اشكروا الله ثم اشكروني

الكاتب: المدير -
اشكروا الله ثم اشكروني
"اشكروا الله ثم اشكروني

 

إني من كل شيء اكتفيت.

من حزن، فرح، خيبات، فشل، حب، أي شِحْنة موجودة في الدنيا قد اكتفيتُ منها، طبعًا هي أقداري المكتوبةُ عليَّ، رضيتُ بها فرضيتْ بي.

 

لكن حان الوقتُ لأقدِّم حبًّا، لو قُسِّمَ على الخلق لكفَاه، وأسبِّب حزنًا وألمًا لمن يستحقُّه، وأكونُ خيبةً لأحدٍ، وأكونُ شوكةً في بستان غيرِه.

وأكونُ عدوةً شريرةً لأقرب الصديقاتِ، في نظرها، وأكون حبيبةً لرجل لم أعرفْه ولم يعرفني.

 

اكتفيتُ، والآن أقدمُ وأعطي ليكتفيَ كلُّ مبتغٍ، هي الدنيا هكذا، والله ? كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن ? [الرحمن: 29]، غفلت الدنيا بالأمسِ عني، واليوم أيقظتني في عينيها.

 

أحيتني من جديدٍ لأعطي كلَّ ما منحتني إياه، هي الدنيا أبكتني لتضحكني اليوم.

اكتفيتُ منها ولم تمنعْني، واليوم أجبرتني أن أدفعَ الدَّينَ؛ بل أقدِّمه بيدين مبسوطتين.

نعم، ولمَ لا وهي تدورُ ولا تنساني؟ بالأمس حرمتني لتعطيني اليوم.

الدنيا جميلةٌ في رحابِ الرضا.

الدنيا حُلوةٌ ومُرَّةٌ، بالأمس أذاقتني مُرَّها، واليوم تُذيقني حُلوها.

 

اكتفيتُ من المُرِّ والحلو وتساوتِ المعادلةُ، الحزنُ تساوى مع الفرح، الشدةُ تساوت مع الرخاءِ، الحزن تساوى مع السهل، الجوع تساوى مع الشبع، الضحك تساوى مع البكاء، كلُّ زوجين مرادفين بعضهما لبعضٍ تساوت نسبتُهما.

اكتفيتُ لأعطي وأقدم اليوم زوجًا من الزوجين، لستُ أنا من أفرضُ على نفسي ما الذي ستدفعُه وتقدمُه حُلوًا كان أو مُرًّا، حسنًا أو سيئًا، طيبًا أو غيرَه.

 

لست أنا؛ فاعذروني إنها الأقدارُ المكتوبة، لم أُخلقْ عبثًا، خلقتُ لأكون شيئًا في الدنيا، إما أن أكونَ شيئًا جميلًا أو شيئًا سيئًا، فاعذروني إن جعلتني الدنيا وأقدارُها جرحًا لكم، اعذروني لأن الأمرَ ليس بيدي.

اعذروني إن لم يَكفِكم القدرُ من حبي لكم.

واشكروني إن كنتُ شيئًا جميلًا طيبًا في حياتكم، اشكروني إن كنتُ سببًا وقدَرًا جميلًا كُتب لكم.

اشكروني إن بعثتني الدنيا وأقدارُها هديةً لكم؛ فأنا أحسُدُكم عليَّ.

أنا رحمةُ الله دخلت حياتَكم؛ فاشكروا اللهَ، ثم اشكروني.

ولكن اعذروني وسامحوني إن لم أتركْ أثرًا طيبًا معكم وفي دنياكم.

اعذروني إن لم أكن شخصًا مناسبًا لشخصكم.

اعذروني فإن القدَرَ مَن رماني عندكم، لستُ أنا من أختارُ.

ولكن اشكروا اللهَ ثم اشكروني متى أحسستُم أني رحمةٌ عليكم حتى تطمئنَّ روحي، ويهدأَ قلبي في صدري.

اكتفيتُ من الدنيا وما زلتُ في العشرينيات، ولكني لن أبلغَ الأربعين حتى تتذوقوا مما اكتفيتُ منه بإذن الله.

 

عندما أقولُ: اكتفيتُ، لا بحسرةٍ أو خيبةِ أملٍ أو سوءِ ظنٍّ؛ إنما بصدرٍ مليءٍ بالإيمان، وبصوت عالٍ يسمعُه فؤادي لينبضَ بالعطاء: قد حان الوقتُ. بعد الاكتفاءِ والصبر يأتي العطاءُ والتضحية.

أنتم تستحقون من كلِّ ما اكتفيتُ منه وبه.

كلُّ زوج يرجحُ كفةَ زوجٍ.

اطمئنوا؛ بقدر ما حزنتُ ستحزنون، وبقدر ما فرحتُ ستفرحون؛ إنه الله العدلُ الحليم.

 

لا بأسَ إن حزنتُ يومين وفرحتُ يومًا، وبعدها حزنتُ آخرَ وفرحتُ يومين، ألا ترون أن اللهَ عدلٌ بين الزوجينِ؛ لكن تكلُّ الأنفسُ، وتملُّ من الحزن فتنسى الفرحَ غيرَ آبهةٍ بأن شحنةَ فرحِها على قدر شحنةِ حزنِها، ولكن تراكمتِ الأولى لتمسحَها الثانيةُ فتفرج وتتنفس الأنفس.

 

تدمع العيونُ لترتاحَ القلوبُ.

هكذا هي الدنيا؛ نراها تعذبُنا من الخارجِ؛ لنزهرَ من الداخل.

أقدارُنا نرضى بها ليرضى اللهُ عنا.

تعطينا الألمَ؛ كي لا نفقدَ الأملَ.

 

اعذروني إن أحببتموني فكرهتُكم، لستُ أنا من أكره، إنما روحي هي التي لا تليقُ بكم، ولا أرواحُكم تليقُ بروحي.

أليست (الأرواحُ جنودًا مجندةً؛ فما تعارف منها ائتلَف، وما تناكر منها اختلَف)؟

اعذروني إن أمر اللهُ قلوبَكم أن تحبني؛ فالأمرُ ليس لي.

ولكن اشكروا اللهَ، ثم اشكروني؛ لأني كنت أهلًا لحبِّكم.

اعذروني إن كرهتموني وأحببتكم، ولكن اشكروا الله، ثم اشكروني؛ لأني لو دخلت حياتكم لكنتُ شرًّا لكم.

 

أقدارُنا تكملُ بعضُها بعضًا، فاعذروني إن كنتُ حزنَكم وكنتم فرحي؛ ولكن اشكروا اللهَ، ثم اشكروني إن كنت فرحَكم؛ فأنا وأنتم نعلمُ أن الأمرَ لا هو تحت سيطرتي ولا تحت سيطرتِكم.

اعذروني إن كنتُ ضعفَكم وأنتم سندي وقوتي، ولكن اشكروا اللهَ، ثم اشكروني إن كنتُ قوتَكم وأنا الضعيفةُ بينكم.

لا تلوموني على تقصيري؛ فأنا المقصرةُ في حق ذاتي ونفسي وروحي وجسدي.

لا تلوموني إن قدمتُ لكم القليلَ؛ فإنه كثيرٌ مقارنةً بما بَقِى لي.

لا تلوموني إن احتجتُم لي ولم تجدوني؛ فأنا المحتاجةُ لكم.

 

لا تلوموني، ولكن اشكروا اللهَ، ثم اشكروني متى ضحكتُ لكم بينما الكلُّ ضحك عليكم.

اشكروا اللهَ ثم اشكروني متى مسحتُ دموعَكم بينما الكلُّ كان سببًا في نزول دموعِكم الغاليةِ.

اشكروا اللهَ، ثم اشكروني متى قدمتُ لكم رغيفي وبقيتُ أنا في خصاصة.

اشكروا اللهَ، ثم اشكروني؛ لأني في حياتكم، وأنتم في حياتي.

اشكروا اللهَ ثم اشكروني لنُكتبَ من الشاكرين الصابرين على أقدارنا.

 

دمتُم لي ودمتُ لكم.


"
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook