الأحداث السياسية المهمة في عهد الدولة العباسية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الأحداث السياسية المهمة في عهد الدولة العباسية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الأحداث السياسية المهمة في عهد الدولة العباسية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 

ثورات العلويين ضد الخلافة العباسية

 
كان العلويون - نسبة إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه - هم القائمون بأمر المقاومة ضد الأمويين لأنهم يعدون أنفسهم أحق بالخلافة منهم، وقد تعددت ثوراتهم ضد الدولة الأموية، وقدموا تضحيات جسيمة في سبيل طلب ذلك الحق، في حين كان العباسيون - نسبة إلى العباس بن عبد المطلب - هادئين ولم يقوموا بأي عمل ضد الأمويين بل لم يكن لهم طموح نحو الخلافة حتى نهاية القرن الأول الهجري عندما سنحت لهم الفرصة للقيام بدور مهم لإسقاط حكم الأمويين فيما يعرف في التاريخ بالوصية  .  لقد نظم زعماؤهم الدعوة السرية ضد الأمويين وتوجهوا نحو خراسان لبعدها وكثرة المتشيعين لآل البيت بها، ولم يجعلوا للحجاز دورًا في الدعوة لكونه تحت مراقبة شديدة من الأمويين، ولأنه كان الموطن الأساس للعلويين وهم لا يريدون للعلويين دورًا في هذه الدعوة على الرغم من أن الدعوة كانت في بداية أمرها للرضا من آل محمد لكسب مساندة الشيعة (شيعة العلويين) فلما نجحت الدعوة، وحققت هدفها في إسقاط الدولة الأموية استأثر العباسيون بأمر الخلافة ولم يُشركوا العلويين فيها  .  ولهذا غضب العلويون من تصرف العباسيين، ورَأَوْهُمْ مغتصبين لحقهم في الخلافة مثلهم في ذلك مثل الأمويين، لذلك بدأت المعارضة واتخذت أشكالاً متعددة، ومن تلك الثورات:
 
أ) ثورة محمد بن عبد الله (ذو النفس الزكية)   145هـ / 762م:
 
كان قائد الثورة محمد بن عبد الله من أبرز العلويين في آخر عهد الدولة الأموية وكان يطمح إلى الخلافة، وقد أيده في ذلك العلويون والعباسيون معًا حتى إنهم بايعوه بالخلافة في حال سقوط الدولة الأموية وذلك بمؤتمر الأبواء الذي عقده وجوه العلويين والعباسيين وبحثوا فيه مستقبلهم في حال سقوط الدولة الأموية، وتذكر المصادر أن من بين من بايعه بالخلافة في ذلك المؤتمر كلاً من أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور من وجوه العباسيين  
 
وعندما قامت الدولة العباسية امتنع محمد بن عبد الله وأخوه إبراهيم عن تقديم البيعة لأول خلفاء العباسيين أبي العباس السفاح، وظلا مختفيين عن أعين والي المدينة المنورة طيلة عهد السفاح ومع ذلك لم يتخذ السفاح أي إجراء ضدهما أو ضد العلويين في المدينة المنورة، واكتفى بأخذ العهود والمواثيق من والدهما عبد الله بن الحسن (المحض) بعدم خروجهما عليه أو عمل شيء يكرهه.
 
وعندما توفي السفاح سنة 136هـ / 753م وآلت الخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور أخذ الأمر بما عرف عنه من حزم وقوة فأمر واليه على المدينة المنورة زياد بن عبد الله الحارثي بتشديد المراقبة على العلويين وبخاصة محمد وإبراهيم اللذان أصبحت سيرتهما حديث المجالس، وعندما لاحظ تساهلاً من واليه مع والدهما، عزله وعين بدلاً منه محمد بن خالد القسري، ومهمته الأساسية الكشف عن محمد وإبراهيم واستخراجهما من مخبئهما بشتى الوسائل، فاتخذ عدة إجراءات منها القبض على أقارب محمد والزج بهم في السجن، والمراقبة الشديدة لمن يتصل بهم، وفرض منع التجول، لكن جميع هذه الإجراءات لم تفلح في الكشف عن المطلوبين والقبض عليهما، فغضب المنصور عليه وعزله وعين أميرًا آخر هو رباح بن عثمان المري الذي شدد على والد محمد وأقاربه في السجن، وقبض على عدد آخر من أقارب محمد وزج بهم في السجن، وأساء معاملتهم، وشتم أهل المدينة المنورة على المنبر واتهمهم بالغش والخيانة، وكانت هذه الأعمال ضد العلويين وضد أهل المدينة المنورة تحز في نفس محمد وتدفعه إلى الخروج وإعلان ثورته، وأخيرًا لم يستطع محمد السكوت بعد أن أمر المنصور بحمل جميع المسجونين من العلويين إلى العراق وعلى رأسهم والد محمد حيث عُذبوا ومات عدد منهم في السجن ومنهم عبد الله والد محمد  
 
لذلك لم يجد محمد بدًا من إعلان الثورة والخروج في الأول من شهر رجب سنة 145هـ / 762م وسيطر على المدينة المنورة بسهولة وأخذ البيعة من أهلها له بالخلافة، وبعث ولاته إلى الأمصار ومنها مكة المكرمة التي أصبحت في حوزته، وبذلك تطورت ثورة محمد لتشمل الحجاز جميعه، كما بعث أخاه إبراهيم إلى البصرة 
 
فرح المنصور بخروج محمد بن عبد الله الذي أعياه اختباؤه طيلة تلك المدة، وفي خروجه حسم المسألة بالقوة التي هي في صالح المنصور، ولكنه قبل المواجهة لجأ إلى أسلوب المفاوضة فدارت بينه وبين محمد النفس الزكية عدة مراسلات ولم ينتج عنها ما يذكر بل إن المنصور قد استغل الفترة في إعداد القوة اللازمة لإخماد ثورة محمد النفس الزكية، وبالفعل فقد أعد جيشًا قويًا بقيادة ابن أخيه وولي عهده عيسى بن موسى، اختاره المنصور عن قصد وهو أن يزج به في هذه الحرب لتحقيق هدفه في القضاء على ثورة المدينة المنورة، أو قتله والتخلص منه ليخلو الطريق أمام ابنه لولاية العهد  .  وقد أشار أصحاب محمد النفس الزكية عليه التحصن في المدينة المنورة وإعادة حفر الخندق كما فعل ثوار المدينة المنورة في زمن يزيد بن معاوية  .  ووصلت قوات المنصور إلى المدينة المنورة ودارت مفاوضات بين الجانبين لم تنته إلى نتيجة، فبدأ الهجوم ونجح المهاجمون في عبور الخندق في عدة نقاط، كما نجح بعضهم في التسلل من ثغرات أخرى ودارت رحى المعركة حامية بين الفريقين، فتفرق عن محمد النفس الزكية معظم أنصاره ووجد نفسه وحيدًا في ميدان المعركة إلا من عدد قليل من المخلصين له، فلم يجد بدًا من الاستبسال والقتال إلى أن قتل قبل مغيب الشمس من يوم الرابع عشر من رمضان سنة 145هـ / 762م  .  أما أخوه إبراهيم فقد ثار بالبصرة بعدد قليل من الأتباع، وما لبث أن قُتل وانتهت ثورته، وهكذا تم القضاء على أول ثورة للعلويين ضد العباسيين في المدينة المنورة ولكن لم تكن لها آثار سيئة كبيرة على المدينة المنورة كما حدث في موقعة الحرة.
 
ب) ثورة الحسين بن علي 169هـ / 785م:
 
هو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فهو ابن عم محمد بن عبد الله (النفس الزكية) الذي سبق أن ثار في المدينة المنورة سنة 145هـ / 762م.
 
هدأت ثورات العلويين في عهد المهدي الذي خلف والده أبا جعفر المنصور، وقد غيّر المهدي سياسة الشدة التي اتبعها والده مع العلويين واتبع سياسة فيها كثير من اللين والرحمة بهم، وأخرج من كان منهم في سجون والده وأمر لهم بالجوائز والصلات، كما تعامل بلطف مع العلويين في المدينة المنورة وأعاد لهم قطائعهم، وفك الحصار الاقتصادي الذي فرضه والده على أهل المدينة المنورة بسبب ثورة محمد بن عبد الله  .  لكن هذه السياسة لم تُجدِ نفعًا في تغيير نظرة العلويين إلى العباسيين وعدهم مغتصبين للخلافة، فاستغل الطامحون من العلويين سياسة التسامح التي انتهجها المهدي مع العلويين وعادوا من جديد إلى مناقشة مسألة الخلافة والحديث فيها منذ آخر عهد المهدي، إذ قدم بعض الشيعة من العراق إلى المدينة المنورة وشجعوا الحسين بن علي على الخروج والمطالبة بالخلافة  .  فلما توفي المهدي سنة 169هـ / 785م وخلفه ابنه الهادي عزم على وضع حد لتطلع العلويين إلى الخلافة، فغير سياسة اللين والرحمة التي اتبعها والده مع العلويين بسياسة أخرى تقوم على الشدة والبطش والتنكيل بهم لإشعارهم بقوة الدولة. وقد نفذ هذه السياسة واليه على المدينة المنورة عمر بن عبد العزيز العمري الذي جمع العلويين وهددهم وحذرهم من الخلاف، وجعل بعضهم يضمن بعضًا  .  واشتط في معاقبة من يخطئ منهم كما فعل مع الحسن بن محمد بن عبد الله (النفس الزكية) ورفاقه ما جعل كبار العلويين يتدخلون لدى الأمير ومنهم الحسين بن علي وعمه يحيى بن عبد الله، ولكنه اشترط لذلك أن يضمنا حضوره إلى دار الإمارة يوميًا، فلما تغيب عن الحضور مدة ثلاثة أيام طلبهما وأغلظ لهما في القول ما أدى إلى ثورة الحسين بن علي وعمه ضد العباسيين، وقامت ثورة الحسين بن علي في المدينة المنورة في 14 من ذي القعدة سنة 169هـ / 786م، واستولى على دار الإمارة فهرب الوالي، وسيطر الحسين وأتباعه على المدينة المنورة مدة أحد عشر يومًا، ولما لم يجد من أهلها مناصرًا ومؤيدًا له، قرر الخروج إلى مكة المكرمة في موسم الحج لعله يحصل على المزيد من المؤيدين والأنصار في الموسم وفي مكة المكرمة، لكن قوات الهادي تصدت له ودارت بين الجانبين معركة غير متكافئة في وادي فخ يوم التروية سنة 169هـ / 786م قتل فيها الحسين وأكثر من مئة من أصحابه، وكانت هذه الوقعة من الشدة بحيث قيل لم تكن واقعة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ  
 
وبعد ثورة الحسين بن علي لم تقم في المدينة المنورة ثورة للعلويين طيلة العهد العبــاســي الأول 132 - 232هـ / 750 -847م وإن كانت قد امتدت إليها بعض ثورات العلويين في مناطق أخرى ومنها ثورة ابن طباطبا في جنوب العراق سنة 199هـ / 815م في عــهد المــأمـون، فــقد قام القائد العسكري للثورة أبوالسرايا السري بن منصور الشيباني بإرسال أمير على المدينة المنورة من الطالبيين يدعى محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن أبي طالب فاستولى عليها بعد أن هرب أميرها، ومكث بها إلى أن قدمت قوة عباسية من قبل المأمون واستعادت السيطرة على المدينة المنورة. وهناك ثورة محمد بن جعفر (الديباجة) الذي بويع بالخلافة في مكة المكرمة سنة 200هـ / 816م ثم هُزم من جيوش المأمون إلى بلاد جهينة، ومن هناك حاول مرتين الاستيلاء على المدينة المنورة ولكن تصدى له أهلها وردوه على عقبيه  
 
كما تعرضت المدينة المنورة لحملة من قبل إسماعيل بن يوسف العلوي سنة 251هـ / 865م الذي خرج في مكة المكرمة متزعمًا جماعة من الأعراب، وارتكب فيها أعمالاً شنيعة من القتل والسلب والنهب ثم توجه إلى المدينة المنورة فتوارى عاملها الأمير علي بن الحسين، ولكن أهل المدينة المنورة عزموا على التصدي له والدفاع عن مدينتهم فأعادوا حفر الخندق، ونفروا جميعًا لمقاومته فحاصر المدينة المنورة حصارًا شديدًا حتى مات أهلها جوعًا  ،  وتعطلت الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة الحصار الطويلة بسبب انشغال الناس، ثم انفرجت أزمة أهل المدينة المنورة عندما فك الحصار عنها ورحل إلى مكة المكرمة بعد أن أجهدها بالحصار والتجويع  . 
 

ثورة قبائل بني سليم وبني هلال

 
وهما من القبائل العربية المتمركزة حول المدينة المنورة في حرة بني سليم وفي الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، بدأ تمرد هذه القبائل يظهر بوضوح عندما أحست بضعف قوة الخلافة العباسية، فضلاً عن إهمال الخلافة لشؤون البادية واستغنائها عن خدماتهم في الجيش وإحلال العناصر التركية مكانهم، يضاف إلى ذلك ما حل ببواديهم من الجدب والقحط، لذلك بدأت تحركاتهم بقطع الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومهاجمة الأسواق وفرض سلطتهم عليها، ولم يستطع أمراء المدينة المنورة التصدي لهم بسبب عدم وجود قوة تحت أيديهم، ومع ذلك فقد حاول أمير المدينة المنورة بالتعاون مع أهلها مهاجمة تجمعات البادية في الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكن حملته لم توفق وانهزمت بعد أن خسرت عددًا من رجالها، وهذا ما شجع البدو على مهاجمة المدينة المنورة والعبث فيها ونهب ما وصلته أيديهم، فلما بلغ ذلك الخليفة العباسي الواثق أعد حملة بقيادة أحد قادته الكبار ويدعى بغا الكبير (أبو موسى) ســنة 230هـ / 845م فــقدم بالقوة الكافية المجهزة وهاجم مراكز تجمعات بني سليم وبني هلال وأنـزل بهم الهزيمة، وقتل عددًا منهم، وقبض على مجموعات ممن عرفوا بأنهم رؤوس الفتنة والمفسدين والمشاغبين، وأودعهم سجن المدينة المنورة، وبعد ذلك قام بحملة واسعة في المناطق الواقعة حول المدينة المنورة لتنظيفها من المفسدين وقطاع الطرق، وقبض على جماعة منهم وأودعهم سجن المدينة المنورة، واستغرق ذلـك بقــية عام 230هـ / 845م  ،  ثــم واصل حملاته على بعض قبائل نجد التي تمردت على سلطة الدولة العباسية طيلة عام 231هـ / 846م  .  وبعـد ذلك عاد إلى بغداد بالأسرى والرهائن الذين أودعهم السجن، وقد أثمرت جهود بغا الكبير في كسر شوكة القبائل البدوية وإراحة الناس من شرهم وعودة الهدوء والأمن إلى المدينة المنورة والمناطق المجاورة لها وطـريق الحـجاج والقـوافل التـجـارية مدة طـويلة.
 

 

شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook