الإصدارات الأدبية والفنية في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.
أ - ديوان (شذرات):
يشتمل الديوان على خمس وعشرين قصيدة محدودة الأبيات في مجملها، وكلها مكتوبة على النمط التقليدي فيما عدا قصيدة (يا فلسطين) المكتوبة بطريقة التفعيلة، أما من حيث الموضوعات التي تدور حولها القصائد فهي متنوعة وإن غلبت عليها الحالات الوجدانية الذاتية، ولعل هذه الفقرات من المقدمة التي كتبها الأستاذ شريف قاسم تعطي فكرة نقدية أوفى عن الشاعر وشعره، خصوصًا أن النـزعة المحافظة أو (التقليدية) هي الغالبة، وتعد هذه المجموعة الشعرية (شذرات) أول طريق الشاعر حسن محمد الشريف على نهج الأصالة، هذا ما جعله ملتزمًا بحياة اجتماعية مرتبطًا بأهله وعشيرته، مهتمًا بما يصيبهم، مبديًا أحاسيسه ومشاعره في شذراته الأولى بما يعتلج في نفسه نحوهم، وعلى الرغم من وضوح ذلك في معظم أبيات هذه المجموعة، إلا أنها لا تخلو من مشاعر تجاه وطنه وأمته ومن حس ديني، ونفحات وجدانية. وقضية الأمة الأولى (فلسطين) هي قضيته، فأين تقع فلسطين في قلب الشاعر، وما لها عنده، وكيف الخلاص؟
لفلسطين بقلبي
عهد حب ٍ ووفاء
وقوله: لك يا قدس حياتي.
ويؤكد طريق التحرير والخلاص من خلال رؤيته رجالاً قادمين يحملهم الوفاء على صهوات الجهاد المقدس فيقول:
لك يا قدس رجال
لم يروا غير الوفاء
سوف يأتي جيشنا
يملأ دربك نصر وفداء
لتميد الأرض بالقوم اللئام
ويعود الحق وضّاء الدروب
نحن بالإسلام سادات الوجود
لم نهب يومًا عدوًا أو يهود
هذه المعالم على بداية طريق شاعر يتلمس له أُفقًا خاصًا به في عالم الشعر وأغراضه.
ب - شعراء من الجنوب:
كان من الأصوب أن يكون العنوان بغير هذا التعميم؛ لأن القصائد في مجملها لشعراء شعبيين من نجران، بل إن النسبة الأكبر منها للشاعر حمد بن ذيب المهان، كذلك لا بد أن نشير إلى أن الأمر يتعلق بمرويات اختارها وجمعها المؤلف ودوّنها مع ذكر بعض مناسبات القصائد. ومن أبرز أسماء الشعراء الآخرين: حمد بن هويج، وعلي سعيد بلال شريم بن حزمة آل مخلص اليامي، ومحمد بن عفيف آل هتيلة، وظافر بن جربوع العرجاني، والشاعر الشعبي الفارس المشهور راكان بن حثلين من شيوخ (العجمان) الذين هم فرع من (يام) ومما جاء في كلمة المؤلف:
"عزيزي القارئ: عندما قمت بجمع وترتيب هذه المقتطفات من شعر يام ولمّ شتاتها كانت رغبتي في ذلك أن تكون - إن شاء الله - حائزة على رضا محبي هذا الفن وعاشقيه والباحثين عنه. كما أرجو أن أكون قد وفقت في القيام ببعض الواجب الإنساني المتواضع، وذلك لخدمة هذا الفن الذي كاد ينقرض... عزيزي القارئ أقدم لك (شعراء من الجنوب) أملي بأن يحوز رضاك.. كما أرجو المعذرة إذا حصل هناك بعض التقصير أو الأخطاء، فليس هنالك شيء خالٍ من العيوب ولا كامل إلاّ وجه الله، إلا أن ذلك لا يمنع من ذكر حقيقة كوني قد بذلت جهدي".
ج - ديوان آل مهذل الصقور:
الديوان هو أيضًا مختارات يركز فيها المؤلف على شعراء أسرته وبخاصة محمد بن مهدي آل مهذل، مع ذكر مناسبات بعض القصائد التي لا يخلو بعضها من الطرافة والتجارب الإنسانية العميقة، كما هي قصة الشاعر الشيخ بنيان بن علي مهذل الصقور مع أبنائه .
د - سلسلة (مذكرات مسافر):
وتشمل: (الجسر المعلق) و (بين السودة والتون تاور) و (دوحة الربع الخالي)، وتنـزع إلى دقة الوصف من دون غوص وراء المشاعر وتحليل للمواقف إلا فيما ندر، وكأن الهدف هو تقديم المعلومات وحث القارئ على الترحل في بلاد الله الواسعة وتأمل طبيعتها ومجتمعاتها وثقافاتها. ومما جاء في مقدمة الجزء الأول من هذه السلسلة بقلم الأستاذ شريف عبدالقادر قاسم ما يأتي:
"علمت أن للأستاذ محمد بن ناجي آل سعد عددًا من الإصدارات التي ما زالت مخطوطة، والتي يرجى لها أن ترى النور، وكلها تحاور وتناغم المشاهد المتميزة ذات الشكل الجميل، والمضمون الراقي، ليس في جسر بديع، أو قصر منيع، أو نفق مستعذب، أو حديقة غناء، أو أثر تاريخي يغنيك بمضامينه العميقة وحسب، وإنما ينقلك إلى ميدان الحياة الاجتماعية في أرجاء الأرض العامرة بعادات الناس وتقاليدهم".
وكما قال المؤلف: "لدي شغف بمعرفة أحوال الناس والديار"، ومثال ذلك: طريقة حياتهم وطعامهم وما يعتقدون، وكيف يفكرون، وما هي رؤاهم المستقبلية، وكيف يواجهون نهارهم الزاخر بالأعمال، وليلهم المليء بالعجائب مع نماذج لمواقف الناس تشعرك بنبض تعاطفهم مع البيئة التي يعيشون في جنباتها.
ولقد أجاد الكاتب - حقيقة - وهو ينقلنا في هذا القسم من سلسلته الجميلة إلى مظاهر الرقي الحضاري التي تتراءى حية ناطقة في الأعمال البديعة التي أخرجتها العقول النيّرة والأيدي الماهرة، فهو قد قدمها للقارئ من خلال رؤيته الثاقبة، وكأنه يريد منا أن نوقد جذوة العزيمة لنبدع وننجز، وليكون لوطننا من مثل تلك المظاهر الراقية ما هو أعظمُ وأجلُّ، حيث تكون قيمة الأمة بما يقدمه أبناؤها للبشرية من قيم وعمران، وما استثمروا في تحريك عجلات التطوير، من خلال البرامج والأساليب المتعددة، التي لا تخطئ أهدافها. ويريد لنا بيئة تفعلُ فيها العقول، وتعمل الأيدي، وتُثار فيها المواهب التي يصعب على الأمة الكريمة أن تتناساها أو تهملها، فلا أثمن من القدرة الفكرية التي تسخرُ في بساتين الإبداع، لإيجاد الأثر البارع القائم على كم هائل من المعرفة، كما رآه صاحبُ (الجسر المعلق) في تنقلاته بين مدن المملكة المتحدة وروابيها في القصر الصيني وقصر هاميتون كورت وحديقة كيو وغرينتش أو في عشرات الجسور الجميلة والجميلة الصنع مثل: جسر تاور بريدج، أو الجسر المعلق على نهر سفيرن الذي يصبُ في قناة برستول، حيث يبلغ طول هذا الجسر خمسة كيلو مترات واستغرق بناؤه خمس سنوات، وما عليه من حركة منظمة، وما حوله من مناظر طبيعية ساحرة، وجمال الريف الإنجليزي الذي يسلب الألباب، ويدعوك للوقوف مرات ومرات لتتأمل، وتأخذ الصور للذكرى... كما يقول (صاحب سلسلة مذكرات مسافر) الذي ظل يوازن ويقارن ما رأى بما في بلاده من آثار ومنجزات النهضة الحضارية التي شملت كل نواحي الحياة، والعمرانية منها بشكل خاص. ويحث على تقوية الجانب الإعلامي لدينا، ليغطي مساحة جهل الناس ببلادنا وقيمنا. يقول: (تأكدت حينها أن على الإعلام العربي دورًا كبيرًا في توضيح الحقيقة للآخرين، والوصول إلى عقلية أولئك ومخاطبتهم بالوسائل المناسبة...).
كما لفت الكاتب النظر إلى حب الناس للتجديد ولمعرفة ما لا يعرفونه في بلادهم، وذلك في حديثه مع من تعرف إليهم في تلك البلاد الجميلة حيث قال لأحدهم: "ينبغي أن تقضي إجازتك في الخارج"، فعدها الكاتب (عقدة الخارج). والخارج عند كل الناس هو غير بلادهم التي ألفوها وعاشوا في مغانيها منذ ولادتهم.
هـ - فن وإبداع:
تأليف بنت الأخدود ، يجمع هذا الكتاب بين الفن والإبداع حقًا؛ إذ إن المؤلفة فنانة تشكيلية تقدم فيه طرقًا عملية لممارسة الإبداع لمن يمتلك الموهبة ويصبر على التعلم والتجربة. ومما يبين مدى قيمة الكتاب المعرفية والجمالية أن الكاتبة الفنانة تشرح الطريقة العملية بدقة وتفصيل وتورد الكثير من الصور الإيضاحية التي يمثل بعضها تخطيطًا أوليًا للعمل الحرفي وبعضها الآخر يقدم العمل ذاته بعد اكتماله عملاً فنيًا بديعًا حقًا، ما يجعل الهواة يفيدون منه بقدر إفادة أصحاب المواهب الإبداعية القوية. كذلك تتعزز قيمة الكتاب تلك بتركيز المؤلفة على سلسلة طويلة من الموضوعات والمجالات الفنية تبدأ من استعمال المواد المهملة إلى الرسم على الحرير أو الورق.
إننا أمام كتاب جميل، مفيد حقًا في هذا المجال يكشف عن موهبة فنية خلاقة ودراية معرفية جادة رصينة وعن نـزعة إنسانية تربوية لعل أفضل ما يعبر عنها فقرة المقدمة والفقرة الأخيرة بعنوان (الأطفال والتراث).
ففي المقدمة تقول الكاتبة:
"إن التعامل مع اللاجمال من الأشياء وتكوين نوع من الجمال ولو بقدر قليل يعني منتهى الجمال. والبيئة السعودية مليئة بالمواد الأساسية لأغلب الأعمال الفنية المختلفة خصوصًا إذا ما وجدت الفكرة الرغبة في التنفيذ، ونجد أن كل إنسان تقريبًا لديه جوانب فنية ولكنها تختلف من فرد لآخر، والإنسان القادر على التعامل مع بقايا الأشياء قلما يكون عاجزًا عن التعامل مع البشر أيًا كانت معاداتهم حيث تكون لديه القدرة على استشفاف ما حوله بصورة أوضح وأدق"
"ونجد أن آفة الفنون بشتى أنواعها هي (التقليد البحت) الخالي من التجديد، ونستطيع اقتناء كثير من القطع الفنية وذلك بشرائها، ولكننا لن نكون وحدنا من يملكها، على عكس ما نقوم بتصميمه لأنفسنا؛ حيث إنه يكون مميزًا حتى لو كانت فكرته بسيطة. وفي هذا الكتاب تجدون بعض الأفكار الجديدة التي قد تساعدكم على إبداع أجمل الأعمال"
وفي فقرة (الأطفال والتراث) نقرأ لها:
"إن أغلب الأطفال يملكون حسًا مرهفًا وخيالاً خصبًا وجرأة في التعبير وصدقًا في المشاعر تجاه كل ما يصادفهم، ومن خلال رسومات الأطفال نستطيع أن نغوص في أعماق نفوسهم ونتعرف على أمانيهم ومخاوفهم وطموحاتهم وعلى كل ما يحبون وما يكرهون، وما علينا إلا أن نطلب منهم رسم ذلك كأن نقول: "ارسم ما تحب أو ارسم ما يخيفك أو ما يبكيك.... وبذلك سنجد أننا نحل كثيرًا من مشكلاتهم بطرق فنية. كذلك سنكتشف بعض ما يؤذيهم أو يضايقهم بطرق غير مباشرة وفي الوقت نفسه تُنمى مواهبهم ونـزرع الثقة في نفوسهم ونشغل وقت فراغهم، هذا من ناحية. أما الناحية الأخرى فهي أننا نستطيع معرفة آراء الأطفال ووجهات نظرهم حيال تراثنا بشتى فروعه من خلال تعريفهم بالمهرجانات ومن ثم تكليفهم برسم الأشياء الجميلة بالنسبة إليهم، أو الأشياء التي يفتقدونها، أو الأشياء التي تعجبهم، أو المهرجانات التي يحبونها، أو لماذا تحب زاوية ما؟ أو الأزياء التي نالت إعجابك، المناظر التي لم تعجبك ولماذا؟ وبذلك نحصل على عدد كبير من الرسومات المعبرة التي يمكن عرضها خلال هذه المهرجانات والاستفادة منها في عمل زوايا مختصة بهم يشرف عليها بعضهم وبذلك تقوى عرى الترابط بينهم وبين تراثهم بشتى فروعه".