ابتلاء يحتاج إلى صدق

الكاتب: المدير -
ابتلاء يحتاج إلى صدق
"ابتلاء يحتاج إلى صدق




ادِّعاء الأخلاق والتدين سهلٌ وميسور جدًّا، لكن يظل الصدق والتطبيق عزيزًا وصعبًا، ولا سبيل للتفريق بينهما إلا بالابتلاءات؛ ابتلاءات السراء بالعطاء والتمكين، وابتلاءات الضراء بالحرمان والضعف والعجز، ? أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ? [العنكبوت: 2].




يمكنك أن تدَّعي أفضل ادِّعاء، وتُسخِّر وسائل الكتابة الجيدة، والدموع الزائفة، والمظهر الخادع؛ لكي تبدوَ بمظهرِ الناسك العابد الوَرِع، لكن المحكَّ الرئيسي هو عند الابتلاء، فتقف وتسأل نفسك: (أأشكر أم أكفر؟)، ويأتي فعلك جوابًا على هذا.




ما أسهل أن يدَّعي الفقيرُ حبَّه للتصدق ومساعدة الناس، وما أيسرَ أن يدعي المرؤوس كراهيتَه للظلم والاستبداد، ويظل الادِّعاء سهلًا على مَن لا يملك، فإذا ملَك وتمكَّن، تبيَّن صدقه من زيفه.




وما أسهل الاستقامةَ حين تتوافق مع المصلحة، فهذا يصلي بالمسجد لينال وجاهةً عند الناس، وذاك يتصدَّق ليحوزَ سمعةً طيبة، ولكنها بِئْسَت الاستقامةُ الزائفة التي تراعي الناسَ أكثرَ مما تراعي نظر الله تعالى.




إن هذه الحياة بالأساسِ هي ميدان اختبار ادعاءاتِنا، وعلى قدر صدقنا يكون حسن جزائنا يوم القيامة، ? الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ? [الملك: 2].




نظرة الابتلاء لكل ما يجري حولنا باعثةٌ لكل خير في قلوبنا، فمما يربط على قلوب المستضعفين والمظلومين أن يتذكَّروا أنهم في حالة مظلوميَّتهم واستضعافهم فهم في اختبار حقيقي، مقتضاه الصبرُ واللجوء إلى الله تعالى، والأخذ بالأسباب قدر الاستطاعة؛ للتحرر من الظلم والاستضعاف، فينعكس هذا الفهمُ على قلوبهم بالطمأنينة والسكينة مهما طال بهم البلاء.




والقوي المتمكِّن، والغني المتملك، حين يتفهم أن قوته وملكه هو استخلافٌ مِن الله تعالى ليبلوَه به، فإنه سيتراجع عن كلِّ ظلم، وينتهي عن كل معصية تيسرها له قوتُه، وعلى مثل هذا قِسْ باقي الأمثلة.




أنت مدَّعٍ لعفَّة البصر حتى تأتي متبرجة تمرُّ أمامك، فيتبيَّن صدقُك من كذبك.

وأنت مدَّعٍ عفَّةَ يدٍ حتى تأتي الأموال أمامك دون رقيب، فيتبين صدقك من كذبك.

وأنت مدَّعٍ عفَّة لسان حتى يأتي مجلسٌ يهيَّأ لك فيه كذب، أو غيبة، أو نميمة، فيتبين صدقك من كذبك.

وأنت مدَّعٍ مراقبةَ الله تعالى وخوفه حتى تأتي خلوةٌ، فيتبين صدقك من كذبك.




توالت التحذيرات من الوقوع في فخِّ الادعاء الكاذب، والنكوص عند المواجهة الحقيقية، فكان من الكبائر الفرارُ من الزحف، وكانت ذنوب الخلوات من المهلِكات، وكان نكوصُ العهد مع الله تعالى من علامات النفاق؛ ? وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ? [التوبة: 75، 76].




فها أنت ذا، كم مرة عاهدتَ الله تعالى لئن يسَّر لك مالًا أن تتصدق، وتبذله في الخير، ولَمَّا جاءك المال لم تفعل؟

وكم مرة عاهدتَ الله تعالى لئن هيَّأ لك وقتًا فارغًا، ستتعلم وتدعو إلى الخير، وتبذله في خدمة الإسلام، وجاءك الوقت ولم تفعل؟

نحن بحاجة ضرورية إلى الوقوف مع أنفسنا، ومراجعةِ عهودنا مع الله تعالى؛ حتى لا نغرق في وحل النفاق شيئًا فشيئًا، ونحن لا ندري، وحتى لا يفجأنا الموتُ ونحن لم نتهيأ له بعد، وحتى لا نكون أبرارًا في أعين الناس، وعين الله تعالى لا تنظر إلينا، ولا تبالي بأي وادٍ نَهلِك.




التكامل بين فكرةِ أن كلَّ ما يمر بنا هو مِن قبيل الابتلاء من الله تعالى لنا، وبين ضرورة صدق الادعاء عند هذا الابتلاء، هو ما ينتج عنه مسلمٌ مطمئن القلب، مستقيم الجوارح، يرضى الله تعالى عنه ويحبُّه، فحياتنا كلُّها - كما ترى - ابتلاء يحتاج إلى صدق.


"
شارك المقالة:
32 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook