من حيث :
1/ التحقيقي : هو ما كان فيه وجه الشبه في الطرفين على وجه التحقيق ، مثال :
{ الجواري المنشآت في البحر كالأعلام}
المشبه : البحر المشبه به : الجبال الأداة : الكاف وجه الشبه : العظم والضخامة
نوع التشبيه باعتبار وجه الشبه من حيث الحقيقة والخيال : تحقيقي ؛ لأن وجه الشبه موجود في الطرفين على الحقيقة .
2/ الخيالي : هو ما لا يكون وجه الشبه في المشبه به موجود على الحقيقة بل على التأويل ، مثال :
يا من له شعر كحظي أسود *** جسمي نحيل من فراقك أصفر
المشبه : شعر محبوبته المشبه به : حظه الأداة : الكاف وجه الشبه : السواد
نوع التشبيه باعتبار وجه الشبه من حيث الحقيقة والخيال : خيالي ؛ لأن السواد لا يوجد في المشبه به على الحقيقة بل عن طريق التأويل والتخييل .
ينقسم التشبيه باعتبار حذف وجه الشبه أو ذكره إلى قسمين تشبيه مجمل وتشبيه مفصل.
1/ مجمل : ما حذف فيه وجه الشبه كقولنا : هذا الرجل كالأسد والعلماء كالنجوم ..
ووجه الشبه المحذوف قد يكون واضحا ظاهرا يعرفه الخاصة والعامة على حد سواء كقولنا : وجه البدر . وشعر كالليل وخد كالورد ورجل كالأسد .. وقد يكون دقيقا خفيا يحتاج في إدراكه إلى فكر وتأمل وعندئذ يجب أن يذكر في العبارة ما يومئ إلى وجه الشبه المحذوف ويدل عليه .
مثال :
فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
شبه الممدوح والملوك بالشمس والكواكب ، وجملة ( إذا طلعت لم يبد منهن كوكب ) وقعت وصفا للمشبه به فأنبأت عن وجه الشبه المحذوف ودلت عليه وهو : القوة الكبرى التي تستر ما عداها ، فالشاعر يريد أن عزة الممدوح وسلطانه وفضائله تخفي ما لسائر الملوك من قوة وعزة ومكارم كما تخفي الشمس إذا طلعت أضواء الكواكب .
2/ مفصل :
ما ذكر فيه وجه الشبه كقولنا : وجهه البدر حسنا وخده كالورد حمرة وشعره كالليل سوادا وريقه كالخمر مذاقا وبشره كالحرير نعومة .. وهذا الرجل كالأسد شجاعة ، وكما في قول الشاعر :
يا شبيه البدر حسنا وضياء ومنالا *** وشبيه الغصن لينا وقواما واعتدالا
المشبه : البدر ، الغصن المشبه به : وجه محبوبته ، خصرها الأداة : شبيه
وجه الشبه : الحسن ، والضياء ، والمنال ، اللين ، والاعتدال
نوع التشبيه باعتبار وجه الشبه من حيث الذكر وعدمه : مفصل
جـ) الإفراد والتركيب والتعدد :
1/ المفرد : الوجه المفرد يكون شيئا واحدا لا تركيب فيه ولا تعدد كالحمرة في تشبيه الخد بالورد والجرأة في تشبيه الرجل الجرئ بالأسد .
2/ المركب : الوجه المركب ما تألف من عدة أمور امتزجت واتحدت وكونت هيئة واحدة وذلك كالهيئة المكونة من سقوط أجرام بيض مستطيلة في جوانب شيء مظلم إذا شبهنا السيوف تتحرك وسط الغبار في المعركة بليل تهاوى كواكبه فهذا الوجه مركب .
3/ المتعدد : الوجه المتعدد ما كان مكونا من شيئين أو عدة أشياء كل واحد منها مستقل بنفسه صالح لأن يكون وجه شبه على حدة .
وقد يكون هذا الوجه حسي أو عقلي أو مختلف .
ينقسم التشبيه باعتبار ما يتصف به وجه الشبه من وضوح أو دقة تحوج إلى التفكير إلى قسمين : تشبيه قريب وتشبيه بعيد غريب .
1/ القريب المبتذل :
هو ما ينقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به دون حاجة إلى إعمال فكر وتدقيق نظر ، ويرجع ذلك إلى وضوح وجه الشبه وظهوره ، كتشبيه الوجه الحسن بالبدر والرجل الشجاع بالأسد , فإن الذهن لا يجد صعوبة في إدراك هذا الحسن وتلك الشجاعة في البدر والأسد . وكتشبيه الرجل الكريم بالغيث والخد الجميل بالورد , فالذهن لا يجد عناء في إدراك الكرم والجمال في الغيث والورد . ولا يعني وصف هذه التشبيهات بالقرب والابتذال أنها رديئة مستنكرة ولكن المراد أنها قريبة التناول سهلة المأخذ يستوي فيها الخاصة والعامة وكثيرا ما يحتاج إليها الأديب لتوضيح معانيه وتأكيدها .
العوامل الموجبة لابتذال التشبيه :
يعد التشبيه قريبا مبتذلا إذا اتصف وجه الشبه فيه بصفة أو أكثر من الصفات الآتية :
1ـ كونه أمرا مجملا لا تفصيل فيه كتشبيه الخد بالورد في الحمرة والمصابيح بالنجوم في الإضاءة والرجل بالأسد في الشجاعة فالحمرة والإضاءة والشجاعة أمور مجملة لا تفصيل فيها والجملة أسبق إلى النفس من التفصيل دائما .
2ـ أن يشتمل وجه الشبه على قليل من التفصيل ويكون المشبه به من الأمور التي تتكرر على الحس فيستدعي هذا التكرار سرعة حضورها في الذهن عند إرادة التشبيه وبذلك يزول أثر التفصيل القليل الموجود في وجه الشبه ويصبح التشبيه قريبا مبتذلا .
مثال ذلك : تشبيه الشمس بالمرآة المجلوة في الاستدارة والإشراق , وتشبيه الثياب ذات النقوش بأزهار الروض في اجتماع الألوان , وتشبيه العيون بالنرجس في اجتماع البياض والسواد وتشبيه السيوف بالبرق في الإشراق واللمعان فوجه الشبه في هذه التشبيهات به قليل من التفصيل لملاحظته في شيئين ولكن تكرار رؤية الأمور المشبه بها أزال أثر هذا التفصيل القليل الملاحظ في وجه الشبه وجعل إدراكه سهل التناول قريب المأخذ وظل التشبيه لذلك قريبا مبتذلا لاقتضاء تكرار المشبه به على الحس سرعة انتقال الذهن .
3ـ أن يشتمل وجه الشبه على قليل من التفصيل ويكون المشبه به قريب الحضور في الذهن عند حضور المشبه فيه لا لتكرار المشبه به على الحس ولكن لقرب المسافة بين الطرفين وتقاربهما في الجنس . فالمعاني تتداعى دائما في الذهن إذا قربت المناسبة بينها ومثال ذلك : تشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل والمقدار وتشبيه برج القاهرة بمنارة القلعة . فالمشبه به في هذه التشبيهات يتبادر إلى الذهن عند حضور المشبه فيه لقرب المناسبة بينهما ولهذا زال اثر التفصيل القليل المشتمل عليه وجه الشبه لملاحظته في شيئين : الشكل والمقدار , وبقي التشبيه قريبا مبتذلا , لاقتضاء قرب المناسبة بين الطرفين سرعة انتقال الذهن من المشبه إلى المشبه به .
2/ التشبيه البعيد الغريب :
ما لا ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر وإطالة وذلك لخفاء وجه الشبه في بادئ الأمر ودقته.
العوامل الموجهة لغرابة التشبيه:
يعد التشبيه غريباً إذا اتصف بواحد أو أكثر من الأمور الآتية:
الأول: أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن لكونه من الأمور الوهمية كما في تشبيه السنان بأنياب الأغوال والطلع برؤوس الشياطين.
أو من المركبات الخيالية كتشبيه محمر الشقيق بأعلام ياقوت نشرت على رماح من زبرجد فالأمور الوهمية والمركبات الخيالية لا تتحقق لوجودها فهي نادرة الحضور في الذهن .
وقد يكون المشبه به له وجود محقق إلا أنه لا يتكرر على الحس ولا يخطر بالبال إلا بعد تفكير طويل كتشبيه أشعه الشمس بالسيف في اليد الرعشاء.
الثاني: أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن عند ذكر المشبه لبعد الصلة بينهما، من ذلك قول ابن المعتز يصف زهر البنفسج.
ولا زورديةٌ تزهو بزرقتها |
|
بين الرياض على حمر اليواقيت |
كأنها فوق قامات ضعفن بها |
|
أوائل النار في أطراف كبريت |
فقد شبه زهر البنفسج بأوائل النار في أطراف كبريت ولا مناسبة بين الطرفين فالمشبه زهر ندى يفوح عطراً والمشبه به نار يابسة محرقة فهما جنسان متباعدان يندر أن يحضر المشبه به في الذهن عند حضور المشبه فيه وقد جمع الشاعر بينهما على الرغم من هذا التنافر فاكتسب التشبيه غرابة وبعداً.
الثالث: أن يكون وجه الشبه كثير التفصيل. من ذلك ما مر من تشبيه أشعة الشمس بالسيف في اليد الرعشاء حيث روعي في وجه الشبه الشكل واللون والحركة المضطربة المستمرة التي ينشأ عنها تموج الضوء.
ومعنى التفصيل في وجه الشبه:
إطالة النظر والتأمل في صفات كل من الطرفين لمعرفة ما تقع به المشاركة بينهما وما تقع به المخالفة. ثم تأمل الصفات المشتركة بين الطرفين. هل هي موجودة في كل الطرفين بدرجة واحدة أم بينهما تفاوت؟ وهل هذا التفاوت يفسد الغرض من التشبيه؟. إن كان يفسده فعلى الأديب أن يجمع ويفرق ويثبت ويحذف في صفات كل طرف حتى يستقيم التشبيه ويحقق الغرض الذي يرمي إليه فالمراد بالتفصيل إذاً ألا ننظر في صفات الطرفين نظرة إجمالية بل نظرة تفصيلية دقيقة ... مثال :
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى |
|
كعنقود ملاحية حين نورَا |
شبه الثريا بالعنقود في الهيئة المكونة من الشكل والمقدار واللون والمسافة المتقاربة بين الأجزاء ولكي يتم هذا الوجه في جانب المشبه به جعله عنقود ملاحية وقيده بهذا القيد "حين نورا" وبهذا التفصيل تم تحقق الوجه بين الطرفين.
هـ) التمثيل :
تختلف آراء البلاغيين في التفرقة بين التشبيه التمثيلي والغير تمثيلي وتحديد معنى كل منهما :
أولاً/ رأي الإمام عبد القاهر الجرجاني: فرق عبد القاهر بين التشبيه التمثيلي والتشبيه غير التمثيلي فرأى أن :
( إذن : التشبيه غير التمثيلي : ما كان وجه الشبه فيه حسياً أي مدركاً بإحدى الحواس الخمس الظاهرة وهي السمع والبصر والشم والذوق واللمس.. سواء كان هذا الوجه الحسي مفرداً أم مركباً..)
ومثاله قولنا: هذه حجة كالشمس في الظهور. فقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها. ولكن هذا التشبيه لا يتم إلا بتأول وذلك أن نقول حقيقة ظهور الشمس أو غيرها من الأجسام ألا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها والشبهة نظير الحجاب فيما يدرك بالعقول لأنها تمنع القلب رؤية ما هي شبهة فيه. ولذا توصف الشبهة بأنها اعترضت دون الذي يروم القلب إدراكه ويصرف فكره للوصول إليه من صحة حكم أو فساده، فإذا ارتفعت الشبهة قيل: هذا ظاهر كالشمس. فقد احتجنا في تحصيل الشبه بين الحجة وبين الشمس وهو إزالة الحجاب في كل، إلا مثل هذا التأويل والصرف عن الظاهر.
ثم إن ما طريقه التأويل يتفاوت تفاوتاً شديداً فمنه ما يقرب مأخذه يسهل الوصول إليه ،ومنه ما يحتاج إلى قدر من التأويل ومنه ما يدق ويغمض حتى يحتاج في استخراجه إلى فضل روية ولطف فكرة فمن الأول ما مر في تشبيه الحجة بالشمس.
ومن الثاني قولنا: كلام ألفاظه كالماء في السلاسة وكالنسيم في الرقة وكالعسل في الحلاوة، فالمراد أن اللفظ لا يستغلق ولا يشتبه معناه، ولا يصعب الوقوف عليه فليس بغريب وحشي وليس في حروقه تكرير وتنافر بكد اللسان فصار كذلك كالماء الذي يسوغ في الحلق والنسيم الذي يسري في البدن ويتخلل المسالك اللطيفة منه ويهدي إلى القلب روحاً ونشاطاً وكالعسل الذي يلذ طعمه وتهش النفس له ويميل الطبع إليه. فوجه الشبه إذاً هو الاستحسان وميل النفس الذي هو لازم من لوازم الحلاوة وقد احتجنا في إدراكه إلى مثل هذا التأول.
وهو أدخل قليلاً في حقيقة التأويل وأقوى حالاً في الحاجة إليه من تشبيه الحجة بالشمس
ومن الثالث قولهم: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها فوجه الشبه في هذا التشبيه يحتاج إلى فضل روية ولطف فكرة، وإلى كثير من التأويل والصرف عن الظاهر حتى يمكن استخراجه والوقوف عليه وذلك لغموضه ودقته.
( إذن : التمثيل أو التشبيه التمثيلي عند عبد القاهر ما كان وجه الشبه فيه ليس حسياً ولا من الأخلاق والغرائز والطباع العقلية الحقيقية، بل يكون عقلياً غير حقيقي أي: غير متقرر في ذات الطرفين لا يكون بيناً ظاهراً بنفسه بل يحتاج في تحصيله إلى تأول لأن المشبه لم يشارك المشبه به في صفته الحقيقية.. سواء أكان هذا الوجه العقلي مفرداً أم مركباً.)
ثانياً/ رأي السكاكي:
فمثال ما كان الوجه فيه مفرداً وحسياً: تشبيه الخد بالورد في الحمرة والشعر بالليل في السواد والريق بالخمر في طيب المذاق.. إلخ.
ومثال المفرد العقلي: تشبيه الرجل بالأسد في الشجاعة وبالبحر في الكرم وبالذئب في المكر والدهاء.. وتشبيه الحجة بالشمس في إزالة الحجاب والكلام بالعسل في ميل النفس.
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } [سورة البقرة:17]، فوجه الشبه في الآية الكريمة أن كلاً من المنافقين ومستوقد النار تعاطى الأسباب المقربة لتحقيق آمالهم وحين ظهرت دلائل النجاح انقلب الأمر على عكس ما أملوا. وهو هيئة عقلية انتزعت من أمور متعددة.
ثالثاً/ رأي الخطيب وجمهور البلاغيين: