أهمية الكتابات في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
أهمية الكتابات في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

أهمية الكتابات في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
تنتشر النقوش والكتابات العربية الإسلامية العائدة إلى العصور المبكرة والوسيطة في عدد كبير من المواقع الأثرية المنتشرة في أنحاء المنطقة وربوعها؛ ويغلب على مضامينها النصية الآيات القرآنية الكريمة والأدعية الدينية المستوحاة من السنة النبوية الشريفة؛ وقد كتبت هذه النقوش والكتابات جميعها بالخط الكوفي (أو الحجازي) السائد آنذاك.
 
وبعيدًا عن التصنيف الموضوعي للكتابات النقشية في المنطقة، يُعَدُّ النقش الشاهدي الذي عُثر عليه في مستوطنة مسعودة المؤرخ بسنة 157هـ/774م أقدم النقوش الكتابية الصخرية التي كُشف عنها في المنطقة حتى الوقت الراهن.
 
وتختلف النسبة الكمية لوجود الكتابات النقشية سواء المؤرخ منها أم غير المؤرخ من موقعٍ إلى آخر، وتبقى الكتابات الشاهدية لبعض المستوطنات الحضارية بالمنطقة - مثل مقبرتي عشم والرهوة - من أغنى الكتابات النقشية وأكثرها عددًا. كما تتميز هذه الكتابات الشاهدية باشتمالها على تواريخ محددة مقارنة مع ما وجد من كتابات صخرية يغلب على نصوصها غياب تواريخ تنفيذها.
 
ووفقًا لآثار الكتابات المنقوشة المتوافرة التي كشف عنها في المنطقة، فيمكن تصنيفها مبدئيًا وفقًا للآتي:
 
أ - كتابات صخرية:
 
اشتملت سفوح الجبال وواجهات الصخور المطلة على عدد من المواقع الأثرية في المنطقة أو القريبة منها، على كتابات نقشية؛ وهذه النقوش الكتابية شواهد مادية ملموسة على العمق التاريخي والحضاري الإسلامي لهذه المواقع. وتختلف النسبة العددية لوجود الكتابات الصخرية من موقعٍ إلى آخر، ومن ضمن المواقع التي احتوت صخورها الحجرية على كتابات ونقوش: الصنة، وثراد، وعيسان، ولغبة، وحنف، ووادي الشوة، وغيرها من المواقع الأثرية الإسلامية في المنطقة ومنها:  
 
1 - وادي ثراد:
 
ويشتمل هذا الموقع على ما يقارب ثلاثة عشر نقشًا صخريًا غير مؤرخ، جميعها بالخط الكوفي المبكر.
 
2 - شعيب حنف:
 
وجد في موقع حنف نقش تذكاري على الحافة الصخرية الغربية للشعيب،   لبعض الخصائص الكتابية والفنية لرسم حروف كلمات نص النقش فربما يمكن إرجاعه إلى القرن الأول الهجري/السابع الميلادي.
 
3 - وادي عيسان:
 
تشتمل واجهات صخور هذا الموقع على ما يقارب 17 نقشًا غير مؤرخ، جميعها بالخط الكوفي (الحجازي) المبكر. 
 
4 - موقع رقم (210 - 15 ص):
 
ويشتمل هذا الموقع الأثري على كتابات صخرية بالخط الكوفي غير مؤرخة.
 
5 - معشوقة:
 
تشتمل معشوقة على بعض الآثار المكتوبة التي تتمثل في لوحٍ مؤرخ، ربما يعود إلى بعض مباني البلدة؛ كما كُشف في الموقع نفسه عن لوح حجري آخر يحوي بعض الكتابات، وربما يعود هذا اللوح إلى القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي.
 
6 - لغبة:
 
يحوي الموقع كتابات كوفية مبكرة غير مؤرخة تتكوّن نصوصها من عبارات دعائية وآيات قرآنية كريمة.
 
7 - القرى:
 
ويشتمل موقع القرى في بني كبير على كتابات كوفية غير مؤرخة  
 
ب - الكتابات الشاهدية:
 
كُشف عن نقوش شاهدية في عدد من المواقع الأثرية بالمنطقة، منها مقابر لبعض المستوطنات، مثل: عشم، ومسعودة، والأحسبة (العصداء)، والخلف، والخليف، وغيرها من حواضر المنطقة. وقد كُتبت الكتابة الشاهدية بالخط الكوفي المبكر على ألواح حجرية منصوبة على القبور؛ ومن ضمن هذه الشواهد نقوش مؤرخة وأخرى غير مؤرخة. وترجع هذه النقوش الشاهدية إلى فترة العصور الإسلامية الأولى.
 
وتميزت بعض الشواهد الكتابية - خصوصًا تلك التي عُثر عليها في مقابر عشم والرهوة - باشتمال نصوصها النقشية على أسماء الخطاطين (النقاشين) الذين كتبوا تلك النصوص على شواهدها. وتتوافر ثلاثة نماذج شاهدية من مقبرة عشم تتضمن نصوصها توقيع خطاطيها وهم: محمد بن الطفيل، وأحمد الحفار، وأحمد بن الحسين، ويعلى بن موسى، وقد وُجدت للخطاط الأخير نقوش كتابية في مقبرة الرهوة. كما كشف عن خطاط خامس يدعى محمد بن علي المساري أو المشاري، وهو من أهالي قرية الخليف، وقد كتب ذلك الخطاط نصًا شاهديًا مؤرخًا بسنة 467هـ/1074م وجد في مقبرة الرهوة  
 
وكانت أحجار شواهد القبور تشذب بعد قطعها من المحاجر الواقعة في المحيط الجغرافي المحلي لكل مقبرة بالمنطقة، ويلحظ شيوع استخدام الأحجار البازلتية والرملية وكثرتها مقارنة مع أصناف الأحجار الأخرى، كما استخدمت الأحجار الصابونية المنقوشة شواهدَ لبعض قبور مقابر المستوطنات في المنطقة. وجرت العادات والتقاليد المحلية في المنطقة على أن القبر يشتمل غالبًا على لوحين حجريين منقوشين؛ يُعَدُّ أولهما الشاهد الرئيس ولذا يبذل فيه جهد مضاعف من العناية لإخراجه بصورة فائقة ويوضع عادة عند رأس المتوفى، ويحمل ذلك اللوح تاريخ الوفاة، واسم النقاش أحيانًا. أما اللوح الثاني فهو أقل أهمية من الأول ولا يبذل جهد ملحوظ في تنفيذ كتابة نصه، كتلك التي تبذل في النقش الرئيس 
 
ومن نماذج الكتابات الشاهدية التي عُثر عليها في مقابر المستوطنات الحضارية في المنطقة ما يأتي:
 
1 - مستوطنة عشم:
 
تتميز مستوطنة عشم بكثرة مقابرها المنتشرة حول الأحياء السكنية من جميع جهاتها تقريبًا، ويرى أن هذه المقابر ربما كانت خاضعة لبعض التقسيمات العائلية أو القبلية. ويبلغ عدد مقابر عشم سبع مقابر تمتد من مدخل المدينة في الجنوب الغربي حتى نهايتها في الشمال الغربي. وهذه المقابر جميعها تمتلئ بشواهد القبور المنقوشة بكتابات كوفية مبكرة حيث يحمل كل قبر شاهدين، أحدهما في الغالب مؤرخ. وتشتمل معظم نصوص الشواهد على البسملة، ثم آية أو أكثر من القرآن الكريم، أو بعض الأدعية، ثم اسم صاحب الشاهد، والترحم عليه، وأحيانًا يذكر تاريخ وفاته وبعض الشواهد ذكرت فيها أسماء كاتبيها. وتتفاوت أساليب العناية بالنقش وزخرفته تبعًا لزمنه، ونوع الصخر الذي كتب عليه، والمستوى الاجتماعي لصاحبه، وكذلك الجنس، ذكرًا كان أو أنثى  
 
وقد وصلت يد العبث إلى عدد من الشواهد الكتابية في مستوطنة عشم، ونقل عدد منها من مواقعها الأصلية بقصد إعادة استخدامه في منشآت أخرى. فقد كشف في المستوطنة عن شواهد كتابية مؤرخة وأخرى غير مؤرخة، يصل تعداد المؤرخ منها إلى 28 نقشًا كتابيًا، وتبدأ تواريخها من القرن الثالث حتى القرن الخامس الهجري/التاسع - الحادي عشر الميلادي، وهي كالآتي:
 
 خمسة نقوش شاهدية مؤرخة تعود إلى القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي؛ وتواريخها تقع ما بين عامي 233 و 289هـ/847 و 901م  . 
 
 14 شاهدًا كتابيًا مؤرخًا ترجع إلى القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي؛ وتواريخها تنحصر بين عامي 310 و 399هـ/922 و 1008م  . 
 
 تسعة نقوش كتابية مؤرخة تعود إلى القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي؛ وتواريخها تقع بين عامي 410 و 499هـ/1019 و 1057م  
 
2 - مقبرة الأحسبة:
 
تحتوي مقابر الأحسبة على ألواح حجرية شاهدية مؤرخة وغير مؤرخة؛  ويتميز الشق الجنوبي من موقع الأحسبة باشتماله على الشواهد المؤرخة، في حين لا تحوي الشواهد الكتابية للشق الشمالي التي تقع في وسط الموقع وشماله تواريخ محددة في نصوصها، ويغلب على الظن أنها معاصرة لجارتها الجنوبية  
 
تقع مقبرة الأحسبة الجنوبية في منخفض من الموقع، وتمتد على مساحة تقترب من 10.000م  ؛ وتخلو شواهد المقبرة جميعها من الكتابة النقشية، ماعدا خمسة شواهد، وكلها ترجع إلى القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي؛ وتبدأ تواريخها من سنة571هـ/1175م وتنتهي بسنة596هـ/1199م. ويلحظ في بعض النصوص ورود أسماء لبعض شيوخ القبائل وتلقبهم بلقب السلطان بالمنطقة، ومنها نقش السلطان ابن السلطان حسن بن إبراهيم بن عمر بن محمد السلمي الزهراني، المؤرخ بسنة 581هـ/1185م؛ كما تظهر نسبتهم إلى قبيلة زهران، سكان المنطقة منذ القدم حتى العصر الحاضر. 
 
3 - مقبرة الرهوة:
 
يشتمل سفح الجبل المشرف على الوادي على مقبرة كبيرة تحتوي على عدد من النقوش الكوفية المؤرخة وغير المؤرخة.  ويلحظ نقل بعض شواهدها وإعادة استخدامها في عمارة جدران بعض المزارع القريبة منها وأسوارها. ويصل عدد هذه النقوش الشاهدية  إلى 28 نقشًا؛ وينسب إلى الخليف وما حولها من هذه النقوش 27 نقشًا، ويُنسب نقش واحد فقط إلى الخلف. وكل هذه النصوص بالخط الكوفي، ويراوح أسلوب خط النصوص وزخرفتها بين الكوفي البسيط، فالكوفي المورق، إلى الكوفي المزهر.
 
يعود أقدم تاريخ لنقوش الشواهد المؤرخة إلى سنة 234هـ/848م، أما أحدث تواريخها فيعود إلى سنة 468هـ/1076م، وبذلك فهي تغطي فترة زمنية تمتد من النصف الأول للقرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي حتى النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي  
 
ويبلغ عدد المؤرخ من تلك النقوش 14 نقشًا، وغير المؤرخ منها 14 نقشًا أيضًا. وهذه النقوش هي:
 
شاهدان كتابيان مؤرخان يعودان إلى القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي؛ فالشاهد الأول مؤرخ بسنة 234هـ/848م ووجد بالقرب من مقبرة الرهوة، والشاهد الثاني مؤرخ بسنة 248هـ/862م وعثر عليه مستخدمًا في بناء جدار مزرعة بالقرب من الخليف. وكلا الشاهدين مقتطعان من حجر البازلت؛ ووفقًا للأسلوب الخطي ونمطه الذي يعود إلى الفترة التاريخية نفسها، هناك أربعة شواهد كتابية أخرى غير مؤرخة.
 
اثنا عشر شاهدًا مؤرخًا تعود إلى القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي؛ يرجع أقدمها إلى سنة 406هـ/1015م أما أحدثها فيعود إلى سنة 468هـ/1076م. إلى جانب العثور على ثمانية شواهد كتابية أخرى غير مؤرخة ترجع إلى الفترة التاريخية ذاتها حسب أسلوب خطها.
 
أما النقوش الأخرى غير المؤرخة فقد أمكن إرجاع تواريخ تنفيذها إلى فترات محتملة هي أقرب إلى اليقين، بمقارنتها بنقوش أخرى مؤرخة من المجموعة نفسها، ثم بنقوش تهامية مجاورة تشبهها في أسلوب الكتابة والزخرفة، وطرق التنفيذ، فضلاً عن وجود قرائن أخرى فنية وغيرها. 
 
4 - قرية مَسْعُودة:
 
تشتمل مقبرة قرية مسعودة على عدد من الشواهد الكتابية المؤرخة وغير المؤرخة مكتوبة بالخط الكوفي المبكر، وتتميز هذه المقبرة باشتمالها على أقدم نقش شاهدي في المنطقة مؤرخ بسنة 157هـ/773م، ونصه كالآتي: "هذا قبر صـ (غير مقروء) ابنة خالد نور الله في قبرها، فسح لها في مضجعها، ولقنها حجتها، وألحقها بنبيها محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكتب في شعبان سنة سبع وخمسين ومئة"  
 
وإضافة إلى ما ذكر، توجد شواهد كتابية مؤرخة وغير مؤرخة في مقابر مستوطنات حضارية أخرى في المنطقة، منها: موقع محلة النصايب (الصهوة)، وموقع فرعة عذا (جبل الدهو)، وموقع شعيب حنف، وموقع الصنقة. ويشتمل موقع الصنقة بوجه خاص على نقوش شاهدية قليلة مؤرخة وغير مؤرخة، اثنان منها مؤرخان بسنة 534هـ/1139م، والثالث مؤرخ بسنة 584هـ/1188م. أما بقية الشواهد الكتابية غير المؤرخة في المواقع الأثرية الأخرى فتعود أيضًا إلى القرون الهجرية الأولى بناءً على خصائصها الخطية والفنية، ومقارنتها بنصوص مؤرخة من المنطقة  
 
شارك المقالة:
66 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook