إعادة نظر

الكاتب: المدير -
إعادة نظر
"إعادة نظر




خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم ليتوضأ، فوجد الوضوء مُعدًّا له، فقال: ((من وضع هذا؟)) فأُخبر بأنه ابن عباس رضي الله عنه، فكيف كانت مكافأةُ نبيِّ الهدى عليه الصلاة والسلام له؟ وما هي الدعوة المباركة التي حظي بها ذلك الفتى العاقل الفطن، بسبب توفيق الله له لحسن الأدب مع مقام النبوة؟ أهي دعوة بأمرٍ من أمور الدنيا؟ كلا، ولكن دعا له بخيرٍ من ذلك، فقال: ((اللهم فقّهه))! [متفق عليه].

 

إنّ هذه الدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الرضا عن ذلك الفعل لدلالة على فضل العلم، وأنه أشرف ما يُطلب، وخير ما يؤتاه المرء، قال تعالى: ? وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ? [البقرة: 269].

 

وعلى الرغم من أنَّ كلًّا من العلم والمال من الخير المرغوب فيه، إذا وُفِّق المرء لحسن استثمارهما فيما يرضي الله عزَّ وجلَّ، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالًا فسلّطه على هَلَكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله علمًا فهو يعلُّمه ويقضي به))؛[متفق عليه]، ولكنَّ العلمَ خيرٌ من المال وأبقى؛ لذلك لم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطلب الاستزادة من شيء إلا من العلم، ولأجل العلم خرج كليمُ الله موسى عليه السلام عازمًا ألا يزال سائرًا حتى يلقى العبد الصالح ليتعلم منه ولو استغرق زمنًا طويلًا! ولإظهار فضيلة العلم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام إكرامًا له لـمَّا فَضَّلَهم بالعلم.

 

لا جرم كانت غنيمةُ العلم أعظمَ من غنيمة المال، وخسارتُه أكبر من خسارة المال، فبالعلم يكون الوصول إلى محمود الغايات، والصعود في مراقي الأمنيات، وبه تُقام الحضارات، وتُبنى المجتمعات، وبالعلم تُنال المكرمات، وتُجنى حلو الثمرات. فما أعظم الترقي في مدارج العلم، والعزوف عن مدارك الجهل! فهل استشعرتَ أيها الطالب، في أي أرضٍ أنتَ تقف؟ وعلى أيّ دربٍ أنت تسير؟

 

إنَّ الطالب المدرك لأهمية العلم في حياته سيكون قاصدًا بخروجه العلمَ النافعَ له في دينه أو دنياه، يبتغي بطلب العلم الخير والإصلاح، في نفسه ومجتمعه، فيفوز بحسن العاقبة، ويزيد من طلبه ويستزيد، ويصبر على ما يواجهه من عقبات، ولا يتوقف حتى بعد تخرُّجه من مقاعد الجامعة؛ ذلك أنه أدرك قيمة ما يصبو إليه، وحقيقة ما يسعى لأجله، فكان في تقدُّم مستمر، وتحسين دائم.

 

إنَّ معالجةَ التفكير في العلم بطريقة صحيحة تعدّلُ المسار، وتهذّب السلوك، وتحلُّ كثيرًا من المشكلات، فالطالبُ الذي يتوجه نحو العلم توجهًا سليمًا لن يصبح همّه الأكبر علو الدرجة بقدر ما يعنيه حسن الفهم وجودة الأداء، وظهور ثمرة العلم عليه، وتحقُّق نفعِه في نفسه ومجتمعه، بتطبيق ما تعلّمه في الواقع، والطالب الذي ينظر للعلم بهذا المنظار لن تحدّثَه نفسُه يومًا إذا عجز عن حلّ فقرة من اختبار أن يسترق النظر في إجابة زميله؛ لعلمه أنَّ ذلك التصرُّف وإن جلب له درجات فقد أوقعه في وحلٍ من الرذائل، ودسَّى نفسه بنقص إيمانه، وأيقن إن كان ذا بصيرة، واكتسب بالغش درجات كثيرة، أنه لم ينجح على الحقيقة!

والعلمُ إنْ لم تكتنفْه شمائلٌ
تُعليه كان مطيةَ الإخفاقِ



ومن أعاد النظر في العلم مدركًا قيمتَه عرف قيمةَ حامله؛ فعظَّم كتابَه، واحترم أستاذَه، وقدَّر عطاءه، فدعا له في حضوره وغيابه، بل ربما تجاوز إكرامُه للعلم محيطَ أساتذتِه إلى إكرام العلماء في أيِّ تخصُّص كانوا، ولو لم يكن من طلابهم.

 

ومن أعاد النظر إلى العلم متفكرًا في أنَّه خيرُ ما يتفضَّل الله به على المرء، وأنه أثمنُ ما يُهدى لن يكون بخيلًا بمعلومة يحتاج إليها زميلُه، أو بكتاب يدلّه عليه، فإهداء العلم من أفضل أنواع المعروف، وكلُّ معروفٍ صدقة.

 

ومن أعاد النظر إلى فضائل العلم الكثيرة راعى سيرَه، واغتنم وقتَه، ألا فحريٌّ بنا أن نعيد النظر في العلم؛ فإنه أعظم المكاسب، وأثمن الغنائم، وكثيرُ ما يُبذَل فيه قليل، وقليلُ ما يُدرَك منه كثيرٌ، إذا انتفع به المرء فأحسن استثماره، وربَّى به ذاته، ونفع به مجتمعَه، ومن نوى الخير وُفِّق له، فـ((إنّما لكلٍّ امرئٍ ما نوى))؛[متفق عليه].


"
شارك المقالة:
37 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook