استنهاض الهمم في تأسيس مكتب للقرآن الكريم

الكاتب: المدير -
استنهاض الهمم في تأسيس مكتب للقرآن الكريم
"استنهاض الهمم في تأسيس مكتب للقرآن الكريم
الشيخ طه محمد الساكت - رحمه الله -




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل الخيرات والبركات، أحمده حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على نِعَمه المتواترة، وأشكره شكرًا جزيلًا يستوجب المزيد مِن عطاياه المتكاثرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالَمين نذيرًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسولُه بشَّر المؤمنين بأن لهم مِن الله فضلًا كبيرًا.

 

اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وأتباعه وحزبه، الذين بذلوا النفس والنفيس ابتغاء مرضاة الله، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل الجنة مأواهم، ونِعْمَ أجر العاملين.

 

أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ? [فاطر: 29 - 33].

 

أيها المسلمون، لقد أنعم الله عليكم إذ هداكم للإيمان، ومنَّ عليكم بنعمة الإسلام، وأرسل إليكم سيِّد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين وإمام المرسلين، شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فأخرَجكم من الظلمات إلى النور، ومِن الضلال إلى الهدى، وهداكم إلى صراط العزيز الحميد، ? لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ? [آل عمران: 164].

 

أنعم الله عليكم بأصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين اتَّبعوه ونصَروه، فأيَّد الله بهم هذا الدينَ، ورفع بهم شأن الإسلام والمسلمين، الذين حفِظوا كتاب الله، وباعوا أنفسهم وأموالهم لله، وجَدُّوا وجاهدوا في سبيل الله، ? الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ? [التوبة: 20 - 22].

 

أنعم الله عليكم؛ إذ جعلكم خيرَ أمة أخرجت للناس، اصطفاكم واجتباكم، وأورثكم كتابه العزيز، الذي نزل به الروح الأمين، على قلب النبي الكريم، بلسان عربيٍّ مبين، ? وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ? [فاطر: 31 - 33].

 

يا أمةَ المختارِ، وصفوةِ الأطهار، ورسولِ الملك العزيز الغفار، إن هذا القرآن الكريم هو ميراث العزِّ المكين، وطريق الفوز العظيم، هو راية المسلمين، وحجَّة العاملين، وهداية الحائرين، هو الهدى والنور، والشفاء لِما في الصدور،? يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ? [يونس: 57 - 58].

 

يا أمةَ المختارِ، وصفوةِ الأطهار، ورسولِ الملك العزيز الغفار، إن هذا القرآن الكريم الذي أخرَجكم الله به من الجهالة، وأنقذكم به من الضلالة، وفضَّلكم به على سائر الأمم، لا يطلب منكم ما لا تَقدرون، ولا يُكلِّفكم ما لا تطيقون[1]، وإنما يطلب منكم أن تعملوا به، وأن تحافظوا عليه، وأن تعاونوا القائمين بالدعوة إليه؛ بتعليم أولادكم، وبذل اليسير من أموالكم، ? وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ? [سبأ: 39].

 

يا أمة المختار، وصفوة الأطهار، ورسول الملك العزيز الغفار، واللهِ لا عزَّ لكم إلا بالقرآن، ولا خير فيكم إلا بالقرآن، ولا فضل لكم إلا بالقرآن، بل لا وجود لكم إلا بالقرآن.

 

فهيا عباد الله، تعاونوا على نشره، وأنفِقوا ما استطعتم في تعلمه وتعليمه، وساعدوا أهل الخير والإحسان في إنشاء مدرسة للقرآن، يتعلم فيها أبناء الفقراء بالمجان؛ ابتغاء مرضاة الله، ونصرة لدين الله، ورعاية لكتاب الله، واعلَموا أن هذا أعظم الجهاد، وخير تجارة لا تَعرف الخسارة ولا الكساد، ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ? [الصف: 10 - 12].

 

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن يوم يُصبِح العباد فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا))؛ متفق عليه؛ رياض 142.

 

2- وعن ابن سعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّكم مالُ وارثِه أحبُّ إليه من ماله؟))، قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا مالُه أحبُّ إليه، قال: ((فإنَّ ماله ما قدَّم، ومال وارثه ما أخَّر))؛ رواه البخاري؛ رياض 142.

 

3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: ((أن تصدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمُلُ الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان))؛ متفق عليه؛ رياض 35.




[1] وإن كان حقًّا عليكم أن تبذلوا فيه الأرواح والأموال.


"
شارك المقالة:
23 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook