المحتوى

اختلاف العلماء في الأسهم المختلطة

الكاتب: يزن النابلسي -

اختلاف العلماء في الأسهم المختلطة

 

السؤال
 
قبل أيام قليلة سئل الشيخ الشبيلي _حفظه الله_ عن الأسهم المشبوهة والتي دخل فيها نسبة 5% مثل: سابك، فقال: إن الشركات التي دخل فيها الربا ولو جزء بسيط يجب التخلص منها وعدم البيع والشراء بها وإن من أفتى من الإخوة المشايخ بأن لا حرج من البيع والشراء للأسهم المشبوهة للمضاربة قد غرر بهم من قبل تقديم قوائم مالية غير الواقع، فهل يصح بيع وشراء أسهم سابك أم لا ؟ <BR>بارك الله فيكم ونفع بكم البلاد والعباد.<BR>
 
 
الجواب
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد:
فالشركات التي تتعامل بالمعاملات الربوية قرضاً أو اقتراضاً مع أن نشاطها الأساسي في أصل مباح كصناعة الحديد أو البتروكيماويات أو الزراعة أو الصناعة أو الخدمة العامة، اختلف أهل العلم في جواز بيع وشراء أسهمها على قولين، أصحهما هو القول القاضي بتحريم شراء وبيع أسهم تلك الشركات، وهذا هو قول أكثر العلماء المعاصرين وأكثر المجامع الفقهية والهيئات، وهو قول المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ومجمع الفقه الإسلامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وفتوى اللجنة الدائمة برئاسة شيخنا ابن باز وهو آخر القولين لشيخنا محمد بن عثيمين _رحمهم الله جميعاً_ واستدلوا بأن السهم يمثل حصة مشاعة من صافي مكونات الشركة، ومالك السهم شريك في هذه الشركة المساهمة، وإذا كانت الشركة تقترض أو تقرض بالربا فيكون مالك السهم شريكاً في هذه الشركة المساهمة، وإذا كانت الشركة تقترض أو تقرض بالربا، فيكون مالك السهم قد تُعُومل بجزء من أسهمه بالربا؛ لأن الشركة مبناها على الوكالة، فالمساهم إما أن يقوم بنفسه أو يقوم غيره كأعضاء مجلس الإدارة بالعمل، وعليه فالمساهم في شركةٍ ترابي بالربا فهو يعد شريكاً في هذا التعامل قلَّتْ نسبة الربا أو كثرت، وكونه يدعي عدم رضاه لا يخوله بالاستمرارية وله مندوحة عن المساهمة فيها.
وأما الاستدلال بجواز الدخول في مثل هذه الشركات إذا كانت نسبة الربا يسيرة مستدلين على ما ذهبوا إليه، ببعض القواعد الفقهية مثل "القليل لا يمكن التحرز عنه ولا يستطاع الامتناع عنه فسقط اعتباره دفعاً للحرج كقليل النجاسة، وقليل انكشاف العورة"، "وما لا يمكن التحرز منه فمعفو عنه" وقالوا وهذا يعني جواز إمكان تخريج حكم تداول أسهم هذه الشركات المختلطة على هذه القواعد، واعتبار تداول هذه الأسهم جزئية من جزئيات هذه القواعد.
والجواب على هذه القواعد أن يقال أولاً: إنما هذه القواعد إنما ذكرها أهل العلم في مسائل يشق ويصعب على المسلم أن يتحرّز عنها وإلا لأدى ذلك إلى تكليفه ما لا يطاق، مثل يسير النجاسة كرذاذ البول وما يبقى بعد الاستجمار في السبيلين، وهل مثل هذه المسائل يمكن أن يكون ذلك في شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا...؟! هذا بعيد كل البعد.
ثانياً: إن اليسير الذي تحدث عنه العلماء إنما هو اليسير بالنظر إلى ذات النجاسة نفسها أو الشيء نفسه وأما القائلون بجواز أسهم الشركات المختلطة فلم ينظروا إلى يسير الربا نفسه فيجوزوا ما لا تتبعه همة أوساط الناس أو لا يكترث الناس به، ولكنهم نظروا إلى اليسير بجانب رأس المال فيسير شركة رأس مالها (100) مليار ريال مثلاً هي (5%) أو أقل فتكون خمسة مليار، وهذه الخمسة مليار عندهم يسيرة لأنهم قاسوها بجانب رأس المال ويسير شركة رأس مالها (100) مليون هو خمسة مليون فأقل، فأنت تلاحظ أن اليسير هنا يختلف من شركة إلى أخرى، وهذا فيه ما فيه من البعد والمخالفة للقواعد التي ذكرها دليلاً لهم.
ثالثاً: إن اليسير المعفو عنه في القواعد السابقة إنما هو اليسير الذي لم يرد نص شرعي بخصوصه، أما الربا فقد ورد النص الشرعي بحرمته قلّت نسبة الربا أو كثرت، وقد روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي وغيرهما بإسناد قوي عن سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ قال: سئل النبي _صلى الله عليه وسلم_ عن بيع الرطب بالتمر، فقال: "أينقص الرُّطب إذا يبس، قالوا: نعم. قال: فلا إذن".
فالرسول _صلى الله عليه وسلم_ منع وحذر من الربا ولو كان مقدارهما عند الوزن واحداً، غير أن تحوّل الرطب إلى يابس بعد زمن ينقص وزنه مع أن ظاهرهما في الحال التساوي ومع ذلك منع النبي _صلى الله عليه وسلم_ منه فكيف يُرخص في شراء أسهم الشركات المختلطة مع التصريح في الربا قرضاً واقتراضاً قال القرطبي _رحمه الله_: "ما جرى الربا فيه بالتفاضل في كثيره، دخل قليله في ذلك قياساً ونظراً" ا.هـ تفسير القرطبي (3/352).
وقال الخطابي في معالم السنن (5/25): "ولا فرق بين القليل والكثير فيما يدخله الربا، لأن أحداً لم يجوّز الدينار بالدينارين، والدرهم بالدرهمين" ا.هـ، وقال ابن تيمية _رحمه الله_: "والربا حرام كله قليله وكثيره"، وبهذا يتبين أن هذه القواعد التي اعتمدوا عليها لا تصلح للاستدلال، والقياس والاجتهاد في مقابلة النص مردود كما يقول الأصوليون أما الشركات التي لم تقرض أو تقترض بالربا ولم يوجد في قوائهما المالية أيّ استثمار محرّم مجمع على تحريمه، فيجوز شراء أسهمها وبيعها والله أعلم، وهذه إجابة مختصرة ولعلّه يتسنى الإجابة والردود على كل الشُّبَه التي يستدل بها القائلون بالجواز.
والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد.
 
المرجع موقع المسلم
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook