم، وليقل كل رجلٍ منكم شعرًا يذكر فيه فعاله ومنصبه، فإني متزوجةٌ أكرمكم وأشعركم، فانطلقوا، ونحر كل رجل منهم جزورًا، ولبست ماوية ثيابًا لأمةٍ لها واتبعتهم، فأتت النبيتي فاستطعمته، فأطعمها ذنب جزوره، فأخذته وأتت النابغة فأطعمها مثل ذلك، فأخذته، وأتت حاتمًا وقد نصب قدوره فاستطعمته، فقال: انتظري حتى تبلغ القدر إناها، فانتظرت حتى بلغت، فأطعمها أعظمًا من العجز وقطعةً من السنام وقطعة من الحارك، ثم انصرفت وأهدى إليها النابغة والنبيتي ظهري جزوريهما، وأهدى إليها حاتم مثل ما أهدى إلى امرأة من جاراته، وصبحوها، فاستنشدتهم، فأنشدها النبيتي:
 
هَلاَّ  سَأَلتِ - هَداكِ اللهُ - ما حَسَبِي     عِنْـدَ  الشِّـتَاءِ إِذَا مـا هَبَّتِ الرِّيحُ
ورَدَّ جــازِرُهُمْ حَرْفًـا مُصَرَّمَـةً     فـي  الرَّأَسِ منها وفي الأَنْقَاءِ تَمْلِيحُ
إذَا  اللِّقَـاحُ غَـدَتْ مُلْقًـى أَصِرَّتُهَا     ولاَ  كَـرِيمَ مِـنَ الوِلْـدَان مَصْبُوحُ
ثم استنشدت النابغة فأنشدها:
 
هَلاَّ  سَأَلْتِ بنـي ذُبْيَـانَ مـا حَسَبِي     إذَا الدُّخَـانُ تَغَشَّـى الأَشْـمطَ البَرَمَا
وهَبَّـتِ الـريحُ مـن تِلقْاءِ ذي أُرُلٍ     تُزْجِي مَعَ الصُّبْحِ مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا
إنــي  أُتَمِّـمُ أَيْسَـارِي وأَمْنَحُـهُم     مَثْنَـى الأَيَـادِي وأَكْسُو الجفْنَةَ الأُدُمَا
ثم استنشدت حاتمًا فأنشدها:
 
أَمــاوِيَ إِنَّ المـالَ غـادٍ ورائِـحٌ     ويَبْقَـى مـن المالِ الأَحادِيثُ والذِّكْرُ
أَمــاوِيَ إنــي لا أَقُـولُ لسـائِلٍ     إِذَا  جـاءَ يَوْمًـا حَـلَّ في مالِنا نَذْرُ
أَمــاوِيَ إِمَّــا مــانِعٌ فمُبَيِّــنٌ     وإِمَّـا  عَطـاءٌ  لا يُنَهْنِهُـهُ الزَّجْـرُ
أَمـاوِيَ  مـا يُغْني الثَّرَاءُ عنِ الفَتَى     إِذا  حَشْرَجَتْ يَوْمًا وضاقَ بها الصَّدْرُ
أَمـاوِيَ  إنْ يُصْبِـحْ صَـدايَ بِقَفْرَةٍ     من  الأَرضِ لا مـاءٌ لَـدَيَّ ولا خَمْرُ
تَـرَيْ  أَنَّ مـا أَنْفَقْتُ لم يَكُ ضَرَّنِي     وأَنَّ  يَدِي ممَّـا بَخـلْتُ بـه صِفْـرُ
وقـد  عَلِـمَ  الأَقْـوَامُ لَـوْ أَنَّ حاتِمًا     أَرَادَ  ثَـرَاءَ  المـالِ كـان لـه وَفْرُ
فلما فرغ من إنشاده، دعت ماوية بالغداء فقدم إلى كل رجلٍ ما كان أطعمها، فنكس النبيتي والنابغة رأسيهما، فلما رأى حاتم ذلك رمى بالذي قدم إليهما، وأطعمهما مما قدم إليه، فتسللا لواذًا، فلما خرج النبيتي والنابغة قالت لحاتم: "خل سبيل امرأتك فأبى، فزودته وردته، فلما انصرف دعته نفسه إليها. فلما ماتت امرأته خطبها فتزوجته فولدت عديًا  . 
وفي رواية ثالثة تنسب إلى ماوية بنت عفرز وتدور في الحيرة وتشبه في بنائها قصته مع ماوية الغسانية في دمشق. وتعرف ماوية في رواية العسكري بأنها ملكة لا تتزوج إلا من أرادت، في إشارة ربما إلى عدد من الزواجات لها. فيذكر أنه جاء يخطبها هو وزيد الخيل وأوس بن حارثة بن لأم، فقالت لهم: ليصف كل إنسان منكم نفسه، فقال زيد: أنا زيد الخيل، تفخر بي طَيِّئ على العرب، ولي مرباع كل غنيمة، وغزوت ثلاثًا وسبعين غزوة، لم تثكل فيها طائية ولدًا، ولم تفجع فيها بحليل، ولم أخب في شيء منها، ثم إني لم أرد سائلاً، ولم ألاج جاهلاً، ولم أنطق باطلاً، ولم أبت على وغم. وقال أوس: أول ما أخذت من لحيتي قامت سعدى فالتقطت كل شعرة سقطت منها، فأعتقت بها نسمة من معد. فقال حاتم: أنهبت مالي ثلاث عشرة مرة، وأحلت لي طَيِّئ أموالها آخذ ما شئت، وأدع ما شئت. قالت: هاتوا بذلك شعرًا، فقال كل واحد منهم قصيدةً يمدح بها نفسه، فقالت: أما أنت يا زيد فرجل قد وترت العرب، فمقام الحرة معك قليل، وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والدخول عليهن شديد، وأما أنت يا حاتم فرجل قريب المنتسب، كريم المنصب، وقد رضيتك. ويتابع الأصفهاني في سيرة حاتم وماوية فيذكر أنها غيرت اتجاه مدخل خيمتها بعد فترة من الزمن وضيقها من إسراف حاتم دلالة تطليقها إياه، وعلى الرغم من ذلك استمرت تعجب بكرمه وحسن خلقه  .  ولا ندري إن كانت رجعت إليه أو تزوجت غيره. لكن ليست هناك إشارة إلى أنه تزوج بامرأة ثالثة. وعقب حاتم من ولد عبدالله، وليس لعدي عقبٌ من الذكور  
 
ويبدو أن حاتمًا كان لا يستنكف أن يفد على الملوك طلبًا في العطية. فتذكر الروايات أنه وفد على النعمان بن المنذر ملك الحيرة 580 - 602م، ولا سيما أن الأخير كان متزوجًا من طَيِّئ وعلى عادة إكرام قبيلة زوجته  .  فأكرمه وأدناه ثم زوده عند انصرافه حملين ذهبًا وورقًا، غير ما أعطاه من طرائف بلده، فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طَيِّئ فقالت: يا حاتم أنت أتيت من عند الملك بالغنى وأتينا من عند أهالينا بالفقر، فقال حاتم: هلموا فخذوا ما بين يدي، فتوزعوه، فوثب القوم إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه، فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له: اتق الله وأبق على نفسك، فما يدع هؤلاء دينارًا ولا درهمًا ولا شاة ولا بعيرًا، فرد عليها شعرًا يظهر أنه راض بما يجيء منهم  
 
ومن قصص كرمه التي أخبرت عنها زوجه نوار قصة ذبح الفرس التي ترد في المصادر الإخبارية بأكثر من صورة، وعُدَّتْ من أعجب حكايات كرمه، فتروي نوار قائلة:
 
" أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض فاغبر لها أفق السماء وراحت الإبل حدباء حدابير، وضنت المراضع على أولادها فما تبض بقطرة، وجلفت السنة المال، وأيقنا أنها الهلاك، فوالله إني لفي ليلة صنبرة بعيدة الطرفين إذ تضاغى (بكوا من الجوع) أصبيتنا (صبياننا) عبدالله وعدي وسفانة، فقام حاتم إلى الصبيين، وقمت إلى الصبية، فوالله ما سكتوا إلا بعد هدأة من الليل. كما نرى فإن هذه الرواية تجعل عديًا ابنًا لنوار، قالت: ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأنمنا الأصبية عليها ونمت أنا وهو في حجرة، فلما تهورت النجوم، وادلهم الليل، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل، إذ جانب البيت قد رفع فقال: من هذا؟ قال: جارتك فلانة. قال: ويلك ما لك؟ قالت: أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع فما وجدت على أحد معولاً إلا عليك يا أبا سفانة. قال: أعجليهم. قالت: فهببت إليه فقلت ماذا صنعت، فوالله لقد تضاغى أصبيتك من الجوع فما أصبت ما تعللهم به إلا بالنوم وتأتينا هذه الآن وأولادها؟ قال: اسكتي والله لأشبعنك وإياهم. وجعلت أقول: ومن أين؟ فوالله ما أعرف شيئًا. فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي جانبها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها (صغارها)، فقام إلى فرسه حلاب، فوجأ (طعن) لبته بمدية، ثم قدح زنده ثم جمع حطبًا ثم كشط عن جلده ودفع المدية إلى المرأة، ثم قال: أبغي (نادي) صبيانك فبغيتهم، فاجتمعنا جميعنا على اللحم. فقال: سوأة.. أتأكلون دون أهل الحي؟ قالت: فجعل يأتي بيتًا بيتًا ويقول: يا هؤلاء هبوا وعليكم النار. قالت: فاجتمعوا والتفع بثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا، ألا والله ما ذاق مزعة (شيئًا) وإنه لأحوجهم إليه ثم اضطجعنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر، فأنشأ حاتم يقول:
 
مـهلا  نـوار أقلـي اللـوم والعذلا     ولا تقـولي لشـيء فـات مـا فعلا
ولا تَقُــولِي لمـالٍ كُـنْتُ مُهْلِكَـهُ     مـهْلا وإن كُنْتُ أُعْطِي الجِنَّ والخَبَلاَ
يَرَى  البَخِـيلُ سَـبيلَ المـالِ واحِدَةً     إِنَّ الجَـوَادَ يَـرَى فـي مالـه سُبُلا
لا  تَعْـذِليِني  فـي مـالٍ وَصَلْتُ به     رَحِمًا  وخَـيْرُ سَبيلِ المالِ ما وَصَلا  
وهناك رواية لا تنسب إلى نوار أو ماوية بالاسم وإنما إلى امرأة حاتم، وتدور حول محاولتها أن تقنعه بأن يأكلا وحدهما دون دعوة القبيلة ولكنها لم تفلح في ذلك، في دلالة على تذمرها من حدة كرمه التي لم تترك لهما خصوصية ولم تغنِ أطفالهما من الجوع. فوافقها أمرها وإذ به عندما جهز الطعام يرفع ستور الخيمة ويقدم الطعام ويدعو الناس فأكل وأكلوا. فقالت: ما أتممت لي ما قلت. فأجابها: فإني لا تطاوعني نفسي ونفسي أكرم علي من أن تثني علي هذا وقد سبق لي السخاء  
وقد اشتهر حاتم في كرمه حتى بلغ مبلغ الخيال والقصص الأسطورية، فهذه إحدى القصص التي نعتقد أن خيال الرواة قد نسجها، ترتبط بإكرام حاتم لضيوفه بعد مماته وهم عند قبره، فيُذكر أنه مر نفر من عبدالقيس بقبره فنـزلوا قريبًا منه فقام إليه أحدهم يقال له أبو الخيبري فجعل يركض قبره برجله (يرفس) ويقول: " يا أبا جعد أقرنا (أي أكرمنا وضيّفنا) ". فقال له بعض أصحابه: " ما تخاطب من رمة وقد بليت". وأجنهم الليل فناموا. فقام صاحب القول فزعًا يقول: " يا قوم عليكم بمطيكم فإن حاتمًا أتاني في النوم وأنشدني شعرًا وقد حفظته، يقول:
 
أبــا  الخــيبري وأنـت امـرؤ     ظلـــوم العشـــيرة شــتامها
أتيــت  بصحـبك تبغـي القـرى     لــدى حــفرة صدحـت هامهـا
أتبغـي  لـي الـذنب عنـد المبيت     وحـــولك  طــيء وأنعامهــا
وإنـــا لنشـــبع أضيافنـــا     وتـــأتي  المطــي  فنعتامهــا
"
قال وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيرًا (أي تقع متكومة قريبة من النفوق)، فنحروها وقاموا يشوون ويأكلون، وقالوا: والله لقد أضافنا حاتم حيًا وميتًا. قال: وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا عدي بن حاتم ومعه جملٌ أسود قد قرنه ببعيره، فقال: أيكم أبو الخيبري؟ قال: أنا. قال: إن حاتمًا جاءني في المنام فذكر لي شتمك إياه، وقد قال في ذلك أبياتًا وأنه استضافك وأصحابك راحلتك وأمرني بدفع جملٍ مكانها إليك فخذه، ودفعه إليه  . 
 
ويعتقد أن حاتمًا دفن في قرية توارن  وقول آخر أنه في قُريّة من قرى حائل. ويقال إن توارن التي تكثر فيها القصور الأثرية القديمة   قوم حاتم الطائي ومراتع صباه وبها قصر ينسب إليه ويذكر أن قبره فيها مع أن المتواتر أن قبره في القُريّة أسفل حائل، ووفق ياقوت فإن قبر حاتم طَيِّئ في جبل يدعى عُوارض  ،  وهو قريب من توارن إلى الشمال منها.
 
ولا شك في أن كرم حاتم قد جلب عليه غضب زوجيه. وقد تساءل المؤرخون والمحللون فيما إذا كان هذا من الكرم أم من الرغبة في حسن الذكر أو في الشهرة أو كان إسرافًا كما رآه كثير من قومه آنذاك.
 
ويبدو أن الكرم بقي شيمة من شيم طَيِّئ بعد وفاة حاتم، فيذكر عن الأصمعي أنه قال: سرت في تطوافي في العرب بجبلي طَيِّئ فوصلت إلى قوم منهم يحتلبون اللبن ثم يصيحون: الضيف الضيف، إن جاء من يضيفونه وإلا أراقوه فلا يذوقون منه شيئًا دون الضيف إلا أن يجهدهم الجوع  
 
ب - امرؤ القيس:
 
وقد ارتبطت منطقة حائل كذلك بشخصية تاريخية وأدبية مهمة هي امرؤ القيس الكندي. فقد لجأ إلى طَيِّئ لنجدته من ملوك الحيرة، وأقام عندهم في وادي حائل ومدينته قُريّة ومدحهم في عدد من القصائد  .  وصلة امرئ القيس بطَيِّئ متعددة الأوجه، فقبل مقتل والده وبعد أن أنف منه ومن قوله الشعر وطرده من القبيلة كان يتنقل مع ندمائه في أنحاء الجزيرة وعدد منهم من طَيِّئ  .  وبعد مقتل والده على يد بني أسد وتكريسه حياته بعد ذلك للأخذ بثأره منهم، أخذ يتقلب بين القبائل يرجو جوارهم ومساعدتهم في حربه ضد بني أسد، حتى نـزل ببني نبهان من طَيِّئ الذين أجاروه ومعه ابنته هند بنت امرئ القيس ويزيد بن معاوية بن الحارث، وأدرع بني آكل المرار التي يتوارثونها ملكًا عن ملك (الفضفاضة والضافية والمحصنة والخربق وأم الذيول) والسلاح ومال كان بقي معه  .  ثم ما لبث أن تزوج بامرأة من طَيِّئ تعرف بأم جندب وبقيت معه زمنًا حتى طلب منها أن تحكم على شعره وشاعر منافس له يدعى علقمة الفحل بن عبدة التميمي، فقال كل واحد منهما لصاحبه أنا أشعر منك فتحاكما إليها. فلما حكمت لعلقمة طلقها وتزوجها علقمة  .  وهو موقف يشير إلى أن امرأته - على الرغم من عدم توافر معلومات عنها - كانت ذات رأي يُعتد به وخبرة في النقد وفي تقييمها للشعر حتى يُطلب إليها التحكيم، وقد قدمت توضيحًا بليغًا لسبب هذا التفضيل مبنيًا على بناء الشعر واختيار الألفاظ الذي جعلها تقدم علقمة على زوجها.
ومن غير المعروف مدة إقامة امرئ القيس في طَيِّئ، لكن الأمر تطور فيها ووقعت حرب لأجله اضطرته إلى الخروج، فأخذ يتنقل طلبًا للجوار حتى نُصح بالسموءل بن عادياء سيد تيماء  ،  فسار إليه ليبدأ فصل آخر من تاريخ امرئ القيس.
 
شارك المقالة:
325 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook