الموت حقيقة تتربّص بالجميع، لا مفرّ منها ولا هروب، وفيه يفقد الشّخص التّواصل مع من يحبّه ويصب وحيداً في الدّنيا، وبسبب فقدان الأحبّة فإنّ العاطفة تظهر صادقة في القول والتّصرفات، وفيه قال الشّعراء جميل القصائد التي تعبّر عن مشاعرهم بصدقٍ وألمٍ واضحٍ.
أبيات شعر عن الموت نعلّل بالدّواء إذا مرضنا
فهل يشفي من الموت الدّواء
ونختار الطّبيب فهل طبيب
يؤخّر ما يقدّمه القضاء
وما أنفاسنا إلا حساب
ولا حسراتنا إلا فناء
أأملٌ أن أحيا وفي كل ساعةٍ
تمرّ بي الموتى تهزّ نعوشها
وهل أنا إلا مثلهم غير أنَّ لي
بقايا ليالٍ في الزّمان أعيشها
إنّ هذا الموت يكرهه
كلّ من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا
لرأوه الرّاحة الكبرى
يوشك من فرّ من منيّته
في بعض نمراته يوافقها
من لم يمت غبطةً يمت هرماً
للموت كأس والمرء ذائقها
إِنما الموتُ مُنْتهى كُلِّ حي
لم يصيبْ مالكٌ من الملكِ خُلْدا
سنةُ اللّهِ في العبادِ وأمرَ
ناطقٌ عن بقايهِ لن يردا
كم من عزيزٍ أذل الموتُ مصرعه
كانت على رأسهِ الرّاياتُ تخفقُ
يطفئُ الموتُ ما تضيءُ الحياةُ
ووراءَ انطفائه ظُلماتُ
أرى الناسَ يَهْوَوْنَ الخلاصَ من الرّدى
وتكملةُ المخلوقِ طولُ عناءِ
ويستقبحونَ القتلَ والقتلُ راحةٌ
وأتعبُ ميتٍ من يموتُ بداءِ
موتٌ يسيرٌ معه رحمةٌ
خيرٌ من اليُسْرِ وطول البقاءِ
وقد بَلونا العيشَ أطواره
فما وجدنا فيه غيرَ الشّقاءِ
بلينا وما تبلى النجومُ الطَّوالِعُ
وتَبْقَى الجِبالُ بَعْدَنَا والمَصانِعُ
وقد كنتُ في أكنافِ جارِ مضنّة ٍ
فَلا جَزِعٌ إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنا
وكُلُّ فَتى ً يَوْمَاً بهِ الدَّهْرُ فاجِعُ
فَلا أنَا يأتيني طَريفٌ بِفَرْحَة ٍ
وَلا أنا مِمّا أحدَثَ الدَّهرُ جازِعُ
ومَا النّاسُ إلاّ كالدّيارِ وأهْلها
بِها يَوْمَ حَلُّوها وغَدْواً بَلاقِعُ
ومَا المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ
ومَا البِرُّ إلاَّ مُضْمَراتٌ منَ التُّقَى
وَما المَالُ إلاَّ مُعْمَراتٌ وَدائِعُ
ومَا المالُ والأهْلُونَ إلاَّ وَديعَة ٌ
وَلابُدَّ يَوْماً أنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ
واخترْ لنفسكَ منزلاً تعلو به
أو مُتْ كريماً تحتَ ظلِّ القسطلِ
فالموتُ لا ينجيكَ من آفاتهِ
حصنٌ ولو شيدتَهُ بالجندَل
موتُ الفتى في عزةٍ خيرٌ له
من أن يبيتَ أسيرَ طَرْفِ أ كحلِ
لا تسقني ماءَ الحياةِ بذلةٍ
بل فاسقني بالعزِّ كأسَ الحنظلِ
ماءُ الحياة بذلةٍ كجهنمٍ
وجهنمٌ بالعزِّ أطيبُ منزلِ
يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا
واعصِ الهوى فالهوى مازال فَتَّانا
في كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعهُ
ننسى بمصرعهِ آثارَ مَوْتانا
لا بدَّ من موتٍ ففكرْ واعتبرْ
وانظرْ انفسِكَ وانتبهْ يا ناعسُ
ألا يابنَ الذين فَنُوا وبادُوا
أما واللّهِ ما بادوا لتبقى
يا جامعَ المالِ في الدّنيا لوارثهِ
هل أنتَ بالمالِ قبل الموتِ منتفعُ ؟
قدّمْ لنفسِكَ قبل الموتِ في مَهَلٍ
فإِنّ حظّكَ بعد الموتِ منقطعُ
قصائد عن الموت
ممّا قاله الشّعراء في الموت ما يأتي:
النّفس تبكي على الدّنيا
عليّ بن أبي طالب
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها
أَينَ المُلوكُ الَّتي كانَت مُسَلطَنَةً
حَتّى سَقاها بِكَأسِ المَوتِ ساقيها
أَموالُنا لِذَوي الميراثِ نَجمَعُها
وَدورُنا لِخرابِ الدَهرِ نَبنيها
كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت
أمسَت خَراباً وَدانَ المَوتُ دانيها
لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ
مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّيها
فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَّهرُ يَقبُضُها
وَالنَّفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويها
يا موت ..أين
يوسف الدّيك
لا تُسقِنا يا موت أكثر ممّا نستحق من المرارة
واختلِسنا ..فجأة في غفلة الجرح .. نياماً ...!!
لا تبتئس واستلّنا .. زيف الحياة هو الخسارة .
كلّما أحصيتنا يا موت لا تُخطئ مصائرنا
وارجئ أحبّتنا كي يرشفوا شهد الحياة
كما يريدون الحياة من الحياة ..حياتهم
لا تشفنا من حبّنا ..حتّى انتزاع غلالة النّزع الأخير
ما نفعها أيامنا ..حمراء في الدّرب الإشارة ..!!
يا موت دع على الدّرب الترابيّ الخطى ..آثارنا
بعض الغبار مُعلّقاً ...والذّكريات على الأصابع
رائحة المساء السرمديّ ...
ولذّة النّفس الأخير .
والتمس فينا انكسارات النّضارة .
نحن الذين إن ماتوا استراحوا
نحن احتراق الذّكريات، الأمنيات
من ماضٍ يحاصرنا لخواء حاضرنا
كأنّما ..نحن انتظار العاطلين عن الأمل
نحن الرّواية والرّواة
ونحن بين سطورها ..كنّا وما زلنا الضّحايا ... والجناة
ميلادنا في موتنا
وحياتنا بعد الحياة .
لا تُسقِنا يا موت أكثر ممّا نستطيع من الألم
واقرأ تفاصيل الرّسالة كلّها ..
حيث لا يجدي مع الخطأ .. النّدم
ربّما كنّا خطيئة هذه الأيام
ربّما ... فوضى لزعزعة النّظام
وربما ...خطراً على المنهاج ..
والعهر في نهج السّلام.
إنْ كانَ لا بُدَّ منْ مَوْتٍ فَمَا كَلَفِي
أبو العتاهية
إنْ كانَ لا بُدَّ منْ مَوْتٍ فَمَا كَلَفِي
وَما عَنائي بما يَدْعُو إلى الكُلَفِ
لا شيءَ لِلْمَرءِ أغْنَى منْ قَنَاعَتِهِ
وَلا امتِلاءَ لعَينِ المُلْتَهي الطّرِفِ
منْ فارقَ القَصْدَ لمْ يأْمَنْ عَلَيْهِ هوىً
يَدْعُو إِلى البغْيِ والعُدْوانِ والسَّرَفِ
ما كلُّ رأيِ الفَتَى يَدْعُو إلى رَشَدٍ
إذَا بَدَا لكَ رأْيٌ مشكِلٌ فقفِ
أُخَيّ! ما سكَنَتْ رِيحٌ وَلا عصَفَتْ،
إلاّ لِتُؤْذنَ بالنْقصانِ والتّلَفِ
ما أقربَ الْحَيْنَ مِمَّنْ لَمْ يزلْ بَطِراً
وَلم تَزَلْ نَفسُهُ توفي على شُرَفِ
كمْ منْ عزيزٍ عظيمِ الشَّأْنِ فِي جَدَثٍ
مُجَدَّلٍ، بتراب الأرْضِ مُلتَحِفِ
للهِ أهلُ قبورٍ كنتُ أعهَدُهُمْ
أهلَ القِبابِ الرّخامِيّاتِ، وَالغُرَفِ
يا مَنْ تَشَرّفَ بالدّنْيا وَزِينَتِها، حَسْبُ
الفَتَى بتقَى الرَّحْمَانِ منْ شرفِ
والخيرُ والشَّرُّ فِي التَّصْويرِ بينهُمَا
لوْ صُوّرَا لكَ، بَوْنٌ غَيرُ مُؤتَلِفِ
أخَيَّ آخِ المُصَفَّى مَا استطَعْتَ وَلاَ
تَستَعذِبَنّ مُؤاخاة َ الأخِ النّطِفِ
ما أحرَزَ المَرْءُ مِنْ أطْرافِهِ طَرَفاً،
إلاّ تَخَوّنَهُ النّقصانُ مِنْ طَرَفِ
وَاللّهُ يكفيكَ إنْ أنتَ اعتَصَمتَ بهِ،
مَنْ يصرِفِ اللّهُ عنهُ السّوءَ ينصرِفِ
الحَمدُ للّهِ، شُكراً، لا مَثيلَ لَهُ،
ما قيلَ شيءٌ بمثلِ اللّينِ وَاللُّطُفِ
بيان عسكري
تميم البرغوثي
إذا ارتاح الطّغاة إلى الهوانِ
فذكّرهم بأن الموتَ دانِ
ومن صُدَفٍ بقاءُ المرءِ حَيَّاً
على مرِّ الدَّقائقِ والثّواني
وجثةِ طِفْلَةٍ بممرِّ مَشْفَىً
لها في العمر سبعٌ أو ثمانِ
أراها وهي في الأكفان تعلو
ملاكاً في السّماء على حصان
على بَرْدِ البلاطِ بلا سريرٍ
وإلّا تحتَ أنقاضِ المباني
كأنَّكِ قُلْتِ لي يا بنتُ شيئاً
عزيزاً لا يُفَسَّر باللّسانِ
عن الدّنيا وما فيها وعني
وعن معنى المخافةِ والأمانِ
فَدَيْتُكِ آيةً نَزَلَتْ حَدِيثاًَ
بخيطِ دَمٍ عَلَى حَدَقٍ حِسَانِ
فنادِ المانعينَ الخبزَ عنها
ومن سَمَحُوا بِهِ بَعْدَ الأوانِ
وَهَنِّئْهُم بِفِرْعَوْنٍ سَمِينٍ
كَثَيرِ الجيشِ مَعمورِ المغاني
له لا للبرايا النّيلُ يجري
له البستانُ والثَّمَرُ الدَّواني
وَقُل لمفرِّقِ البَحرَيْنِ مهما
حَجَرْتَ عليهما فَسَيَرْجِعَانِ
وإن راهنتَ أنّ الثَّأر يُنسى
فإنَّكَ سوفَ تخسرُ في الرِّهانِ
نحاصَرُ من أخٍ أو من عدوٍّ
سَنَغْلِبُ، وحدَنا، وَسَيَنْدَمَانِ
سَنَغْلِبُ والذي جَعَلَ المنايا
بها أَنَفٌ مِنَ الرََّجُلِ الجبانِ
بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ، كَثَّرَتْنا
مَنَايانا على مَرِّ الزَّمَانِ
كأن الموت قابلة عجوز
تزور القوم من آنٍ لآنِ
نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا
وتختلطُ التّعازي بالتّهاني
كأنَّ الموتَ للأشرافِ أمٌّ
مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ
لذلك ليس يُذكَرُ في المراثي
كثيراً وهو يُذكَرُ في الأغاني
سَنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضّحايا
مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنانِ
رماديِّونَ كالأنقاضِ شُعْثٌ
تحدَّدُهم خُيوطٌ الأرْجُوَانِ
يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم فَتَبْدُو
سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ
يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيلٍ
إلى بابِ الكريمِ المستعانِ
يَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْفِ، فَاْقْرَأْ
هنالكَ ما تشاءُ من المعاني
صلاةُ جَمَاعَةٍ في شِبْرِ أَرضٍٍ
وطائرةٍ تُحَوِّم في المكانِ
تنادي ذلك الجَمْعَ المصلِّي
لكَ الوَيْلاتُ ما لَكَ لا تراني
فَيُمْعِنُ في تَجَاهُلِها فَتَرمِي
قَنَابِلَها فَتَغْرَقُ في الدُّخانِ
وَتُقْلِعُ عَنْ تَشَهُّدِ مَنْ يُصَلِّي
وَعَنْ شَرَفٍ جَدِيدٍ في الأَذَانِ
نقاتلهم على عَطَشٍ وجُوعٍ
وخذلان الأقاصي والأداني
نقاتلهم وَظُلْمُ بني أبينا
نُعانِيه كَأَنَّا لا نُعاني
نُقَاتِلُهم كَأَنَّ اليَوْمَ يَوْمٌ
وَحِيدٌ ما لَهُ في الدّهر ثَانِ
بِأَيْدِينا لهذا اللَّيْلِ صُبْحٌ
وشَمْسٌ لا تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ
نداء الموت
بدر شاكر السّياب
يمدّون أعناقهم من ألوف القبور يصيحون بي
أن تعال
نداء يشق العروق يهزّ المشاش يبعثر قلبي رماداً
أصيل هنا مشعل في الظّلال
تعال اشتعل فيه حتّى الزّوال
جدودي وآبائي الأولون سراب على حدّ جفني تهادى
وبي جذوة من حريق الحياة تريد المحال
وغيلان يدعو أبي سرّاً فإنّي على الدّرب ماش أريد
الصّباح
وتدعو من القبر أمّي بنيّ احتضنّي فبرد الرّدى في عروقي
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.