تعبر الأمثال الشعبية عن الحكمة المتوارثة لدى المجتمعات البشرية، وتحمل مضامين ثقافية يمكن من خلالها التعرف على كثير من أنماط الحياة الاجتماعية لدى أي مجتمع في حقبة زمنية معينة، إذ إنها في الغالب تشير إلى نمط الحياة السائد، وتحمل رموزًا ثقافية من الإطار العام نفسه الذي يسيّر حياة الشعوب المختلفة وتفكيرها، كما أنها تعطي دلالات معينة على نوع البيئة الجغرافية التي عاش فيها هؤلاء القوم أو أولئك، فعلى سبيل المثال: لا تحمل الأمثال الشعبية التي قيلت في وسط الصحراء كلمات أو معاني تشير إلى السمك أو السفينة أو اللؤلؤ، بينما تزخر الأمثال الشعبية لدى سكان السواحل بمثل هذه العبارات والألفاظ.

 

وبالنظر إلى منطقة المدينة المنورة واشتمالها على بيئات حضرية وقروية وبدوية، ولوجود بعض بلدانها في الصحراء وبعضها على ساحل البحر الأحمر، بالنظر إلى هذا التنوع فإن من يلقي نظرة على الأمثال الشعبية التي يتناقلها الناس في تلك المنطقة سيجد أنها تحمل هذا التنوع، وتزخر بمعانٍ إنسانية وأدبية وأخلاقية عظيمة مستمدة من روح التصور الإسلامي أولاً، ومن تلاقح خبرات وتجارب المسلمين الوافدين من بيئات مختلفة أيضًا، وهم في الغالب يكثرون في حاضرة المدينة المنورة حيث المسجد النبوي الشريف، ويقيمون هناك لفترات متفاوتة، بل إن بعضهم فضل البقاء بها طلبًا للعلم الشرعي وتبركًا بمهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الخبرات الإنسانية والرموز الثقافية لا تحدها حدود سياسية أو إدارية فإن تناقل الأمثال بين المدن والقرى والبادية أمر طبيعي، بل حتى بين أبناء الشعوب المختلفة الذين تتاح لهم فرصة الالتقاء بغيرهم؛ فلذا لا نستطيع أن نقول إن هذا المثل تابع لتلك المنطقة أو تلك القرية دون سواها، بل إن الناس قد يتلفظون بأمثال وحكم عرفوها من مناطق بعيدة جدًا ثم يكثر تردادها بينهم فيظن السامع أنها من نتاج حكمتهم وتجربتهم الخاصة. وفي هذا الفصل عرض لأكثر الأمثال الشعبية شيوعًا واستخدامًا بين الناس مع توضيح بعض المناسبات التي يقال فيها المثل.