أيها المجاهد.. أدرك هذه المرأة!!

الكاتب: المدير -
أيها المجاهد.. أدرك هذه المرأة!!
"أيها المجاهد.. أدرك هذه المرأة!!

 

كانت تعيش معه حياة الحلو والمر.. صابرة معه على البأساء والضراء.. تفرح لفرحه وتحزن لحزنه.

 

لم تكن تفضل عليه أحدًا كائنًا من كان.. فهو الأنيس في الوحدة، والصديق في الخلوة.

 

كم كانت تستقبله في ابتسامة، وتودعه بكلمات فيها دعابة.

 

ترى في وجهه صدق المحبة وجمال المودة.. كيف لا وهو يقرأ في كتاب ربه عز وجل عن الزوجين: ? وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ? [الروم: 21].

 

سمع ذات يوم منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا خيل الله اركبي» فودع زوجته الحنون، ثم خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتغي الموت مظانّه نصرةً لله ورسوله وإعلاء لكلمته.

 

وما إن انتهت المعركة ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة إلا وغدت زوجته تقلب بصرها في الغادين والرائحين لعلها أن تظفر بزوجها يتخايل أمام ناظريها..

 

رجع الجيش.. ورجع كل مجاهد إلى بيته.. وأخذوا يتبادلون أطراف الحديث عن المعركة..

 

بدأت تتحسس أخبار زوجها الحبيب.. كأني بها تسأل القريب والبعيد.. أين شمعة فؤادي؟




حتى علمت أنه قد أُصيب في المعركة وقد أثخنته الجراح.. وبعد أيام توفي زوجها متأثرًا بجراحه.

 

لقد أصبحت هذه المرأةُ أرملةً بلا زوج.. لكنها كانت صادقة الإيمان بالله، صوامة قوامة، مؤمنة بقضائه وقدره..

 

لم تحزن على زوجها إلا بما هو فطري وطَبَعي في النفس البشرية عند فقد الحبيب.. لأنها كانت تعلم أن الله لن يتخلى عنها، لأنه أرحم بالولد من والدته التي أنجبته _ سبحانه وتعالى _.

 

علمـت أنها تعيش في مجتمـع إيماني يسوده التكافل الاجتماعي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني سامية.. علمت أنها في مجتمع يعرف حق الأرملة، ويعرف ما للساعي على الأرملة من الأجر العظيم عند الله تبارك وتعالى.

 

تُرى من هذه الأرملة التي لم يغفل عنها المجتمع؟

إنها حفصة! وما أدراك ما حفصة؟ إنها الصـوامة القوامة العابدة الزاهدة (حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها) وزوجـة الصحابي الجليل (خُنيس بن حـذافة السهمي رضي الله عنه من السـابقين إلى الإسـلام) وهي أم المؤمنين زوجـة رسول الله صلى الله عليه وسلـم، فقد تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها رضي الله عنه.

 

أخي المبارك.. إن من أعظم ما تميز به المجتمع الإسلامي في القرن الأول ما كان يتخلل جنباته من التكافل الاجتماعي بين أفراده، حتى إنك لا تكاد تجد فردًا واحدًا يشعر بالوحدة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يخلع رداءه ويعطيه الذي سأله إياه مع أنه محتاج إليه، وأبو بكر ينفق المال على قريبه (مسطح رضي الله عنه) لأنه فقير، وعثمان بن عفان رضي الله عنه يقف بجانب جيش العسرة يجهزه من ماله، وعائشة تدخل عليها المرأة ومعها جاريتين فتحسن عليهن بتمرات، وآخر يرسل بقدح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فيه لبن _ فيرسل إلى أهل الصُفة حتى يشربوا معه، وجابر بن عبد الله رضي الله عنه يطعم جيش الخندق بلحم قليل ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وسعد بن الربيع يقول لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهـم عندما قـدم المهاجـرون المدينة قال: إني أكثـر الأنصـار مالًا فانظر أي مالي أحب إليك أقسمه لك ؟ وإن لي زوجتين فانظر أيهما تحب أطلقها فتعتد ثم تزوجها.

 

الله أكبر.. لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يترجمون كتاب الله واقعًا ملموسًا في حياتهم، فهم يقرؤون قول الله عز وجل: ? وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ? [آل عمران: 134]، وقوله: ? إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ? [الأعراف: 56]، فلم يألوا جُهدًا أن يحققوا الإحسان للآخرين، فسعوا سعيًا حثيثًا لعلهم أن يظفروا برحمة الله التي هي قريب من المحسنين.

 

ومن أعظـم ما سعى إليه الصحابة في الإحسـان (سعيهم على الأرملة)!

 

نعم أحبتي.. لقد سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: « الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل»، فشمَّروا عن ساعد الجد والبذل والإحسان لعلهم أن يفوزوا بهذه الفضيلة وهي منزلة المجاهد في سبيل الله.

 

أخي في الله.. الأرملة! وما أدراك ما الأرملة؟ تلك المرأة التي فقدت زوجها وشمعة بيتها، فأصبحت وحيدة بلا زوج أو أمّا لأيتام..

 

فإن سألتَ عن أم الأيتام؟ سألتَ عن الأرملة! وإن سألتَ عن أم البنات؟ سألتَ عن الأرملة! وإن سألتَ عن دمعة الظلام؟ وجدتها عند الأرملة! وإن سألتَ عن فقد الحبيب؟ وجدت حرارته عند الأرملة!

 

لم تكن الأرملـة في المجتمع النبوي تحس بفقد الزوج إلا الإحسـاس الفطري والطَبَعي، ثم سرعان ما يتلاشى ذلك الحزن من قلبها بسبب احتواء المجتمع لها إن كانت بلا أطفال أو لها ولأطفالها.

 

فهذا ينفق عليها، وهذا يكفل أولادها، وآخر يتزوج بها عفةً لها وله، فتجد نفسها مع مرور الأيام قد دخلت حياةً جديدة، تحفظ لزوجها الأول حياة الود والمحبة، وتُؤمّل مع حياتها الجديدة واحتواء الناس لها الخير من الله عز وجل.

 

ولذلك لما توفي أبو سلمه رضي الله عنه زوج أم سلمه رضي الله عنها، قالت: ومن خير من أبي سلمه؟ ثم قالت بلهجة المؤمنة الواثقة بالله: اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها. فعوضها سبحانه بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما خطبها: اعتذرت بأنها ذات غيرة شديدة وذات عيال! فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الغيرة فيذهبها الله، وأما العيال فإلى الله ورسوله. فكان صلى الله عليه وسلم هو الزوج وهو الكفيل لأبنائها الأيتام.

 

وكذلك أسماء بنت عُميس رضي الله عنها زوجة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، أصبحت أرملة وأُمًّا لأيتام بعدما أن استشهد جعفر في معركة مؤتة فتزوجها أبو بكـر رضي الله عنه، فأنجبت منه محمـدًا عام حجة الوداع، ثم توفي أبو بكـر رضي الله عنه فعـادت أرملة وأُمًّا لأيتام، فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

وكذلك أمهات المؤمنين أم حبيبة وسوده رضي الله عنهن أجمعين، وغيرهن من الصحابيات كثير كلهن أرامل، لكنهن أرامل قد وجدن أكفًا نديه تحمل الخير والمعروف لهن.

 

وإن من نعمة الله على بعض عباده أن تجد أيها الحبيب في كل عصر من العصور من يحذو حذو النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته في الإحسان إلى الأرامل لأنهم سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل).

 

فجدوا واجتهدوا ونافسوا الصحابة في الإحسان إلى الأرامل حتى يظفروا عند الله بمنزلة (المجاهد في سبيل الله).

 

لقد توفي أحد الشباب قبل سنوات.. فلما أرسل أهله من جواله هذه العبارة (إن صاحب هذا الجوال توفي في حادث وسوف يصلى عليه.. إلخ) اتصلت امرأةٌ على جواله فرد عليها أحد أفراد عائلته، وقالت له: أنا أمٌّ لأيتام.. وإن صاحب هذا الجوال كان يأتيني بمبلغ من المال في كل شهر لي ولأبنائي، وقد وصلتني رسالة أنه توفي رحمه الله، وأنا والله لا أعرفه! وإنما يأتي في آخر الشهر يعطيني مبلغًا من المال ثم يذهب! فإن شئتم أن تستمر هذه المساعدة حتى تبقى له بعد موته فجزاكم الله خيرا.

 

رحمك الله أيها المجاهد.. هنيئًا لك الجهاد الذي لا قتال فيه! هنيئًا لك عندما تقدم على ربك جل وعلا وإذا بك تنادى مع المجاهدين في سبيل الله.

 

الله أكبر.. كم غفلنا عنهن؟ وآخرون قد حازوا مرتبة الجهاد في سبيل الله بالسعي عليهن.

 

كم نسمع من الأقارب من توفي زوجها، ولا نحرك ساكنا؟

إن الإحسان على الأرامل لا يحتاج إلى عمل كبير ولا إلى جهد عظيم! وإنما يحتاج بعد الإخلاص لله جل وعلا أن تحمل في نفسك هم الإحسان إليهن، فإذا علم الله منك صدق النية فتح لك باب التيسير في مساعدتهن وأقبل بقلوب المحسنين والتجار إليك.

 

إن من الإحسان على الأرملة أن تسعى في ضمها إلى مساعدات الضمان الاجتماعي؛ حتى يُصرف لها راتب شهري لها ولأيتامها، إن من الإحسان على الأرملة أن تقوم بسداد فاتورة كهرباء بيتها أو هاتفها أو ماءها.. إن من الإحسان على الأرملة أن تعرض أمرها على الله ثم على أحد المحسنين أو التجار حتى يتكفل بسداد أجار بيتها في كل سنة.. إن من الإحسان عليها أن تسعى في سداد دينها.. إن من الإحسان عليها أن تتفقد أحوالها وأحوال أيتامها في فصل الشتاء أو فصل الصيف أو الدراسة من حيث الملابس وشراء المستلزمات التي لا تكلف شيئا.. إن من الإحسان عليها إذا كانت قريبة لك أن تسعى في ضم أبناءها إلى حلقات التحفيظ في المساجد حتى يكونوا نافعين لدينهم ووطنهم ووالدتهم.

 

كل ذلك أيها الحبيب من أجل أن تظفر عند الله بلقب ( المجاهد في سبيل الله ) ومن أجل أن تحس الأرملة أنها في مجتمع شبيه بالمجتمع النبوي الأول يحفظ حقها وحق أيتامها إن كان معها أيتام ويعرف قدرها..

 

أخيرًا.. لا تنس أيها المحب أن لك أرامل هن أخواتٌ لك في الإسلام، قد فتت الأعداء أكبادهن قبل أن يفتت أعراضهن في سوريا والأفغان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين.. يفترشن العراء ويلتحفن السماء، ولا يجدن من يكفكف دمعهن ولا من يؤوي أيتامهن!

 

ولسان حالهن يقول كما قال الشاعر:

أيها العالم ما هذا السكوتُ
أو ما يكفيك هذا الجبروتُ
أيها العالم ما هذا التغاضي
كيف وارى صوتك العالي الخفوتُ

 

لا تنساهن أيها الموفق من دعوة صادقة.. فلعلك تبلغ بالدعاء لهن مرتبة الساعي عليهن.

 

اسأل الله بمنه وكرمه أن يرحم عبرة كل أرملة في بلاد المسلمين، كما اسأله جل وعلا أن ينصر دينه ويعلي كلمته.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook