الأمل

الكاتب: المدير -
الأمل
"الأمل

 

الأمل هو جَذْوةُ الحياة التي تشتعل في صدور الناس فتلهمهم الحياة، هو الشمس التي تضيء جنبات النفس، والنافذة التي تشع النور فتُلْهِمُ العيون إبصارها، الأمل حبل السماء الذي تنتشي الروح بقوته ويتغذى البدن من رحيقه.

 

الأمل نور ونار، فراتٌ وأُجاجٌ، نور يعيننا على مشاق الحياة ويضيء عَتَمَةَ دروبها، ونار إن حجبه سوادُ الواقع أو ضيق ذات اليد.

 

الأمل فراتٌ يسقي وريقات العمر اليانعة؛ فتثمر حياة شهيةَ المنظر حلوةَ المذاق، يرومها الساعون المجدون للخلود بين الخاملين، أو ربما صار أجاجًا لاذعًا يصيب صاحبه بالغثيان إذا قُيد حاملُ الأمل بقيود الواقع، وتباين الأفكار والتوجهات، ورغم حززاته في قلب المغلوب، إلا أنه يظل يراوده عن النجاح حتى يعينه على ما يريد بإذن الله.

 

الأمل يُسكِّن آلامك ويغذي أحلامك، يهوِّن الصعب ويقرِّب البعيد، الأمل طاقة خفية تنبعث في النفس فتعين كل حيٍّ على إتمام رسالته في الحياة، لولا الأمل ما عمَّر الإنسان الدنيا، وما سعى حيٌّ خطوة على ظهر هذه البسيطة، لولا الأمل ما قُطعت المسافات ولا لمعت العقول بالاختراعات والابتكارات، فكل عمل أنجزته البشرية كان وراءه أملٌ يضيء طريق صاحبه، لولا الأمل في الرزق ما غدت الطيور خِماصًا لتعود بإذن الله بِطانًا، لولا الأمل في الشفاء ما تجرع المريض الكيماويات التي توشك على التهام كل أجهزته، إنه الأمل وقود كل إنجاز.

 

الأمل، أوجده الله في دنيانا رحمةً بالناس، فلولا الأمل في الشفاء لقتل الوهم المريض، ولولا الأمل في الحرية لانتحر السجين، ولولا الأمل في الجنة ما صبر عبدٌ من عباد الله على بلاء وقع به.

 

الأمل تلك الطاقة التي تحوِّل الإنسان إلى إعصار يقطع المسافات، ويعدو فوق قمم الجبال دون تهيُّبٍ أو ضعف أو مهانة، ولا يتوَّج بالأمل إلا ذوو الصدق والهمة العالية واليقين في الله عز وجل، ولا ينبذه ويقلل من أثره إلا اليائسون المحبطون الذين فرغوا أنفسهم من أسباب الحياة، وجعلوها حلبة لليأس والإحباط يصولان ويجولان فيها.

 

الأمل كان الوقود الذي نقل سيدنا سلمان الفارسي من إيران للشام حتى يتعلم النصرانية، ثم دفعه للموصل ليبحث عمن يحمل هذه العقيدة، الأمل هو الذي جعله يبيع غنماته وبقراته ويترك الموصل بعد موت النصراني الموحد ليتجه للمدينة؛ انتظارًا لبعثة صاحب الرسالة السماوية الذي دلَّه عليها صاحب الموصل قبل موته، الأمل في ظهور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة الدين الحق هو الذي جعله يتحمل الرق وقسوته وهو من هو؛ سيد ابن سيد، فلو بقي في بلاد الفرس لكان أعلى مكانة فيها من كسرى ذاته.

 

ولولا الأمل ما صمدت الأمة أمام الأعاصير التي واجهتها على مرِّ تاريخها.

 

الأمل هو سلاح الأمة البتَّار في هذا الزمان، فلو تركنا الواقع يخنقه في نفوسنا، فاعلموا أننا بهذا نسير إلى مزيد من الوهن، وعندها لا تسل: لماذا تفشَّت أمراض الغرب في عقولنا، وسيطرت على سلوكنا؟ عِشْ بالأمل في غدٍ أفضل، ولا يهمُّ إن كان ذلك الغد هنا على الأرض أو في جنة الخلد برحمة الله، المهم ألَّا تعيش منكسرًا مهزوزًا، ثِقْ في ربك، تمسك بحبال دينه، أنقذْ فطرتك وعقيدتك مهما كانت التحديات، لا تستحلَّ الحرام خوفًا من اتهام الناس لك بالتخلف، لا ترتدِ ما يخرِمُ مروءتك تحت سطوة الموضة، لا تغيروا خلق الله وتخضعوا لعمليات التجميل تحت ذريعة أن المجتمع يجبرنا، لا تهدر عمرك ومالك فيما لا ينفع؛ فأنت عنهما محاسب ومسؤول، ففي كل سلوك سَلْ نفسك: ما حجتي أمام الله عندما أُسأل: فيمَ أفنيتَ عمرك ومالك؟ وأكد ذلك قول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُرِه فيما أفناه، وعن جسدِهِ فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمِلَ فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه))، وليدفعْكَ لمواجهة هذه التحديات كلها الأملُ بموعود الله لعباده.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook