إنه إبليس لعنه الله

الكاتب: المدير -
إنه إبليس لعنه الله
"إنه إبليس لعنه الله




حدَث أن وضعتُ رأسي على رُكْبة جدَّتي، وأسلمت لها رأسي لتَفْلِيَه فَلْيًا، بينما كانت أناملُها تُمشِّط شعري بحثًا عن الزوار غيرِ المرغوب فيهم، كنا نتجاذَبُ أطراف الحديث عن المدرسة، وسَيْر الدراسة، وعن عصا المعلم التي تُقوِّم اعوجاج هذه الرؤوس في حال زيغانها عن جادة الاجتهاد.

 

? لتستوعبْ دروسَك يا بُنيَّ، يجب عليك أن تُنصِت بانتباه إلى شرح المعلم.

? أحيانًا - جدَّتي - أنشغلُ بوشوشات أحد زملائي، ولا أعود إلى جادة الدرس إلا بلَسْعة من عصاه.

? لا تفعلْ هذا أبدًا يا صغيري، دائمًا سِرْ إلى الأمام ولا تَلتفت إلى الوراء، لا تشغَل بالَك بهذه الوشوشات؟

? أحيانًا تطاردني هذه الوشوشات، حتى وأنا عائد أو ذاهب من وإلى المدرسة.

? ما هذا الذي تقول؟

? أسمع كأنَّ أحدًا ما ينادي عليَّ من خلفي، لكن عندما ألتفت لا أرى شيئًا.

? أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.

 

? ما بكِ جدَّتي، لم توقفتِ عن الفَلْي؟

? يا لطيف.

? أرجوكِ جدتي، واصِلي الفَلْي، إنني أجد متعتي في ملامسة أنامِلِك الدقيقة لفروة رأسي.

? لطفَك يا رب، وهل كنتَ تُجيب المنادي؟

? كيف أجيبه وأنا لم أرَه؟

? لا تردَّ عليه أبدًا يا بُني.

? أيكون صاحب الصوت شبحًا، جدتي؟

? ليس شبحًا، أعوذ بالله منه، لعنه الله.

 

? مَن يكون إذًا جدتي؟

? إنه إبليس لعنه الله، يريد أن يخدعك، احذَرْه، اتلُ المعوذتين وما تحفظه من القرآن الكريم إذا سمعتَه يناديك مرة خرى.

? لا تقلقي جدتي، واصلي الفَلْي، سأتصدَّى لعدو الله.

? هيا قم الآن يا صغيري، خذ هذه الأمانة، وسلِّمها من يدك ليد صاحب الدكان، وقل له أن يشطب على الدَّين، واشترِ سكاكرك المفضَّلة.

حشت الكراسة بورقة نقدية خضراء، ثم ناولتني إياها وهي تحذِّرني من مَغبَّة إهمالها.

 

? حاضر جدتي.

? لا تنسَ ما اتفقنا عليه.

? طبعًا لن أنسى السكاكر، وأن أعيد إليكِ ما تبقى من المبلغ.

? ليس هذا فحسب، هل نسيتَ عدو الله؟

? لا عليكِ سأصبُّ عليه الماء.

 

مرقتُ من البيت أَعْدُو سريعًا مروقَ السهم من الرَّمِيَّةِ، وفي منتصف الطريق الخالية من الحركة إلا من دَبيب قدمي، سمعت صوتًا يهتف خلفي:

? يا فتى، انتبه!

? لن تنطلي عليَّ حيلتُك يا عدو الله، لن تخدعني.

? يا هذا، توقَّف؛ الأمر يهمُّك.

? سلَّط الله عليك الهمَّ والغمَّ يا لعين.

? يا فتى، انتَبِهْ خُذْ.

 

? لتأخذك النارُ يا عدو الله، لن تغرَّني أيها الغرور.

? اسمعني الأمر يهمك.

? بسم الله الرحمن الرحيم، ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ? [الفلق: 1، 2].

 

? يا ولد، خُذْ هذا إنه لك.

? ? وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ? [الفلق: 3].

? اسمَع، لقد وقع منك.

? ? وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ? [الفلق: 4، 5].

 

? قِفْ يا ولد، خذ هذا.

? ? قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ? [الناس: 1 - 4].

? لقد سقط...

? لتسقُط في جهنَّم يا لعين!

 

? الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ? [الناس: 5، 6].

من شدة السرعة أخذَتْ قدماي تلمُسانِ قَفاي ولا تلمُسانِ الأرض، لست أدري أَمِنْ خوفٍ كان ذلك، أم مِن اعتدادي بسلاح المعوذتين اللَّتين أخمدتا كتلةَ اللهب الملعونة التي طاردتني ما شاء الله لإغوائي؟ لم تثبتْ قدماي على سطح الأرض إلا وأنا على عتبة باب الدكان ألهث وقلبي قد بلغ حنجرتي، فسلمت لصاحب الدكان سجلَ الكراسة، طالبًا منه التشطيب على الدَّين والسكاكر المفضلة.

 

? لا تشطيب ولا سكاكر قبل أن أرى النقود درهمًا درهمًا.

? النقود .. النقود.. أين هي النقود؟ أين هي السكاكر؟

? لِمَ تسألني أنا؟ اسألْ نفسك يا هذا، وهل أعطَتْك جدتك نقودًا؟

? نعم، لقد كانَتْ في جيب مِعْطفي.

? أمتأكد أنتَ مما تقول؟

? أجل.

? عُدْ أدراجَك؛ علَّك تعثر عليها في الطريق.

? قد لا أعثر عليها أبدًا، قد يكون أخذها عدوُّ الله.

? مَن؟

? الشيطان الذي طاردني وأنا قادم إليك.

? هيا أسرِعْ خُذْها منه، وارجع لتدفعَ وتأخذ السكاكر.


"
شارك المقالة:
34 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook