أهمية العمل الجماعي

الكاتب: المدير -
أهمية العمل الجماعي
"أهمية العمل الجماعي




• إن الشريعة الإسلامية شريعة عظيمة وكاملة، وعظمتُها مِن عظمة منزلها عز وجل، وكمالُها من كمال مبدعها جل في علاه، شريعة مبناها على الحِكَمِ والمصالح؛ فكلُّها عدل ورحمة ومصلحة وحكمة، وهي النور الذي أبصر به المبصرون، والهدى الذي اهتدى به المهتدون، وهي الطريق المستقيم الذي مَن استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، وهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، كلُّ خير في الوجود إنما هو مستفاد منها وحاصل بها، وكلُّ نقص في الوجود فسببُه من إضاعتها.

 

• فالشريعة التي بعث اللهُ بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عمادُ الحياة، وقطبُ الفلاح، وسببُ السعادة في الدنيا والآخرة، هذه الشريعة العظيمة لا تكاد تغادر صغيرة ولا كبيرة من أمر الدنيا والآخرة إلا أحصتها تفصيلًا وتوضيحًا؛ قال تعالى: ? كُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ? [الإسراء: 12].




• ومِن هذا البيان والتفصيل هذه القضية المحورية من قضايا السياسة الشرعية، التي تضبط حركة العمل الإسلامي الهادف لإعلاء كلمة الله عز وجل ونشر دِينه في شتَّى بقاع الأرض، في ضوء هذه الوصية الربانية: ? أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ? [الشورى: 13]، ألا وهي قضية تنسيق الجهود وترتيب الصفوف، قضية العمل الجماعي وآدابه وضوابطه، خاصة في هذه الأوقات الحرجة التي نواجه فيها تحديات كبيرة جدًّا، الأعداء الذين تآخَوْا على حربنا، صراعات عالمية، صِهْيونية عالمية تحاربنا، صليبية عالمية، رافضية عالمية، مواجهة أهل الإلحاد والعلمانيين، وأذناب الغرب.

 

• لذا ينبغي علينا أن نجتمع لمواجهة كل هؤلاء، نجتمع لنواجه كل هذا الباطل ونكشف خبثه وضرره على الأمة: ? بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ? [الأنبياء: 18].

• نريد أن نكون سببًا في نُصرةِ هذا الدين، في رفعةِ شأنه، في الدفاعِ عنه، في الدعوةِ إليه، في عزَّتِه ومجدِه وانتشاره، ولن يكون ذلك إلا بالاجتماع والاتحاد، لن يكون أبدًا بالتنازع والفُرقة؛ لأن تحقيق هذه الأهداف يحتاج إلى قوة، والقوة والبركة في العمل الجماعي، وهذه أول أهمية وفضيلة للعمل الجماعي.

 

1) العمل الجماعي قوة وبركة:

الله عز وجل يقول: ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ? [الأنفال: 60]؛ فالاجتماعُ قوة، والنزاع والفُرقة ضعف.

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يدُ الله مع الجماعةِ))[1].

إنَّ تأييدَ الله للفئة المؤمنة المجتمعة حقٌّ لا شك فيه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله))[2].

• لذا سُمِّيت الفرقة الناجية أهل السنَّة والجماعة؛ لاجتماعهم على الحق، وعلى العقيدة الصحيحة، وعلى الإمام العَدْل.

• الله عز وجل يقول: ? وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ? [آل عمران: 103]؛ فأمَرنا بالجماعة، ونهانا عن الفُرقة.

قال القرطبي - رحمه الله - في شرح هذه الآية: (فإن الفُرقة هَلَكة، والجماعة نجاة).

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خيرٌ مما تستحِبُّون من الفُرقة).

 

• إنَّ الكِيان الدعوي هو أقوى وسيلة لتحقيق غاية شريفة، ألا وهي خدمة الدِّين ونشره؛ قال تعالى: ? وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ? [المائدة: 2]، نتعاون على دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان، وإلى تحرِّي الحلال والبُعد عن الحرام، إلى اتباع السنَّة واجتناب البدعة، نحذِّر الناس من الشرك وندعوهم إلى محاسن الأخلاق والأعمال، نتعاون في إقامة فروض الكفايات التي خاطَبَ اللهُ بها أُمَّتَنا، وتحقيق الأهداف العليا، ابتداءً مِن طلب العلم الشرعي النافع، ومرورًا بالدعوة إلى الله - عز وجل - وإدخال الناس في دين الله أفواجًا، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجمع الزكوات والصدقات وتوزيعها على المستحقين لها، والسعي في مصالح المسلمين وخدمتهم، وانتهاءً بذروة سَنام الإسلام: الجهاد في سبيل الله.

 

• تلك الأهداف السامية لن تتم إلا مِن خلال العمل الجماعي وتنسيق الجهود، حتى يمكن للأمة أن تنهضَ وتغيِّرَ واقعَها، نريد أن نقوِّيَ الكِيانَ الذي يحافظ على المنهج (منهج أهل السنة والجماعة).

• اللهُ عز وجل يحذرنا من التنازع الذي يُضعف القوة ويُبَدِّد الغاية والهدف؛ قال تعالى: ? وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? [الأنفال: 46]، إذا حصل النزاعُ والافتراق ذهبت القوة التي نحتاجها في مواجهة أعدائنا وتغيير واقعنا.

• القوة في العمل الجماعي تتضاعف (ليس 1+1=2) كما يقولون، ولكن (1+1=10) متوالية هندسية، لو عندنا 4 أشخاص ليسوا (4) فقط، بل 4×4 (شبكة)؛ لأن الطاقات تجتمع وترتقي إلى أعلى في أي عملٍ نقوم به.

• العمل الجماعي قوة وبركة، حتى الاجتماع على الطعام وفي مجالس العلم، كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا مجلسًا لو بُسط عليهم ثوبٌ لشمِلهم.

 

• الاجتماع فيه بركة وغشيان الرحمة والسكينة والطمأنينة والسداد والتوفيق، حتى في السفر؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثةً فأمِّروا عليكم أحدكم))[3]، ((عليكم بالجماعةِ؛ فإنما يأكل الذئبُ من الغَنمِ القاصيةَ))[4].

في الاجتماع عصمةٌ مِن الفتن، يجد الإنسان مَن يذكِّرُه بالله، من ينصحه، من يشاوره، من يواسيه ويدافع عنه ويذب عن عِرضه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الشيطانُ أقرب مِن الواحد، ومن الاثنين أبعدُ))[5].

• قال عليٌّ - رضي الله عنه -: (عليكم بالجماعة؛ فإنها حبل الله المتين، وإن ما تكرهون في الجماعة خيرٌ مما تحبون في الفُرقة؛ فالجماعة رحمة، والفُرقة عذابٌ).

• حتى لو حصل اختلاف لا يحصل افتراق، يَسَعُنا ما وسع السَّلف، الخير أن نبقى مجتمعين، وإن كان هناك شيء مِن الكدر؛ (فكدَرُ الجماعة خير من صفو الفرد)، نبقى مجتمعين ونحافظ على كِياننا الدعوي القائم على منهج رباني، على عقيدة صافية، وعلى اتباع نهج السلف والتأسي بهم، نحافظ على كياننا الدعوي حتى يكون لنا وزنٌ وتأثير.

 

2) أيضًا مِن أهمية العمل الجماعي وفوائده وثماره: أن فيه استفادةً مِن جميع الطاقات، وتوزيعًا للأدوار؛ فكل واحد منا يستطيع خدمة الدين حسب طاقاته وإمكاناته؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم على ثغرٍ من ثغور الإسلام؛ فليحذَرْ أحدكم أن يؤتى الإسلامُ من قِبَلِه))[6].

• العمل الناجح يحتاج جميع الطاقات، الإنسان الذي يقوم بكل الأدوار سيكونة فاشلًا إداريًّا، لا بد مِن الاستفادة من طاقات الجميع، وحسن التنسيق بينهم؛ حتى يكون العملُ أكثر قوة وتنوعًا.

 

3) العمل الجماعي يجعل الإنسان يشعُرُ بقيمته كما يشعر باحتياجه للآخرين وحصول التكامل بين الجميع:

ليس هناك إنسان عنده كل الطاقات والإمكانيات، انظر إلى حال الصحابة رضي الله عنهم، كان منهم أمثال:

• خالد بن الوليد في باب الجهاد والقتال في سبيل الله.

• ابن عباس في التفسير.

• ابن مسعود في قراءة القرآن؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أراد أن يقرأَ القرآن غضًّا طريًّا، فليقرَأْه على قراءة ابن أمِّ عبد))[7].

• معاذٌ أعلمُ الأمة بالحلال والحرام.

• زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض.

• عمر في القيادة والحزم.

وغير ذلك مِن الصفات التي كانت عند الصحابة وأدت إلى التكامل فيما بينهم.

 

4) العمل الجماعي قيد الاستمرارية وعدم الانقطاع:

بخلاف العمل الفردي الذي ينقطع بانقطاع الأشخاص، ويمرض بمرضهم، وينشغل بانشعالهم، وينحرف بانحرافهم، أما العمل الجماعي المؤسسي فيستمر حتى في ظل التضييق والحصر.

 

5) العمل الجماعي فيه تزكية للنفس:

يدعو الإنسانَ إلى التواضع واحتقار عمله؛ لأنه يرى إخوانه ممن هو أكثر منه همةً في الدعوة وطلب العلم والبذل والعبادة، فيحتقر عمله، ولا يرى لنفسه فضلًا؛فالعمل الجماعي يدعو العامل إلى الإخلاص، وألا ينسُبَ العمل لنفسه، بل ينسبه إلى الكِيان والدعوة؛ كما قال الشافعي: (وددتُ لو عمل الناس بعلمي، ولا ينسب إليَّ من ذلك شيء).




• العمل الجماعي فيه من المعاني الإيمانية الكثير والكثير؛ من البذل والتضحية واحترام العلماء والدفاع عنهم ونشر فضلهم، فيه حسن الظن بالآخرين والالتفاف حول أولي الفضل والعلم، فيه تحقيق معاني الأخوَّة الإيمانية، الحب في الله، والتعاون على البر، نتفقد إخواننا ونسأل عنهم، لا نتركهم للشيطان أو للشبهات أو الأزمات وضغوط ومسؤوليات الحياة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات لما سأل أصحابه: ((هل تفقدون مِن أحد؟))، قالوا: نفقد فلانًا وفلانًا، قال: ((لكني أفقد جُلَيبيبًا))، عناية - اهتمام - سؤاله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه، يهتمُّ بأمرهم ويتابعهم، هكذا يكون القائدُ الناجح والمعلم والمربي، ولما عاد صلى الله عليه وسلم مِن الحج ومعه مائة وأربعون ألفًا، يسأل امرأة من الأنصار: ((ما منعك أن تحجي معنا هذا العام؟))، لم تشغَلْه مسؤولياته وأعباؤه عن تفقُّد إخوانه والاهتمام بهم.

• قال الله عن نبيِّه سليمان عليه السلام: ? وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ? [النمل: 20]، كان ذلك التفقدُ سببًا في فتح بلاد سبأ ونشر الإسلام.

• العملُ الجماعي فيه معاني الأخوَّة والتآلف والتعاطف وتقوية الروابط الإيمانية بين الأفراد، وتغليب مصلحة الجماعة، والعمل بمبدأ الشورى والتوكل على الله والتعاون على طاعته، ولا ننسى دعاء موسى عليه السلام ربَّه: ? هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ? [طه: 30 - 34].

نسأل الله - عز وجل - أن يجمع كلمتَنا، وأن يوحِّد صفَّنا، وأن يؤلِّفَ بين قلوبنا، وأن يجنِّبنا الفتن، وأن يصلح أحوالَ أمَّتِنا يا رب العالمين، أنت حسبنا ونعم الوكيل!




[1] رواه الترمذي (15113).

[2] رواه أبو داود (4252).

[3] السنن الكبرى للبيهقي 395 /9.

[4] صحيح ابن حبان (2101).

[5] الوادعي (323).

[6] مسائل ابن باز (280).

[7] العقيلي (430 /2).


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook