الألم

الكاتب: المدير -
الألم
"الألم

 

حملٌ ثَقيل لا يكاد يفارقنا، حديثنا هنا عن الألم النفسي ألمِ الانتظار، والرحيل، والفقد، والهم، والانتقام، والمخاوف، آلامٌ نكبر وتكبر معنا، مؤلمة تبكينا، تجربتها حسية عاطفية مريرة، وشعورها بغيض، مرتبطة في ذكرياتنا ومشاعرنا حتى بعد انتهائها، صامتة تنهش فينا، تعتصر القلب، وتثقل أنفاسنا.

 

الألم قرين الإحساس، والإحساس آية الحياة، ولا يمكن أن تتصور حياة خالية من الإحساس، فمن أراد أن يعيش بلا ألم فقد طلب المحال، وقد خلق الإنسان في كبد ونصب؛ كما قال سبحانه مقسمًا: ? لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ? [البلد: 1 - 4].

 

ولكن كما يقال: تعرف الأمور بأضدادها، فاستشعار الألم وتجربته أحيانًا قد تكون جيدة، ما الجيد في ذلك؟ جيدة؛ لأن فهم الألم نفسه هو أداة للنجاة، فهو يوجه السلوك للاستجابة لتأثيرات البيئة، مثال ذلك عندما نعرِف درجة حرارة النار ومدى خطورتها، ويحصل عن طريق لمسها وشعورنا بالألم، فهذا الألم الذي وجدناه هو ما يُبعدنا عن النار، وعن الأفاعي، والمشي وسط الشارع.

 

فالإنسان ومنذ القدم يهتم بما يهدِّد وجوده وكِيانه من مخاطر ومخاوف ومسببات القلق، وذلك يطوِّر المناطق العصبية في الدماغ، فيحصل الاشتغال الذهني عند الفرد على مستوى إدراكه لموضوعات العالم من حوله ومعالجته للمعلومات، وتخزينه للأحداث في الذاكرة، فيتكون لديه الانتباه والإدراك لمسببات الألم، أو ما يسمى بخبرة الألم.

 

فيتوفر لديه ما يُعرف بالمخطوطات المعرفية، هذه المخطوطات هي ما تعينه على معرفة مكامن الخطر والألم من حوله، ومِن ثَمَّ معرفة طريقة تجنبها، إذًا هو حصل على وسيلة النجاة من هذا الألم، ولكن حتمًا هي ليست وسيلة أكيدة تزيح أو تمحي الألم بالكلية، وعلى الرغم من وجود الكثير من الطرق والإستراتيجيات، فإنها تعين على التخفيف من هذا الألم فقط دون إزاحته، وذلك لأن الألم غريزة فطرية، والغرائز هي البنية الأساسية للإنسان ومقاومتها وتغييرها أمر يتطلب جهدًا وتغييرات طويلة المدى.

 

وفي المقابل فإن الحصول على السعادة أيضًا يتطلب جهدًا كبيرًا؛ لأنه من الصعب أن تقاوم كل هذه الغرائز والتركيبات النفسية والاجتماعية، وتنظر للحياة إدراكيًّا بمنظور التفاؤل والسعادة بهذه البساطة، وبالرغم من ذلك، فإن السعادة لا تأتي أبدًا للبعض منَّا رغم اجتهاده، فيمكن أن يكون قد جرَّب كل شيء ظن أنه سيُسعده، وقد لا يوجد شيء ينقصه في حياته، لكن جُل ما نَملكه هو الرضى وكما جاء في الحديث: مَن رَضِيَ فله الرِّضا.

 

وأخيرًا الفكرة التي تخطر في بالك دونها، والشغف الذي يسيطر على اهتمامك، اركض خلفه، والهدف الذي تتمنى تحقيقه اجتهد لتصل إليه، والأحلام الساكنة في مُخيلتك ثابر لتحويلها إلى أرض الواقع، لا تجعل شعور الألم يعيق تقدُّمك واستمتاعك بحياتك ونجاحاتك كبيرها وصغيرها.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook