لطالما كان موضوع شخصية الإنسان وتحليلها محط جدل ونقاش كبير بين علماء النفس، وقد كرس الكثير من العلماء حياتهم العلمية وأبحاثهم لدراسة هذا الشأن، وفي دراسة جديدة نُشرت في مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" درس بعض المُحاضرين والأطباء في جامعة كاليفورنيا السمات الأساسية في شخصية الإنسان المُتزنة من أجل الخروج بنموذج نهائي لهذه الصفات، ومن أبرز نتائج هذه الدراسة عدم وجود صفة مُعينة يتحتّم وجودها بالضرورة حتّى تكون الشخصية متزنة، إلّا أنّ هناك بعض الصفات التي اتفق عليها العلماء وأظهرتها نتائج الدراسة، مثل وجود مستويات مُرتفعة من المشاعر الصادقة والعواطف الإيجابية في الشخصية المُتزنة، بالإضافة إلى تسجيل مُستويات مُنخفضة من التعصّب والتشدد.
هنالك بعض الصفات التي غالباً ما تتميز بها الشخصية المُتزنة، ولا يشترط أن تكون جميع هذه الصفات موجودة في الشخصية المتزنة فقد يتصف الشخص المتزن ببعض هذه الصفات وليس جميعها، ومن أبرز هذه الصفات ما يأتي:
يُعدّ الصدق من مكارم الأخلاق والصفات التي أصبحت قليلة الوجود، ويحتل الصدق مكانة عظيمة عند جميع المجتمعات وجميع الأديان، حيث إنّ نتائجه الإيجابية واضحة على الفرد والمجتمع، فالشخص الصادق دائماً ما يكون محبوباً بين الناس ويُفضّلون التعامل معه، والمجتمع الصادق بأفراده عادةً ما يكون من المجتمعات المتقدمة والحضارية، ولذلك يعتبر الصدق من الصفات المهمة في الشخصية المتزنة.
يعتبر الاحترام صفة مغروسة في الإنسان يكتسبها من تربيته والبيئة التي نشأ بها، ويتصف الإنسان المُتزن بالاحترام بكافة أشكاله، حيث إنّ الاحترام صفة شمولية لا تقتصر على احترام الإنسان للإنسان، فالإنسان المتزن يحترم الأشخاص الذين يتعامل معهم ويظهر لهم التقدير، كما يحترم عناصر البيئة، مثل الأشجار فلا يقطعها أو يحرقها، ويحترم الحيوانات ولا يُؤذيها.
إنّ تحمل المسؤولية من الصفات التي يتصف بها الإنسان المُتزن، حيث إنّ المسؤولية صفة عامة تتفرع إلى مسؤولية اجتماعية، ومن مظاهرها عدم ترك المكان متسخاً بعد استخدامه، والحرص على الممتلكات العامة وعدم العبث بها، ومسؤولية وظيفية تعني إنجاز الشخص كافة مهامه دون طلب تأديتها منه وتحمل تبعاتها، وأن يقوم بعمله وكأن المؤسسة التي يعمل بها مؤسسته الخاصة لذا تجده يقوم بأداء عمله بكلّ إخلاص، فالشخص المتزن يتحمل المسؤولية في كافة جوانب حياته.
الولاء هو صفة أخلاقية تعني الإخلاص والتفاني، سواء للأصدقاء أو العائلة أو العمل، حيث يتصف الشخص المُتزن بالولاء في جميع جوانب حياته، ويبذل أقصى ما لديه في العمل ولا يبخل في أيّ مجهود أو معلومة تصب في مصلحة العمل وتؤدي إلى نجاحه، كما يمتلك الولاء الكامل لعائلته ويحرص على تلبية جميع احتياجاتهم، وعلى مستوى العلاقة العاطفية فالشخص المُتزن مُخلص إلى أبعد الحدود لشريكه.
يمتلك الشخص المُتزن رغبة كبيرة في تحقيق أهدافه وطموحاته، فهو شخص طموح يسعى دائماً للاستمرار في النجاح وتطوير حياته ومهاراته، ويحاول أن يُسخّر كلّ الظروف التي تُساعده على تحقيق أهدافه، ولا يتوقف عند حدٍّ مُعيّن، فمُجرد انتهائه من تحقيق هدف ما ينتقل إلى الهدف الآخر.
قد يعتقد البعض أنّ الشخص المُتزن صارم الشخصية وحاد الطباع وتسير حياته وفق قوانين حازمة بناءً على الصفات التي ذُكرت، إلّا أنّ الشخص المُتزن مرن إلى حدٍّ كبير، ويتقبل التغيير طالما أنّ هذا التغيير لا يتعارض مع معتقداته الأساسية ولا يتعارض مع المصلحة العامة ومع الهدف الأساسي، ولا مانع لديه من تغيير فكرته نحو أمر معين إذا اقتنع بوجهة النظر الأخرى، فالشخص المُتزن شخص منفتح على كلّ الثقافات ويتقبل الرأي الآخر.
قد يتصف الشخص المُتزن بالدقة الشديدة، حيث إنّه لا يقبل إلّا بالكمال ويستحيل أن يغض طرفه عن التفاصيل التي قد يعتبرها غيره غير مُهمة، ولا يتنازل عن شروطه ومعاييره الخاصة التي يضعها، فهو على استعداد لبذل المزيد من الوقت والجهد في سبيل إتمام عمله على أكمل وجه، فهو شخص دقيق في عمله، وحياته الشخصية مُنظمة إلى حدٍّ كبير، فلا يمكن أن يشرب قهوته إلّا بكوبه الخاص، ولا يمكن أن يتأخر عن عمله دون سبب.
الشخصية المُتزنة شخصية تتصف بالتفهم، وهذا دليل على قدرته على الوصول إلى تفكير الآخرين أي أنّه يمتلك القدرة على فهم الأشخاص وتحيليل تصرفاتهم وأقوالهم والوصول إلى الدوافع التي أوصلتهم للتصرف بهذه الطريقة، بالإضافة إلى أنّ عاطفته تقوده إلى إعطاء الأعذار للآخرين حتّى لو كان هذا على حساب مصلحته الشخصية.
أظهرت الدراسات أنّ الشخصية المتزنة سجلت مستويات مُنخفضة من الحقد والكراهية، وهذا دليل على القدرة على المغفرة والتسامح، حيث إنّ الشخص المُتزن يتصف بالقدرة الكبيرة على الغفران دون أيّ رغبة في ردّ الأذى أو حمل مشاعر من الحقد والكراهية في داخله، فهو على يقين بأنّ كلّ إنسان مُعرض للخطأ وقد يخطئ هو يوماً ويحتاج إلى المغفرة.
يتصف الشخص المُتزن بقدرته على تحفيز من حوله بطرق فعّالة، وهو قادر على منح الأمل والعزيمة للآخرين بكلماته وأفكاره، وتقديم الدعم لأيّ شخص يستطيع مساعدته ويعطيه القوة والحافز على الاستمرار بشخصيته الإيجابية ونظرته التفاؤلية، بالإضافة إلى امتلاكه ذكاء عاطفي يجعل الآخرين ينجذبون إليه ويطلبون تشجيعه وإعطائهم جرعة من الأمل، فهو يبث الروح الإيجابية في كلّ مكان يتواجد به وفي داخل كلّ شخص يتحدث معه.
يمكن تعريف النزاهة بأنّها سلوك يتبعه الأفراد والمؤسسات وتعني الاستقامة والخلو من التناقض والليونة والسير وفق أحكام القوانين، وعند وصف شخص ما بأنّه شخص نزيه فذلك يعني بأنّه شخص مستقيم صاحب ضمير حي لا يخالف قوانين المجتمع الذي يعيش فيه، لذلك عند اختيار شخص لوظيفة في منصب حساس لمؤسسة ما فإنّ أول صفة يجب أن تتواجد به هي صفة النزاهة، لضمان حفاظه على أداء مهماته بالشكل الصحيح وعدم خضوعه للضغوطات التي قد يتعرض لها، وأن يحكم بالعدل ولا يتهاون في أيّ أمر، وغالباً ما يتصف الشخص المتزن بهذه الصفة
العربية
