الأوضاع السياسية في يثرب قبيل الإسلام في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الأوضاع السياسية في يثرب قبيل الإسلام في المملكة العربية السعودية

الأوضاع السياسية في يثرب قبيل الإسلام في المملكة العربية السعودية.

 
 
إذا ما استثنينا تلك السنوات العشر 553 - 543 ق.م التي تمكن خلالها الملك البابلي نبونيد من فرض سيطرته على يثرب وإدخالها ضمن المدن العربية الشمالية (دادان، يثرب، يديع، فدك، وخيبر) التي خضعت له وأدارها من مقر إقامته في تيماء، فإنه لم تقم في يثرب وحدة سياسية تتزعمها قيادة مركزية، كما هو الحال في المناطق المجاورة ليثرب في دادان (العلا حاليًا) وفي الحجر (مدائن صالح) اللتين شهدتا تعاقب أنظمة سياسية عليها تمثلت في قيام مملكة دادان ثم مملكة لحيان وأخيرًا سيطرة مملكة الأنباط عليها حتى تمكن الرومان من القضاء على سيادتهم السياسية في عام 106م.
 
لقد تحدثت المصادر التاريخية عن عدد من الزعامات القبلية في يثرب التي كانت تتنازع فيما بينها رغبة في سيطرة كل منها على الأخرى؛ فقد دخلت القبائل العربية المتهودة، أو اليهودية كما يزعم بعضهم، وهم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع في صراع فيما بينها،،  وأدى تزايد هجرات القبائل العربية الأخرى إلى يثرب إلى إشعال نار الصراع فيما بينها، فعندما قدمت قبيلتا الأوس والخزرج من مواطنهما في جنوبي الجزيرة العربية، خشيت القبائل المستوطنة في يثرب من سيطرة هاتين القبيلتين على يثرب ومواردها الاقتصادية، ما جعلها تؤجج نار الفتنة بين القبيلتين، وتمخض عنها قيام حروب ووقعات طاحنة بين قبيلتي الأوس والخزرج استمرت حسب رواية السمهودي مئة وعشرين عامًا  .  ومن بين تلك الحروب والوقعات بين القبيلتين حرب سمير التي استمرت قرابة العشرين سنة وكان سببها حسب المصادر العربية أن مالك بن العجلان الخزرجي استضاف رجلاً من بني ذبيان يدعى كعب الثعلبي، وبينما هو في ضيافته ذهب كعب الثعلبي إلى سوق بني قينقاع، وهناك سمع مناديًا يبحث عن أقوى شخص في يثرب ليبيعه فرسه، فما كان من كعب الثعلبي إلا أن قال على الفور له: إن من تبحث عنه هو مالك بن العجلان الخزرجي، ولكن سمير بن زيد عارضه وقال له: كلا بل أعز أهل يثرب هو أحيحة بن الجلاح الأوسي، بيد أن صاحب الفرس لم يأبه بقوله، فما كان من سمير بن زيد هذا إلا أن تربص لكعب الثعلبي فأرداه قتيلاً، ما أدى إلى انتفاض مالك بن العجلان مطالبًا بدم ضيفه الذبياني، وتمخض ذلك عن حرب ضروس بين الأوس والخزرج استمرت سجالاً بين الطرفين إلى أن اقتنع الأوسيون بدفع دية كعب الثعلبي كاملة  
 
لم يمضِ وقت طويل على نهاية حرب سمير بين القبيلتين حتى دخلتا في حرب أخرى ذكرتها المصادر العربية باسم حرب حاطب، وتتلخص رواية المصادر عن أسبابها في أن شخصًا من بني ذبيان حل ضيفًا على حاطب بن قيس الأوسي، وبينما كان الضيف يسير في السوق رآه رجل من بني الخزرج، فقال ليهودي كان بجانبه: لك ردائي إن كسعت هذا الذبياني، فما كان من اليهودي إلا أن ضرب الذبياني، فصاح الذبياني قائلاً: يالحاطب كُسع ضيفك، وحال سماع حاطب نداء ضيفه أسرع فقتل اليهودي، فما كان من الخزرجي إلا أن حاول قتل حاطب، وعندما لم يتمكن من ذلك قتل شخصًا غيره من الأوس، وكان ذلك مدعاة لنشوب حرب جديدة بين القبيلتين انتصر فيها الخزرج على الأوس  
 
استمرت الوقعات والأيام بين الأوس والخزرج، فكان الطرفان يلتحمان لأقل الأسباب، ومن هذه الوقعات وقعة جحجبا، ووقعة السرارة، ووقعة الحصين بن الأسلت، ووقعة فارع، ووقعة الفجار الأولى، ووقعة معبس ومضرس، ووقعة الفجار الثانية ويوم الربيع  ،  وكان آخرها حرب بعاث التي وقعت قبيل الهجرة بخمس سنوات، وتحالفت فيها قبيلة الأوس مع بني قريظة وبني النضير وبني أوس اللات ضد قبيلة الخزرج وأحلافها من قبائل جهينة وأشجع وبني قينقاع، فثار القتال بين الطرفين وانتهى بهزيمة الخزرجيين وحلفائهم  
 
والسياق التاريخي لسير الأحداث في يثرب خلال فترة قبيل الإسلام ينبئ عن تدهور الأوضاع الأمنية في محيط يثرب، ويؤكد على أن قبائل المنطقة عاشت في صراع وتناحر فيما بينها، ما حال دون قيام وحدة سياسية تجمع شتات القبائل تحت زعامة واحدة، والسبب الرئيس وراء تلك الصراعات بين قبائل يثرب يرجع إلى تطلع كل قبيلة إلى التفرد بزعامة يثرب، وإحكام السيطرة على مواردها الاقتصادية، ولكن تكافؤ قوة قبائل يثرب، خصوصًا قبيلتي الأوس والخزرج، جعل من قيام حكومة مركزية في يثرب أمرًا مستحيلاً، والقبائل الأخرى من بني قريظة وبني النضير وغيرهما كانت تقف حائلاً دون ذلك، فقد كانت تراقب الوضع وتسعى إلى مد يد العون إلى القبيلة الضعيفة، وتناصرها على القبيلة القوية، كما يشهد على ذلك دعمها لقبيلة الأوس إبان حرب بعاث، خشية منها أن تهزم أمام قوة قبيلة الخزرج فتتفرد بزعامة يثرب، ما يحرم تلك القبائل من نفوذها الذي كانت تنعم به في ظل غياب حكومة مركزية من شأنها أن تضبط الأمر وتحد من جو الفوضى والاضطراب السائد آنذاك.
 
ونظرًا لغياب الوعي بأهمية الوحدة السياسية لدى قبائل يثرب خلال فترة قبيل الإسلام، اضطرت بعض القبائل من أجل حماية نفسها، وضمان استمرارية رعاية مصالحها ومواردها الاقتصادية، إلى بناء علاقات منفردة مع الزعامات والقوى المحيطة بيثرب، فالقبائل العربية المتهودة التي من بينها بنو قريظة وبنو النضير كانت ترتبط بعلاقات صلة مع قبائل وادي القرى  ،  كذلك فعلت قبائل الأوس والخزرج التي تسابقت لعقد تحالفات مع القبائل المحيطة بها مثل: قبائل مزينة وفزارة وجهينة، بل كانت تدفع لبعض القبائل إتاوات، كتلك التي كان يأخذها عيينة بن حصن الفزاري كل عام من أهل يثرب  ،  وفي حال تعرضهم للخطر كانوا يستنجدون بالقوى المحيطة، وقد فعلوا ذلك عندما اشتد الصراع بينهم وبين قبائل بني قريظة وبني النضير، حينما استنجدوا بمملكة الغساسنة في الشمال لترد عنهم تزايد نفوذ بني قريظة وبني النضير وتدخلهما في شؤونهم، فما كان من الملك الغساني إلا أن لبى طلب أبناء عمومته من الأوس والخزرج، فأرسل جيشًا إلى يثرب خلص الأوس والخزرج وأدب قبائل بني قريظة وبني النضير  
 
ظل اليثربيون تتنازعهم روح العصبية القبلية ويسود بينهم التناحر والصراع المسلح الذي ما تكاد نيرانه تهدأ حتّى تُخْتَلَقَ أَسْبَابٌ لتأجيجه مرة أخرى، ولا ريب أن مثل هذا الوضع الأمني المتأزم كان ثقيلاً على اليثربيين، وأثر على تنمية مواردهم الاقتصادية، كما حد من قدرتهم على مدّ نفوذهم إلى المنطقة نفسها، أو إلى المناطق الأخرى في جزيرة العرب، على الرغم مما كانت تملكه يثرب - آنذاك - من مقومات طبيعية واجتماعية لو قدر لها أن توظف كما ينبغي لكان ليثرب دور مهم في سير الأحداث خلال فترة قبيل الإسلام. وبينما كانت يثرب غارقة في هذه الحالة كان نور الإسلام قد انبثق يرسل شعاعه المضيء في مكة المكرمة، وقد صادف في هذه الأثناء أن وفدًا من بني الأشهل برئاسة أبو الجسر بن رافع كان في مكة المكرمة لحشد القوى وحث قبيلة قريش لمد يد العون لبني الأوس في حرب بعاث المرتقبة بينهم وبين أبناء عمومتهم بني الخزرج، وبينما هم في ذلك سمع بمقدمهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم فخاطبهم بقوله: " هل لكم في خير ما جئتم إليه، قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وأنـزل عليّ الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ". وعندما سمعوا هذا القول سرعان ما تقدم فيهم إياس بن معاذ قائلاً: (أي قوم هذا والله خير لكم ما جئتم له)، أما رئيسهم فاحتج بانشغالهم عن ذلك بأمر آخر قدموا من أجله  ،  ذلك هو إعداد العدة لحرب بعاث والنيل من بني الخزرج، ولكن الله قدر أن يلتقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام نفسه برهط من الخزرج عند العقبة (فسألهم من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج، قال: أمن موالي يهود؟: قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا: بلى، فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن)  ،  وبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله، (قال بعضهم لبعض: تعلمون والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه)  .  وانطلقوا عائدين إلى يثرب ليبشروا أهل يثرب بمقدم الدين الجديد، ذلك الدين الذي أصلح ذات البين بين قبائل يثرب المتناحرة وخلصها من حروب طاحنة فيما بينها  .  وبذلك دخلت يثرب في مرحلة جديدة من تاريخها الموغل في القدم، تغير بموجبها اسمها منذ ذلك الحين من يثرب إلى المدينة، وانقلبت مفاهيم سكانها من تعصب للقبيلة إلى ولاء للأمة ودينها الإسلامي الجديد.
 
شارك المقالة:
98 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook