إلى مرفأ الأشواق

الكاتب: المدير -
إلى مرفأ الأشواق
"إلى مرفأ الأشواق




في هدأة الليل سرق المحبُّ نفسَه من فراش الغفلة، يمشي مَشْيَ القَطا حذرًا من عيون الوُشاة والمثبطين وأسماعهم، ومضى لمُناجاة الحبيب على أجنحة الحنين، وحُداء الوعد الحسن، وقبل أن يصل إلى رياض المناجاة، وشواطئ الملاقاة، تطيَّب بالطهر، واتجه يطرق الباب قائلًا:

اللهم ربَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكُم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، ووَلَج ينثر أشواقه وحُرَقه، ويسكب تأوُّهاته وتوجُّعاته من تطاوُل البعد، تنساب بينها جداول الدموع المُلتاعة، على صفحات الخدود الأسيفة، واللسان ما فَتِئَ يواصل الخطاب النديَّ بأحرف مضيئة، ينبعث منها الأَلَقُ الذي يكسو الروح طُمأنينةً وسكينة، تتحطم برسوخهما معاولُ الأحزان والقلق.




وفي ظل هذا الجوِّ البهيِّ يلبس الوجه حُلة البهجة والنضارة، فيشعُّ سناءً تنهزم أمامه كتائبُ الظلام والقَتَر، ويمتلئ الصدر سعادة غامرة، ينفسح بها وينشرح، فتتقشَّع عند ذلك سحائبُ الضيق، ويتضمَّخ العيش بأريج الحياة الطيِّبة، وتنجلي منه روائح الشقاء والعناء.




وفي هذه الجنة الوارفة الظلال يتسابق الوقت ويَقصُر، لكن اللذة تمتدُّ وتطول، فلا يقطع هذه الحلاوةَ والساعة المباركة إلا لمعانُ سيف الفجر، فيعود المُحبُّ وقد دخل جنة لا يعرفها إلا القليلُ من الناس، وهو ما زال يمشي على وجه الأرض.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook