إكسير الحياة

الكاتب: المدير -
إكسير الحياة
"إكسير الحياة




ناديت فلبيَّت النداء، هذا كلُّ ما فعلت.

اسم الجسد: سيدة ذات العطر المُحلَّى بخلق المحبة والإخلاص.

حامله وخادمه وطوع ندائه: ولدٌ لم يتعدَّ أن يكون سوى ولد!

أُقِرُّ أنا المدعو/.....

أني أَتْمَمتُ العمل بالتمام في ساعته وتاريخه.

 

أهي الصدف التي فعلت بنا هذا، أم حقًّا هناك تواصل روحيٌّ؟

الآن أيقنتُ أن ما يطلبه الراحل يفعَلُه، وقد طلبتني بالاسم حقًّا ويقينًا.

عندما حملت الرأس - وهي التجرِبة الأولى لي - تراءى لي ذاك الوجهُ الصبوح كقمرٍ في ليلة بدره.

 

يا ولد: حملت رأسي، وهأنت فعلتَها لأول مرة، أعلم كم كنت تتمنَّى أن تلثمها بحنانِ ابنٍ بارٍّ في الدنيا، وهأنت قد فعلت.

سُررت، وظهرت السعادة على قلبي، وددت لو أصرخ، ها هي تكلمني تخصني أنا، أنا وحدي.

ذهبت بي الدنيا بعيدًا، لم أشعر وقتها إلا وهي جالسة تملأ أقطار مجلسها محملة بالورود.

أدخلتها، نعم أدخلتها بتُؤَدة، وكان مدخلها مدخل صدق بإذن الله.

 

أتُصدِّقون أني كنت في شبهِ غيبوبة، لا أعي ما يدور سوى أني حاملٌ جسدًا من الجنة وذاهب إليها.

جسد غض طري نشط كعادته في دنيانا.

تفتح الأبواب، وتدق الطبول، بحلول ضيفٍ كريم على جنان رب العالمين.

الملائكة ترفرف بأجنحتها فرحة مستبشرة مطمئنة.

أراهم يحملون الجسد معي كمَلِكة في قصرها.

أول مرة في حياتي أفهم معنى القبر.

فالقبر ليس إلا قنطرة بين عالَمينِ.

 

فتحت أمامنا أبوابها، أراها بأم عيني، بنت في الثلاثين تجري نحو الأبواب كأنها مغامرة في سفرة لا تنتهي ملذَّاتها. (وددت لو أكون معك .. يا لسعادتك!).

 

وقفت، ثم نظرت إلى عيني، أشارت بكفها كأنها تُحمِّلني رسالة.

فهمتُ يا سيدة العطر المحلى، فهمت.

أشرت بيدي، فلتأخذيني يا أمي، فلتأخذيني يا أمي؛ (هكذا كما يتودد الأطفال).

أسبلت بعينيها، فهمت يا سيدة العطر المحلى بخلق المحبة والإخلاص.

ظللت أرمقُها ببضع نظرات حتى ذهبت عن عيني، وهي تمرح بسعادة.

 

تساءلت، ولم يتوقف الدماغ عن السؤال: هل أنت ملاك كان يعيش بيننا في جسد فانٍ، أم أنك بشر حافظ على عهد ربِّه نقيًّا طاهرًا قبل وقوعه في الخطيئة الأولى؟

 

قد رحلتِ رحيل جسد، وبقيت روحُك يا زوجة الرجل العزيز.

عطرك لم يغادر يدي ولا أنفي، ما زال ملتصقًا كالتصاق قلب معلق بأمِّه التي هي زوجةٌ لعمه.

خرجت وانتهينا مِن تسليم الجثمان، فكان وقوع البصر عليه، أفتش عنه لأقف بجانبه.

 

أليس هو الحبيب والصاحب الصدوق؟

وجدته كسيرًا منطويًا، كطفل فقَدَ أمَّه التي كانت تربتُ على كتفه كل ليلةٍ.

 

لِمَ أنت بعيد يا عماه؟ لو كنت رأيت ما رأيت لفرِحتَ، لو كنت رأيت إشارتها وما تحمله مِن رسائل، لذهب قلبك خارج صدرك فرحًا سعيدًا.

فقد خصَّتك بالاسم يا عماه.

 

أليست هي محبوبتَك؟

يا صاحب القلب المحب، لا تحزن، لا تحزن يا عزيزي العاشق، لا تحزن أيها الطفل الوديع الذي فقد قلبَه.

فقلبها كان مضخَّة تضخُّ نشاطًا في بيته الكبير.

كانت تحنو على هذا، وتعلم ألم هذا، وتواسي هذا، وتجبر قلب هذا.

كان يحيا كل ليلة على أنغام قلبها.

 

فمَن له الآن؟!

حزنت بعد فرح.

لم أكن أعلم يا حبيبي أنك تملك تلك الجوهرة، ولم تدرِ أنت في لحظة أنك ستفقد هذا الملاك.

واسيته ولم أبلغه بما أيقنت أنه حقيقي مِن وصال بيننا، وسيظل الوصال موصولًا.

انهمرت الدموع كنهر جارٍ.

جففتها.

 

(إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإننا على فراقك لمحزونون، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون).

وداعًا في جنة ربك أيتها السيدة، زوجة الرجل الصالح الرقيق المحب.


"
شارك المقالة:
32 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook