إنَّ قلْب الأمِّ يعتصر ألمًا وحسرة، والأنفاسُ تكاد تنقطِعُ منها لوعةً وحُزنًا، إنَّها مَشاعر الأمومةِ الفطرية، تتجاذب هذه المسكينةَ مخاوفُ الحَمْل من جهة، والهلع من كونه صبيًّا من جهة أخرى، إنَّه الحمل بالمولود، والخوف ممَّا هو كائن مَوجود، وبعد أن رأى الصَّبيُّ النورَ، امتزجت مشاعر التوجُّس بالسرور، فارتعدت فرائصُ الأمِّ من بَطْش فرعون وجنوده، وطغيانه وحشوده، فجاء الوحيُ الربَّانيُّ مسرِّيًا ومسلِّيًا؛ فأوحى الله إليها وحْيَ إلهام أن تحافظ عليه وترضعه، وتتركه لأمر الله دون أن تمنعه، ثمَّ إذا خافت عليه أن تلقيَه في اليَمِّ دون ألَم، فلن يغرق ولن يموت، والله متولِّيه في جميع شؤونه وناصرُه وكافيه.
ألقَتْ أمُّ موسى وليدَها في اليمّ، وقد تحمَّلتْ في نفسها كلَّ همٍّ وغَم، لقد ألقت فِلذة الأكباد، ورمَت مهجة الفؤاد، فهل يعود إليها الرقاد؟! أم يمزِّقها شبح السُّهاد؟!
ألا تَرى معي أنَّ المهد قد سار في حِفظ الله ورعايتِه، حتى وصل إلى قَصْر فرعون وسدّته؛ لتلتقطه - بعد ذلك - زوجُ فرعون التي كانت مَحرومةً مِن الولد، فرغبت في الاحتفاظ به والمناحة عنه بكلِّ جَلد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.