الإخلاص في الجهاد

الكاتب: المدير -
الإخلاص في الجهاد
"الإخلاص في الجهاد

 

فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسي الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله.

 

قال المناوي رحمه الله في فيض القدير 6/188: يفهم أن من قاتل للدنيا أو للغنيمة أو لإظهار نحو شجاعة، فليس في سبيل الله ولا ثواب له، نعم من قاتل للجنة ولم يخطر شجاعة، فليس في سبيل الله ولا ثواب له، نعم من قاتل للجنة ولم يخطر بباله إعلاء كلمة الله، فهو كالمقاتل للإعلاء إذا مرجعهما هو ورضا الله واحد؛ اهـ.

 

- وأخرج ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مجروح يُجرح في سبيل الله - والله أعلم بمن يُجرح في سبيله - إلا جاء يوم القيامة وجرحه كهيئته يوم جُرح، اللون لون الدم، والريح ريح المسك؛ (صحيح الجامع: 5753).

 

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مكلوم يُكلم في الله، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يُدمي، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.

 

- وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكفَّل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلماته بأن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة.

 

- وفي رواية عند مسلم: تضمَّن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادًا[1] في سبيلي، وإيمانًا بي، وتصديقًا برسلي - فهو على ضامن أن أُدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة؛ الحديث.

 

صور من الإخلاص في الجهاد:

أخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه[2]، قال: فنقبت أقدامنا[3]، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق، قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث، ثم كره ذلك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه.

 

وها هو الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه:

يحدث عنه سهم بن منجاب، فيقول: غزونا مع العلاء بن الحضرمي، فقال في دعاء: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، إنا عبيدك، وفي سبيلك نقاتل عدوك اسقنا غيثًا نشرب منه ونتوضأ، فإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبًا غيرنا، وقال في البحر: أحمل لنا سبيلًا إلى عدوك، وقال في الموت أخف جثتي ولا تطلع عورتي أحدًا، فاستُجيب له في الثلاث، فنبع لهم ماءً فارتووا ونسي رجل منهم بعض متاعه، فرد فلقيه، ولم يجد الماء وخاص البحر على فرسه في يوم دارين، ومعه جيش المسلمين، فما ابتل لهم سرج، يجوزون الخليج، ولما مات وكانوا على غير ماء، فأبدي الله لهم سحابة، فمطروا فغسلوه، وحفروا له ودفنوه، فجاء رجل فقال: من هذا؟ فقال أصحابه: هذا خير البشر هذا ابن الحضرمي، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى الأرض التي تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله، قال: فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد، إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ، قال: فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا؛ (سير أعلام النبلاء: 1/65)، (البداية والنهاية: 5/163).

 

عبدالله بن المبارك - رحمه الله -:

يقول عبدة بن سليمان المروزي قال: كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز[4]، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، فازدحم عليه الناس، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو يكتم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبدالله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يُشنع علينا، (صفة الصفوة: 4|119).

 

قال ابن قتيبة رحمه الله: حاصر مسلمة بن عبدالملك حصنًا وكان في ذلك الحصن نقب (أي ثقب في الحائط)، فندب الناس إلى دخوله، فما دخله أحد، فجاء رجل من عرض الجيش - أي من عامته غير معروف - فدخله ففتحه الله عليهم الحصن، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد، فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلا جاء، فجاء رجل إلى الآذن، فقال: استأذن لي على الأمير، فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه، فأتى مسلمةَ فأخبره عنه، فأذن له، فقال الرجل لمسلمة: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثًا: ألا تسوِّدوا اسمه في صحيفة؛ أي: لا تكتبوا اسمه إلى الخليفة، ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو؛ أي من أي قبيلة هو، قال: فذاك له، قال: أنا هو، فكان مسلمة لا يصلي بعد ذلك صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.




[1] إلا جهادًا: هكذا هو في جميع النسخ بالنصب، وهو منصوب على أنه مفعول له، ومعناه لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص.

[2] نعتقبه: اعتقاب المركوب هو: أن يركبه واحد بعد واحد، فيركب أحدهم قليلًا، ثم ينزل، ثم يركب آخر بالنوبة، حتى يأتي على سائرهم الفتح 7|421.

[3] فنقبت أقدامنا؛ أي رقت وتقرحت أقدامنا من كثرة المشي حفاة.

[4] البراز: المبارزة.


"
شارك المقالة:
40 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook