إرهاصات ضم الأحساء بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
  إرهاصات ضم الأحساء بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية

 إرهاصات ضم الأحساء بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

 
كان الملك عبدالعزيز يحسب لكل أمر حسابه الدقيق، وبخاصة ما يتعلق بالحملات الحربية. ونظرًا لأهمية المنطقة الشرقية من جهة، وللوجود العثماني المكثف فيها من جهة أخرى، فقد رسم خطة محكمة من جميع النواحي تسبق الخطوات العملية. كانت الأحساء، بمدينتيها المهمتين: الهفوف والمبرز، هي المستهدفة في المنطقة الشرقية نظرًا لأهميتها، وقد وضع في اعتباره عدة أمور مادية ومعنوية منها: إعداد خطة حربية تتمثل في إعداد جيش قوي، ثم وضع خطة تكتيكية تتمثل بالتمويه عن وجهة هذا الجيش، وأخيرًا وضع خطة إستراتيجية تتمثل في الاتصال بمن يثق بهم من سكان الأحساء ليمدوه بالمعلومات التي تسهل له دخول الهفوف  .  ففي شهر ربيع الأول عام 1331هـ / شهر فبراير 1913م خرج الملك عبدالعزيز على رأس قواته، وعندما وصل الخفس على حدود نجد سأله العثمانيون عن غايته فأجابهم بأنه جاء لمعاقبة بعض القبائل والتزود بالأطعمة من الأحساء، وسيعود إلى الرياض، وتماشيًا مع خطته أرسل بعض أتباعه إلى الأحساء فاشتروا ما يريدون ثم غادر الخفس نهارًا متظاهرًا بالعودة إلى الرياض تاركًا أتباعه في الخفس. ومن ناحية أخرى أمّن الملك عبدالعزيز جانبه بالطلب من قبيلة العجمان الوقوف معه في حملته على مطير؛ لأنه خشي أن تفسد عليه خطته إذا بقيت في المنطقة. ولما تحقق من غياب أي شك في نيته أسرع في تعديل وجهة سيره إلى الأحساء  
 

نجاح الملك عبدالعزيز في ضم الأحساء

 
وصل الملك عبدالعزيز الأحساء ونـزل في عين من عيونها على بُعد ميل واحد من الهفوف قاعدة الإقليم. وفي ليلة 5 جمادى الأولى 1331هـ الموافق 13 إبريل 1913م خرج من معسكره ومعه 600 فارس قاصدًا الهفوف. وكان جيشه يتكون في معظمه من الحاضرة. وقد استفاد الملك عبدالعزيز من مساعدة مؤيديه داخل الهفوف من حيث تزويده بالمعلومات عن الأمكنة التي يوجد بها العثمانيون، ومدى قوتهم، وطرق تحركهم، كما هيؤوا له الوسائل المعينة على الهجوم واقتحام الأسوار، مثل: الحبال، وجذوع النخل، والمسامير. وعندما وصل الجيش السعودي إلى السور الغربي للهفوف توقف الملك عبدالعزيز لشرح خطة الهجوم، كان يقود الجيش بنفسه ويشاركه قادة كبار، مثل: عبدالله بن جلوي، وقد تباينت الروايات في طريقة الهجوم لكن أقربها إلى الواقع أنه قسم جيشه إلى ثلاثة أقسام:
 
 القسم الأول يسير إلى الباب الجنوبي ويهاجم الحرس ويستولي عليه.
 
 القسم الثاني يقصد منـزل المتصرف العثماني (الحاكم) ويعتقله.
 
 القسم الثالث ينتشر فوق البرج للمراقبة
 
صنع الجنود من جذوع النخل والحبال سلالم تسلقوا عليها إلى أعلى السور حيث فاجؤوا الحراس، ثم انتشروا في أحياء الهفوف واحتلوا المراكز الغربية منها، ثم تجمعوا في مكان واحد حاملين السيوف والبنادق بأيديهم. وبعد ذلك نادى المنادي في المدينة: "الحكم لله ثم لعبدالعزيز بن سعود، والأمان لكل من لا يبدي مقاومة أو يعتدي على السعوديين" 
 دخل الملك عبدالعزيز وباقي رجاله المدينة من فتحة في سور البلد، ثم ذهب فورًا إلى منـزل الشيخ عبداللطيف الملا أحد أعيان الأحساء المؤيدين للملك عبدالعزيز، وسارع أعيان البلاد وأهلها إلى مبايعة الملك عبدالعزيز. وقد استبشر الناس بهذا النصر العظيم وتباينت ردود أفعالهم؛ فبعضهم أخذوا يهتفون كبارًا وصغارًا: أهلاً وسهلاً سمعًا وطاعة، وبعضهم من شدة فرحهم جاؤوا بالمياه إلى الجنود وكأنهم أقرباء لهم جاؤوا من سفر  .  كما أن الشعراء عبروا عن فرحتهم بقصائد عصماء منهم الشيخ سليمان بن سحمان وحسين بن نفيسة، لكن أشهر هذه القصائد القصيدة العصماء التي صدح بها شاعر الملك عبدالعزيز: محمد بن عبدالله بن عثيمين التي مطلعها:  
 
العـز  والمجد في الهندية القُضُبِ      لا  فـي الرسائل والتنميق للخُطَبِ
 

رحيل القوات العثمانية عن الأحساء

 
كان للعثمانيين في الأحساء أربعة حصون: ثلاثة منها في الهفوف، والرابع في بلدة المبرز القريبة من الهفوف. وبعد نجاح الملك عبدالعزيز في دخول الهفوف وسيطرته على الأحساء تمركزت القوات العثمانية في حصن الكوت،  ولكن بحلول الفجر كانت القوات السعودية قد استطاعت الاستيلاء عليه، وعندها لجأ الجنود العثمانيون مع عائلاتهم إلى قصر أو مسجد إبراهيم وتحصنوا فيه ومعهم المتصرف، فحاصرهم الملك عبدالعزيز، ثم هددهم بأنهم إذا لم يستسلموا فإنه سيهاجمهم، وقد مال المتصرف إلى أن يأخذ بالخيار الأول لكنه أراد أن يحفظ ماء وجهه، ويتقي غضب قادته، فدارت مفاوضات بين الطرفين حيث عرض المتصرف أن يستسلم بشرطين: الأول أن يحصل على الأمان لرجاله وأموالهم وسلاحهم وذخائرهم، والثاني أن يأخذ اعترافًا مكتوبًا بأن أعيان البلاد لا يريدون بقاء عسكر الدولة العثمانية لديهم. وقد قبل الملك عبدالعزيز الشرط الثاني من دون قيود، كما قبل الشرط الأول ما عدا أخذ الجنود العثمانيين سلاحهم الشخصي، فما كان من المتصرف إلا أن وافق على الاستسلام هو ورجاله، وقد تم ذلك في الثامن والعشرين من شهر جمادى الأولى 1331هـ الموافق الرابع من شهر مايو 1913م. وبعد استسلامهم قام الملك عبدالعزيز بترحيلهم إلى العقير ثم إلى البحرين
ونتيجة لدخول الأحساء تحت مظلة حكم الملك عبدالعزيز، واستسلام الحامية العثمانية هناك بادرت الحامية العثمانية المتمركزة في القطيف بالاستسلام للقائد السعودي عبدالرحمن بن سويلم، كما حذت حذوها الحامية العثمانية في العقير 
 
تفاجأ العثمانيون من سرعة تهاوي حصونهم في الأحساء والقطيف واضطرار جنودهم إلى مغاردة المنطقة قسرًا، فقاموا بتجهيز حملة من البحرين متجهين نحو العقير، وعندما وصلوا إلى هناك علم قائد السرية المتمركزة فيها فصمد هو ورجاله أمام المهاجمين، وأسروا عددًا منهم، وفي الوقت نفسه جاءتهم نجدة من الأحساء، ولما علم المهاجمون بهذه النجدة وببسالة المقاومة انسحبوا إلى البحرين. ولم تتوقف محاولات العثمانيين عن استعادة سيطرتهم على الأحساء والقطيف، إذ حاولوا إرسال قوة بحرية من العراق لكن بريطانيا حذرتهم من مغبة ذلك، وخصوصًا أن بوادر قيام الحرب العالمية الأولى قد بدأت ما يجعل من أمر قيامهم بهذه الحملة مخاطرة كبيرة، كما أن الدولة العثمانيةكانت في تلك الفترة في وضع لا تحسد عليه، إذ إنها خاضت حربين كبيرتين في أعوام 1329 - 1332هـ / 1911 - 1913م؛ وهما الحرب الطرابلسية والحرب البلقانية، وخرجت منهما منهزمة   ومن أجل ذلك فكر القادة العثمانيون بطريقة أخرى - غير القوة - في تعاملهم مع فقدهم الأحساء، وخصوصًا أن بريطانيا سعت إلى تعزيز علاقاتها مع الملك عبدالعزيز بعقد معاهدة العقير عام 1332هـ / 1914م ما يجعل أي خطوة عسكرية يقومون بها ضد الملك عبدالعزيز أمرًا صعبًا. ونتيجة لكل هذه الظروف، وأمام الأمر الواقع بدأ العثمانيون يفكرون بالاتصال بالملك عبدالعزيز والتفاهم معه سلميًا. ومن أجل ذلك أرسلوا وفدًا برئاسة طالب النقيب للتفاوض مع الملك عبدالعزيز حول أوضاع الأحساء بعد سيطرته عليه. وفي الوقت نفسه كانت ظروف الملك عبدالعزيز في هذا الوقت صعبة أيضًا، فهو يحتاج إلى بعض الوقت لتوطيد أقدامه في الأحساء، وبخاصة وجود العثمانيين بالقرب منه في البصرة، لذلك كانت الظروف مهيأة من قِبل الجانبين للتفاهم بدلاً من لغة السلاح. وقد تم الاجتماع بين الطرفين في الصبيحية واتفق الطرفان على بعض الأمور التي تهم الطرفين، ومنها: عقد اتفاقية بين الجانبين تعترف بموجبها الدولة العثمانية بالملك عبدالعزيز واليًا على نجد ومتصرفًا للأحساء. وفي المقابل يعترف الملك عبدالعزيز بالسيادة العثمانية مقابل مساعدته بالمال والسلاح، وقد تم تصديق الباب العالي على هذه الاتفاقية ومنح الملك عبدالعزيز نيشانًا عثمانيًا من الدرجة الأولى، كما منح رتبة الباشوية، لكن قيام الحرب العالمية الأولى حال دون تنفيذ ما اُتفق عليه  
 
وهكذا عادت المنطقة الشرقية إلى الحكم السعودي بعد أن خضعت للحكم العثماني المباشر مدة اثنتين وأربعين سنة. وقد أقام الملك عبدالعزيز في الأحساء فترة ليطمئن على استتباب الأمن هناك، ومعرفة احتياجات السكان، ثم غادر الأحساء عائدًا إلى الرياض في العشر الأواخر من شهر رمضان سنة 1331هـ / 1913م 
 
شارك المقالة:
63 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook