الأنظمة القضائية في المملكة العربية السعودية.
تُعد السلطة القضائية من أقدم السلطات في الدولة الحديثة، ويذهب كثير من الفقهاء إلى قِدَم هذه السلطة؛ إذ سبقت تكوين الدولة الوطنية الحديثة. وقد احتاج المجتمع العربي المسلم منذ زمن طويل إلى وجود قواعد شرعية وعرفية تنظِّم حياة الناس، وتضمن أمنهم وسلامتهم، سواء في الفيافي والقفار أو بين سكان المدن؛ فكلما وُجدت حياة اجتماعية وُجدت حاجة ماسة إلى ترسيخ العدل في أركان ذلك المجتمع، وهكذا عرفت القبائل العربية في وقت مبكر من تاريخها نظام العرف والتقاليد القبلية. وحينما جاء الإسلام وطَّد أركان العدل بالارتكاز على قواعد الشريعة السمحة كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وقد صدر أول نظام للهيئة القضائية والمحاكم في المملكة عام 1372هـ / 1953م في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وتوالت التعديلات والتحسينات على هذا النظام حتى صدر نظام القضاء عام 1395هـ / 1975م، إذ تم إحداث تعديلات مهمة وجوهرية على النظم الأولى، من بينها أنه نصَّ على استقلال السلطة القضائية في المملكة استقلالاً كاملاً، وارتباطها إداريًا وماليًا بوزارة العدل التي استُحدثت في ذلك الحين. كما نَصَّ النظام على وجود أربعة مستويات للمحاكم الشرعية؛ تتمثل في:
مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز، والمحاكم العامة، والمحاكم الجزئية .
وأعيد في عام 1428هـ / 2007م تنظيم مرفق العدالة بقسيمة القضاء العام وديوان المظالم، واتسم هذا التنظيم بطابع التخصص الذي اقتضته ضرورة الرقي بأداء المرفق العدلي؛ فتنوعت المحاكم وفق معيار دقيق رسم معالم مبدأ التخصص في محاكم الدرجة الأولى، فتكونت المنظومة القضائية للقضاء العام حسب نص المادة (9) من نظام القضاء من المحاكم التالية: المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف، ومحاكم الدرجة الأولى وهي: المحاكم العامة، والمحاكم الجزئية، ومحاكم الأحوال الشخصية، والمحاكم التجارية، والمحاكم العمالية، والمحاكم المتخصصة. ونصت المادة المشار إليها على أن "تختص كل منها بالمسائل التي ترفع إليها طبقًا لهذا النظام ونظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية، ويجوز للمجلس الأعلى إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك" .
وقد تكامل النظام القضائي سواء في شقه الإداري (ديوان المظالم)، أو في شقه الجنائي الممثل في المحاكم الشرعية بإنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام؛ إلا أنه لم يتم تنظيم سلطة الادعاء العام أمام هذه المحاكم إلا من خلال النظام الصادر في 24 / 10 / 1409هـ الموافق 1989م.
وقد صدر في 19 / 9 / 1428هـ الموافق 2007م مرسوم ملكي بهذا الشأن.
وفيما يأتي عرض للأنظمة القضائية:
نظام ديوان المظالم
صدر هذا النظام في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في 25 / 6 / 1402هـ الموافق 1982م، وهو مكون من إحدى وخمسين مادة؛ نصت المادة الأولى منه على أن ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقلة ترتبط مباشرة بالملك، ويمارس هذا الديوان اختصاصات قضائية، ويتمتع بحياده واستقلاله عن السلطة التنفيذية في الدولة .
ونصت المادة الثانية منه على تعيين رئيس له بمرتبة وزير، يعاونه عدد من النواب والنواب المساعدين والأعضاء من ذوي التخصص في الشريعة والأنظمة. كما نصت المادة الرابعة على تشكيل لجنة خاصة تُسمى لجنة الشؤون الإدارية لأعضاء الديوان، وتتكون من: رئيس الديوان ومن ينيبه، وستة أعضاء لا تقل درجة كل منهم عن درجة مستشار (ب) يختارهم رئيس الديوان. كما نصت المادة السادسة على أن يباشر الديوان مهماته واختصاصاته عن طريق دوائر يحدد رئيس الديوان عددها وتشكيلها واختصاصاتها.
ونصت المادة الثامنة من النظام على أن اختصاصات ديوان المظالم تتمثل في الفصل في لقضايا الآتية:
الدعاوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية للأفراد من المواطنين، أو الهيئات المعنوية المستقلة.
الدعاوى المقدمة من ذوي الشأن بالطعن في القرارات الإدارية.
الدعاوى المقدمة في المنازعات المتعلقة بالعقود التي تكون الحكومة طرفًا فيها.
القضايا الجزائية الموجهة ضد المتهمين بارتكاب جرائم التزوير.
طلبات تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية.
وقد أُضيفت إلى هذه المادة فقرة تنص على نظر ديوان المظالم في طلب المحاكم الأجنبية إيقاع الحجز التحفُّظي على ممتلكات أو أموال داخل المملكة، وذلك بموجب الأمر الملكي الذي صدر في 4 / 2 / 1421هـ الموافق 2000م. ويسمح البند الثاني من المادة الثامنة لمجلس الوزراء بإحالة ما يراه من موضوعات وقضايا إلى ديوان المظالم للنظر فيها.
وقننت المادة الحادية عشرة من النظام الشروط التي يلزم توافرها في عضو الديوان، كما رتبت المادة الثانية عشرة درجات العضوية في تسع مراتب تبدأ بمستشار مساعد (جـ) بدرجة قاضي (جـ)، وتنتهي بمرتبة نائب رئيس بدرجة رئيس تمييز. وتطرقت المادتان الأولى والسادسة عشرة إلى سِن تقاعد العضو، وحقوقه وواجباته، وساوتها بحقوق القضاة وواجباتهم. وتحدثت مواد أخرى (من التاسعة والعشرين حتى الثالثة والثلاثين) عن الإجراءات التأديبية بحق الأعضاء المخالفين لواجباتهم أو مقتضيات وظائفهم.
أما بقية مواد النظام فتطرقت إلى أحكام عامة تتعلق بسلطة رئيس الديوان واختصاصاته وبرؤساء الفروع، وغيرها من المواد ذات الصبغة العامة. وبموجب هذا النظام فقد تم فصل سلطة التحقيق في هيئة مستقلة لذلك، وأصبح اختصاص ديوان المظالم اختصاصًا قضائيًا بحتًا.
نظام هيئة التحقيق والادعاء العام
نَصَّ هذا النظام على إنشاء هيئة التحقيق والادعاء العام مرتبطة بوزير الداخلية، وتكون مدينة الرياض مقرًا رئيسًا لها، وتنشأ لها فروع في كل المدن الكبرى في المملكة. وتتشكل هذه الهيئة من: رئيس، ونائب أو أكثر، ومن عدد كافٍ من رؤساء الدوائر ووكلائهم، ومن المحققين ومساعديهم. وتختص الهيئة بالتحقيق في الجرائم، والتصرف في التحقيق برفع الدعوى أو حفظها طبقًا لما تحدده اللوائح، والادعاء أمام الجهات القضائية، وطلب تمييز الأحكام، والإشراف على تنفيذ الأحكام الجزائية، والرقابة والتفتيش على السجون ودُور التوقيف. ونصت المادة الخامسة من النظام على تمتع أعضاء الهيئة بالاستقلال التام، وعدم خضوعهم في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في مجال عملهم .
وقد نظمت وظائف الأعضاء في تسع مراتب تبدأ بملازم تحقيق وتنتهي بمرتبة نائب رئيس.
ويُعيَّن رئيس للهيئة بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي؛ بناء على ترشيح من وزير الداخلية، ويُعيَّن الموظفون الباقون بأمر ملكي، بناءً على قرار من لجنة إدارة الهيئة، وتوصية من وزير الداخلية.
وتضمَّن النظام بابًا خاصًا بتأديب الأعضاء نص فيه على قيام مجلس تأديب مكون من لجنة إدارة الهيئة، أو من يفوضه رئيس الهيئة. وتُرفع الدعوى التأديبية بمذكرة تشتمل على التهمة الموجهة، والأدلة المؤيدة لها. وللمجلس التأديبي إصدار عقوبات تأديبية تراوح بين لوم العضو وإحالته إلى التقاعد.
كما تزامن مع صدور هذا النظام صدور لائحة للهيئة والعاملين فيها، نصت على شروط التعيين والترقية والنقل، ومن أهم بنود هذه اللائحة ضرورة أن يكون عضو هيئة التحقيق والادعاء العام ممن حصل - على الأقل - على شهادة من إحدى كليات الشريعة في المملكة، أو شهادة تخصص في الأنظمة من إحدى جامعاتها، أو شهادة أخرى معادلة لهاتين الشهادتين. كما نصت المادة الثانية من هذه اللائحة على أن يخضع أعضاء الهيئة لبرنامج تدريبي مكثف لا تقل مدته عن ستة أشهر. ونصت اللائحة على آليات تقويم أداء أعضاء الهيئة، وغيرها من البنود الخاصة بالعاملين والموظفين المساندين الآخرينج - نظام المرافعات الشرعية:
نظرًا إلى حاجة المملكة إلى آلية حديثة للمرافعات الشرعية؛ إذ مرّ نحو ستة عقود على صدور نظامَيْ تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي وتنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية عام 1372هـ / 1953م؛ فقد برزت ضرورة ملحة إلى إعادة صياغة نظام جديد للمرافعات الشرعية، يُبنى على نظم التقاضي القديمة ويحدّثها. وفي هذا الاتجاه صدر نظام المرافعات الشرعية بمرسوم ملكي في 20 / 5 / 1421هـ الموافق 2000م.
وضم هذا النظام 265 مادة مرتبة في 14 فصلاً. وقد تناول الباب الأول أحكامًا عامة متعلقة بالتقاضي، ونصت مادته الأولى على أن تطبق المحاكم الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة. وتطرقت المادة الرابعة إلى عدم قبول أي طلب أو دفع لا تكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة مشروعة، إلا أن المادة الخامسة أجازت قبول الدعوى من ثلاثة أشخاص على الأقل من المواطنين في كل ما فيه مصلحة عامة، إذا لم يكن في البلد جهة رسمية مسؤولة عن تلك المصلحة. ومنعت المادة الثامنة المحضرين والكتبة وغيرهم من أعوان القضاة أن يباشروا عملاً يدخل في حدود وظائفهم إذا كانت هذه الدعاوى خاصة بهم أو بأزواجهم أو بأقاربهم أو بأصهارهم حتى الدرجة الرابعة، وعدَّت مثل هذا العمل باطلاً. وكذلك الحال بالنسبة إلى القضاة، فقد منعتهم من مباشرة أي قضية إذا كانت لهم مصلحة مباشرة فيها، أو كانت مرتبطة بأزواجهم أو بأقاربهم أو بأصهارهم حتى الدرجة الرابعة .
وحددت المادة الحادية عشرة من النظام موضوع اختصاص المحاكم، ولم تسمح بالنظر في أي دعوى إذا كانت منظورة من محكمة أخرى.
ونصت المواد من الثانية عشرة حتى الثالثة والعشرين على إجراءات التبليغ من قِبَل محضر المحكمة الذي لا يجوز له تبليغ أي شخص بقضية مرفوعة عليه بعد غروب الشمس أو قبل شروقها.
وحدد الباب الثاني من النظام - في الفصل الأول منه - الاختصاص الدولي لمحاكم المملكة، فقَصَرَها على الدعاوى التي تُرفع على السعوديين، أو على غير السعوديين الذين يقيمون في المملكة، أو على عقار أو مال موجود في المملكة، أو بالتزام تُعد المملكة محل نشوئه أو تنفيذه. كما سمحت برفع دعوى أمام محكمة سعودية إذا كان هذا متصلاً بالأحوال الشخصية، وكانت الدعوى ذات صلة بسعودي أو بغير سعودي مقيم في المملكة.
وقسَّم الفصل الثاني من هذا الباب الاختصاص النوعي للمحاكم؛ فاختصت المحاكم الجزئية بالقضايا التجارية التي لاتزيد قيمة الدعاوى فيها على عشرة آلاف ريال، واختصت المحاكم العامة بجميع الدعاوى الخارجة عن اختصاص المحاكم الجزئية، من غير إخلال بما يقضي به نظام ديوان المظالم.
وحدد الباب الثالث مواعيد رفع الدعوى وقيَّدها، كما قيَّد مواعيد المثول أمام المحكمة بعد إبلاغ المدعى عليه بصحيفة الدعوى.
وتناول الباب الرابع حضور الخصوم وغيابهم، وتطرق الباب الخامس إلى إجراءات الجلسات ونظامها وضبطها.
واهتم الباب السادس بموضوع الدفوع والإدخال والتدخل، سواء كان ذلك من قِبَل المحكمة نفسها، أو من قِبَل أشخاص ذوي مصلحة يريدون أن يتدخلوا في الدعوى منضمين إلى أحد الخصوم، أو طالبين الحكم لأنفسهم. ولا يجوز قبول التدخل بعد إقفال باب المرافعة. وتحدَّث الفصل الثالث من الباب السادس عما يُسمى بالطلبات العارضة، سواء كان ذلك تصحيحًا للطلب الأصلي، أو إضافة، أو تغييرًا فيه، أو طلبًا للمقاصة القضائية.
واهتم الباب السابع بوقف الخصومة وانقطاعها وتركها. أما الباب الثامن فتطرق إلى تنحي القضاة وردهم عن الحكم إذا كانت لهم علاقة نسب أو قرابة أو مصاهرة بأحد المتخاصمين.
أما الباب التاسع فركز على إجراءات الإثبات باستجواب الخصوم والإقرار، وتحدث الفصل الثالث من هذا الباب عن اليمين والنكول عنها، وصفتها الشرعية. أما الفصل الرابع فقد نظر في آليات المعاينة، وإجراءات تعيين الجزاء من قِبَل المحكمة. وتحدث الفصل الخامس عن الشهادة، وأوضح الفصل السادس إجراءات ندب الخبير من قِبَل المحكمة. واحتوى الفصل السابع على كتابة محاضر الجلسات وأوراق الإثبات وغيرها من الأوراق الرسمية، وكذلك الأحكام المترتبة على التزوير في هذه الأوراق.
ويبين الباب العاشر من النظام آلية إصدار الأحكام، وسرِّية المداولة، وبخاصة عند تعدد القضاة. كما منع النظام سماع أي توضيحات من أحد الخصوم في أثناء المداولة. وبينت المادة الخامسة والستون بعد المئة ضرورة أن تُفهِم المحكمة - بعد النطق بالحكم - الخصوم طرق الاعتراض المقررة لهم ومواعيدها، وجعل ذلك ممكنًا عن طريق المحكمة الأصلية، أو عن طريق محكمة التمييز.
وأوضح الباب الحادي عشر سبل الاعتراض على الأحكام بطلب التمييز خلال ثلاثين يومًا من صدورها. وحددت المادتان الحادية والثمانون بعد المئة والثانية والثمانون بعد المئة آليات صياغة مذكرة الاعتراض. ومنعت المادة الثالثة والثمانون بعد المئة مثول المتخاصمين أمام محكمة التمييز، بل تفصل هذه المحكمة في القضية استنادًا إلى ما يوجد في الملف من وثائق وأوراق، ويمكن للمحكمة أن تأذن للخصوم بتقديم بيانات جديدة تعينها على الفصل في الموضوع. ولمحكمة التمييز أن تصادق على قرار القاضي الأصلي، ولها أن توجه ملاحظاتها إليه، أو أن تعترض على الحكم لمخالفته الاختصاص، أو أن تعيد القضية إليه إذا ظهرت لها ملاحظات شرعية على قراره. ويمكن للقاضي إعادة النظر في القضية بناءً على الملاحظات التي أبدتها محكمة التمييز على حكمه، أما إذا لم يقتنع بملاحظاتها فله الحق في رفض رأي محكمة التمييز، وفي حال عدم اقتناع محكمة التمييز بإجابة القاضي، فلها أن تنقض الحكم كله أو بعضه، وتحيل القضية إلى قاضٍ آخر.
وبيَّن الفصل الثالث من الباب الحادي عشر آليات إعادة النظر في الأحكام التي صُدِّقت من قِبَل محكمة التمييز بشكل نهائي، وبحصر الالتماس في هذا الشأن فيما إذا حصل الملتمس بعد الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى، أو وقع من الخصم غش من شأنه التأثير في الحكم، أو كان منطوق الحكم يناقض بعضه بعضًا. وحدد النظام مهلة ثلاثين يومًا لتقديم التماس إعادة النظر في الحكم إلى محكمة التمييز، وبعد انقضاء هذه المدة يُعد الحكم حكمًا قطعيًا واجب التنفيذ. وحددت الفصول الأخرى من هذا الباب الحجز على المدنيين، والحجز التحفظي، والتنفيذ على أموال المحكوم عليهم عن طريق المزاد العلني الذي تشرف عليه المحكمة إشرافًا كاملاً، سواء كانت هذه الأموال عقارًا ثابتًا، أو أصولاً منقولة.
وينظر الباب الرابع عشر في الأوقاف وتسجيلها، وحجج الاستحكام، ويبيِّن الفصل الثالث من هذا الباب إثبات الوفاة وحصر الورثة، والتثبت من ذلك من قِبَل المحكمة صاحبة الصلاحية والاختصاص.د - نظام الإجراءات الجزائية:
تتضمن معظم دساتير الدول إعلانًا خاصًا بحقوق الإنسان يتضمن الحفاظ على حرياته الأساسية، خصوصًا حقوقه القضائية. ولمَّا كان واضع النظام السعودي قد أصدر نظامًا خاصًا بهيئة التحقيق والادعاء العام، واستكمالاً للجوانب القانونية القضائية الخاصة بحقوق الأفراد؛ فقد أصدرت المملكة في 18 رجب 1422هـ الموافق 2001م نظامًا خاصًا بالإجراءات الجزائية. صدر هذا النظام في 225 مادة مقسمة على 9 أبواب. وقد حظر النظام إيذاء المقبوض عليه جسديًا أو معنويًا، أو إيقاع أي عقوبة جزائية إلا على أمر محظور شرعًا أو نظامًا، وأعطى المتهمَ حقَّ الاستعانة بوكيل أو محامٍ، وعرَّف النظام مهمات رجال الضبط الجنائي وأخضعهم لسلطة هيئة التحقيق والادعاء العام، وبيَّن الحالات التي يكون الشخص فيها متلبسًا بالجريمة، وحدد الإجراءات الواجب اتباعها من قِبَل رجال الضبط الجنائي للتعامل مع تلك الحالات. وحظر النظام التوقيف أو السجن إلا في السجون أو الدُّور المخصصة لذلك وبأمر مسبَّب، كما حافظ النظام على حرمة الأشخاص ومساكنهم ومكاتبهم ومراكبهم، ومنع رجال الضبط الجنائي من دخول أي مرفق مسكون أو تفتيشه إلا نهارًا وفي الحالات المنصوص عليها نظامًا، وبأمر مسبَّب من هيئة التحقيق والادعاء العام. وجعل النظام لوسائل الاتصال حرمتها، ولم يُجز الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر مسبَّب. كما نص النظام على أن يكون الاستجواب للمتهم في حال لا تأثير فيها على إرادته، وحظر تحليفه أو استعمال وسائل الإكراه ضده، وأعطى وزير الداخلية الحق في التوقيف فيما يُعد من الجرائم الكبيرة، كما أُعطي المحقق صلاحية إصدار الأمر بتوقيف المتهم مدة لا تزيد على خمسة أيام من تاريخ القبض عليه، والإفراج عنه إذا انتفى مبرر التوقيف أو لعدم وجود أدلة كافية. كما نص النظام على حضور المتهم جلسات المحكمة بغير قيود ولا أغلال، وأن يُتْلى الحكم في جلسة علنية حتى لو كانت الدعوى منظورة في جلسة سرية، وذلك بحضور أطراف الدعوى. وأعطى النظام المتهم والمدعي العام والمدعي بالحق الخاص حق طلب تمييز كل حكم صادر في كل جريمة، وحدد مدة الاعتراض بطلب التمييز بثلاثين يومًا من تاريخ تسلُّم صورة الحكم. كما نص النظام على إمكانية نقض الحكم إذا خالف نصًا من الكتاب أو السنة أو الإجماع، أو الأنظمة الخاصة بولاية المحكمة من حيث تشكيلها أو اختصاصها بنظر الدعوى. كما أعطى النظامُ الحقَّ في تعويض معنوي ومادي للمحكوم عليه بعدم الإدانة لما أصابه من ضرر إذا طلب ذلك .
نظام المحاماة
صاغ واضع النظام السعودي نظامًا خاصًا ينظم عملية الترافع أمام القضاء في المملكة، ويعطي مهنة المحاماة ما تستحقه من اهتمام وتقنين، وقد كانت مهنة المحاماة مفتوحة بشكل كبير أمام عدد من المجتهدين والوكلاء الشرعيين. وجاء النظام الجديد الذي أقره مجلس الوزراء في 28 / 7 / 1422هـ الموافق 2001م ليعرِّف المهنة في مادته الأولى، ويرى أنها: عملية الترافع عن الآخرين أمام المحاكم وديوان المظالم واللجان المشكَّلة بموجب الأنظمة والأوامر والقرارات، ومزاولة الاستشارات الشرعية والنظامية. وكفلت هذه المادة للأفراد الحق في الترافع عن أنفسهم، أو في الترافع عن أقاربهم وأصهارهم حتى الدرجة الرابعة (المادة 18) .
وأقر نظام المحاماة ضرورة أن تُعِدَّ وزارة العدل سجلاً كاملاً بأسماء المحامين الممارسين لمهنة المحاماة، وسجلاً آخر بأسماء غير الممارسين، وألزمت كل من يتعامل بهذه المهنة تقييد اسمه في جدول المحامين الممارسين (المادة الثالثة). واشتُرط في هؤلاء المحامين أن يكونوا سعوديي الجنسية، ويجوز لغير السعوديين مزاولة مهنة المحاماة إذا كانت الاتفاقيات المبرمة بين المملكة وبين بلدانهم تسمح للمحامين السعوديين بالترافع في تلك البلدان. وأكدت ضرورة حصول المحامي السعودي المسجِّل على تكوين علمي من خلال حصوله على شهادة جامعية في الشريعة أو القانون. وأسَّس النظام لجنة قيد المحامين وقبولهم، وهي مكونة من: وكيل وزارة العدل (رئيسًا)، وممثل عن ديوان المظالم بمرتبة رئيس محكمة، وأحد المحامين ممن أمضوا خمس سنوات في ممارسة المهنة يعيِّنه وزير العدل.
وحسب المادة السابعة من النظام فإن قرار ممارسة المهنة يصدر من وزير العدل بعد تسجيل المحامي في سجل المحامين، ويتم إبلاغ المحاكم وديوان المظالم واللجان ذات الشأن بأسماء المحامين المرخصين. ويسمح النظام لشركات المحاماة المهنية المكونة من محامين مقيدين في سجلات الوزارة بممارسة المهنة نظاميًا.
ونص الباب الثاني في المادة الثانية عشرة على آداب المهنة وأخلاقياتها؛ فلا يجوز للمحامي التعرض للأمور الشخصية الخاصة بموكِّلِه، ولا يجوز له أن يقدم استشارة ضد موكله قبل مضي ثلاث سنوات على انتهاء العقد، وكذلك لا يجوز له أن يقبل أي دعوى أو استشارة ضد جهة يعمل لديها لفترة خمس سنوات من تاريخ انتهاء علاقته بتلك الجهة. وتنص المادة التاسعة عشرة على ضرورة أن تقدم الدوائر الرسمية وسلطات التحقيق للمحامي المعلومات والتسهيلات التي يقتضيها القيام بواجبه.
وأعطت المادة الثانية والعشرون حقوقًا للموكِّلِين تضمن لهم الحق في الحصول على سند التوكيل والمستندات والأوراق الأصلية للقضية، على أن يسدد الموكل أتعاب المحامي كلها. ولم تُجِز المادة الثالثة والعشرون للمحامي إفشاء أي سر اؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته. ومنعته المادة الخامسة والعشرون من شراء كل - أو بعض - الحقوق المتنازع عليها والتي يكون وكيلاً عليها. وضمنت المادة السابعة والعشرون للموكِّل أن يعزل محاميه، وأجبرت الموكل على دفع أتعاب المحامي، وإذا توفي ولم يتمكن الورثة من الاتفاق على قيمة الأتعاب جاز للمحكمة أن تقدِّر هذه الأتعاب.
وحددت المادة التاسعة والعشرون العقوبات التي يمكن أن يُحاسَب من خلالها المحامي إذا ما أخل بأخلاقيات مهنته، ومنها: الإنذار واللوم، والإيقاف عن مزاولة المهنة، وصولاً إلى أقصى عقوبات التأديب بشطب اسمه من سجل المحامين وإلغاء ترخيصه. ولا يمكن - حسب المادة الحادية والثلاثين - أن تُوقَّع هذه القرارات إلا بموافقة (لجنة التأديب) المكونة من قاضٍ واثنين من أهل الخبرة. وضمنت المادة الرابعة والثلاثون الحق للمحامي أن يعترض على قرار التأديب الذي صدر بحقه إذا كان غائبًا، وذلك خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تبليغه وتسلُّمه صورة منه، ولا يحق له ممارسة المهنة طوال مدة الإيقاف.
وتحدث الباب الرابع من النظام عن أحكام عامة وانتقالية، مثل إصدار لائحة تنفيذية من وزير العدل تفسر هذا النظام.