جميل حرصك على صاحبك، وجميل معرفتك بأهمية ودور الصلاة في الحياة، وجميل نصحك له ومحاورتك، ولكن..
ولكن ماذا؟
لكن ليس صحيحًا أن الغاية الأساسية من الصلاة هي النهي عن الفحشاء والمنكر.
والآية يا شيخ؟
الآية تشير إلى إحدى ثمرات الصلاة، وليس الغاية من الصلاة.
إذًا ما الغاية من الصلاة؟
الغاية هي تحقيق العبودية والاستسلام لله والانقياد له، ألا تتفق معي أننا نؤدي حركات معينة قبل الصلاة (الوضوء) ثم نصلي بكيفية محددة ليس لنا تغييرها؟
بلى.
ألا تتفق معي أننا لا نحيط بالحِكم من تحديد تلك الأعضاء وطريقة الأداء وعدد الركعات والكلام والتسبيح وغيره؟
بلى، ولا أزال أذكر أن أحدهم سأل: ما الحكمة من كون بعض الصلوات ركعتين وبعضها ثلاثًا وبعضها أربعًا، وبعضها جهريًّا وبعضها سريًّا؟
هل تعرف قصة تحويل القِبلة؟
لا يا شيخ.
حين فرض الله الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في مكة وفي الإسراء والمعراج، كان المسلمون يصلُّون جهة المسجد الأقصى، واستمر الحال إلى ما بعد الهجرة بسنة ونصف، ثم أمر الله بتحويل القِبلة إلى المسجد الحرام.
وما علاقة ذلك بموضوعنا؟
حين نزلت آيات التحويل أخبر الله المسلمين أن هناك سفهاء سيقولون: لماذا تحوَّلَت القبلة، وماذا عن صلاتكم قبل التحويل؟
صحيح؟
ثم أخبرهم القرآن بالرد على تلك الشبهة، ففي سورة البقرة: ? سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [البقرة: 142]، أظنك عرفت الرد؟
تقصد ? قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ?؟
نعم، فالمغزى الرئيس هو الاستجابة لله وليس للجهة؛ لذا قدَّم لله على الجهة - والله أعلم -، وهذا يؤكد أهمية تحقيق العبودية لله والاستسلام لأوامره ونواهيه.
ومن ذلك الصلاة، بحيث نستسلم وتُؤدي بهيئة محددة وأوقاتٍ محسوبة ليس لذات الوقت ولا لذات الكعبة؛ وإنما استجابة وتعظيمًا للآمر.
ما شاء الله عليك، صحيح، وهكذا سائر العبادات كالصيام والحج والزكاة وغيرها.
لكن أين موقع النهي عن الفحشاء والمنكر؟
مَن أدى الصلاة بخشوع وخضوع واستجابة عن قناعة ورضا وتعظيمًا لمَن أمر بها، عَظُم الله في قلبه فهو يناجيه، وزاد توقيره له، وأصبح الله قبل كل شيء في حياته، ومن ثمرات ذلك أن يبتعد عن الفحشاء والمنكر، والعكس صحيح.
فالصلاة إذًا ليست حركات رياضية دون قلب يتحرك، ونفس تتجاوب، وتعظيمٍ يتنامى، فهي منظومة تساهم في تحقق العبودية في أسمى معانيها، وترتقي بالنفس في أبهى تجليها.
ما شاء الله عليك، أديب! ثم اسمح لي بسؤال.
تفضل يا شيخ!
من كم سنة وأنت تصلي؟
لا يقلُّ عن 30 سنة.
هل نهت صلاتك عن كل الفحشاء والمنكر؟
طأطأ رأسه، وقال بصوت خافت: لا والله يا شيخ، بل أنا مستمر في بعض المنكرات، عسى الله أن يتوب علينا.
وكذلك صديقك، فما تستنكره عليه وقعتَ فيه، وكلنا ذاك الرجل، ارجع إلى صاحبك والزمه فيبدو أنه يعينك على الخير، وليكن من أهدافكم السعي في تحقيق الغاية من الصلاة للحصول على ثمارها اليانعة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.