الإعجاز البياني في القرآن الكريم

الكاتب: مروى قويدر -
الإعجاز البياني في القرآن الكريم

الإعجاز البياني في القرآن الكريم.

 

 

معنى الإعجاز البيانيّ:

 

القرآن الكريم هو معجزة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الخالدة، التي تحدّى الله تعالى بها العرب وغيرهم على الإتيان بمثله، وما يزال هذا التحدّي قائماً إلى قيام الساعة، فالقرآن الكريم هو كلام الله المعجِر في ألفاظه وتراكيبه ونظمه ومضمونه، وقد ثبت عجز أهل اللغة عن الإتيان بمثل آياته، وينقسم الإعجاز في القرآن الكريم إلى عدّة أنواعٍ، منها: الإعجاز الغيبيّ، والتشريعيّ، والعلميّ، والبيانيّ الذي يُظهر جمال نظم الكلمات القرآنيّة، بحيث تُوصل هذه الكلمات المعنى بأدقّ أبدع تعبيرٍ ووصف؛ بحيث لو وضعت كلمةٌ عربيّةٌ أخرى لتؤدّي ذات المعنى في التركيب القرآني لم يوجد أفصح وأدقّ من اللفظ القرآنيّ المختار، وقد أدرك العرب القدامى دقّة الكلمات القرآنية في سياقها، وأقرّوا بفصاحته التي عجزوا عن بلوغها، حتى أنّ منهم من قال عند سماعه: "والله إنّ لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه، وما هو بقول بشر"، وفي ذلك شهادةٌ من الذين عادوا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ورفضوا دعوته على عظمة هذا الكتاب وتفوّقه في الفصاحة والبلاغة والبيان عليهم، وهم أهل فصاحةٍ وبيانٍ.

 

أمثلةٌ على الإعجاز البيانيّ في القرآن الكريم..

 

القرآن الكريم هو المعجزة التي هزّت القلوب، وأذهلت العقول، فقد تميّز بنظمه وأسلوبه عن كلّ ما اعتاده العرب من الشعر والنثر، إلّا أنّه في نفس الوقت اشتمل على خصائصهما، ومن أمثلة هذه الخصائص؛ اتّصاف الأسلوب القرآنيّ بنظمٍ بديع اشتمل على فنٍّ تعبيريّ مغايرٍ للشعر والنثر، يقول تعالى: (حم* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، فعندما سمع عتبة بن ربيعة هذه الآيات بهذا النسق البديع، ما كان منه إلّا أن أصيب بالذهول، واحتار في وصفه، فلا هو من الشعر فينسبه إليه، ولا من السحر، ولكنّه الحقّ المبين، والوحي الصادق من الله تعالى إلى نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وللقرآن الكريم نسقٌ واحدٌ من الدقّة والجمال لا يتغيّر عند الانتقال من موضوعٍ إلى آخر، كما أنّ معاني القرآن تُخاطب الناس جميعاً على اختلاف أزمانهم ومداركهم، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا)؛ فالعامّي الذي لا علم له سيعلم أنّ هذه الآيات تتحدّث عن وصف الشمس والقمر، وأنّ كلاهما مصادرٌ لإضاءة الأرض، أمّا العالم باللغة العربية، فسيدرك عند تأويل هذه الآية أنّ الشمس تجمع بين الضوء والحرارة؛ لذلك سمّيت سراجاً، والقمر نورٌ من غير حرارةٍ فهو ضوءٌ، أمّا عالم الفلك، فسيدرك أنّ إضاءة الشمس ذاتيّةٌ وإضاءة القمر ناتجةٌ من انعكاس الشمس، كما أنّ الأعراب وأهل اللغة تنبّهوا إلى ما في القرآن الكريم من الفصاحة والبلاغة، فكانوا إذا سمعوا آيات الله تعالى بادروا إلى السجود، ويحكى أنّ رجلاً من الأعراب عندما سمع قول الله تعالى: (فَلَمَّا استَيأَسوا مِنهُ خَلَصوا نَجِيًّا)، قال: "أَشْهَدُ أَنَّ مَخْلُوقًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ"، ومن الأمثلة على الإعجاز البيانيّ قوله تعالى: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، ويتمثّل الإعجاز البيانيّ في هذه الآية باشتمالها على النداء في قولها أيها، والتنبيه، والأمر، والنهي، والتخصيص، والعموم، والإعذار، من غير ركاكةٍ في ألفاظ القرآن الكريم ولا تنافر، فلا يشعر القارئ للآيات بالعُسر، ولا يشعر السامع بالثقل، وفي قصة يوسف -عليه السّلام- قال تعالى: (فَأَكَلَهُ الذِّئبُ وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ)، ولم يَقل افترسه؛ لأنّه لو قيل افترسه لطالَب يعقوب -عليه السّلام- أبناءه بما تبقى من جسد يوسف، أمّا الأكل فيفهم منه عدم بقاء شيءٍ من أثره، وفي قصة موسى -عليه السّلام- مع المرأتين، قال تعالى: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، فوصف القرآن الكريم حال المرأة بأنّها تمشي ولم يقل تسعى؛ فالسعي يستلزم العجلة التي توقظ الغرائز، أمّا المشي فهو الوصف الدقيق لحال المرأة المسلمة، وما عليها التزامه من الوقار في مشيتها.

 

نبذةٌ تاريخيّةٌ عن الإعجاز البيانيّ

 

كان إقبال العلماء كبيراً على ميدان الإعجاز البيانيّ، وتشهد بذلك مؤلّفاتهم، فقد ألّف الفرّاء كتابه: معاني القرآن، الذي يتعرّض إلى تفسير الآيات في تركبيها اللفظيّ بشكلٍ مبسّطٍ؛ كالحديث عن التقديم والتأخير في الجُمل القرآنيّة، وعن سبب الإيجاز في بعض الآيات والإطناب في بعضها الآخر، وقام في كتابه بإيراد الصور البيانيّة على نحوٍ من التفصيل، فذكر الاستعارة والكناية والتشبيه وغيرها من الصور البيانيّة، كما ألّف في هذا العلم أبو عبيدة مُعمر بن المثنى في كتابه: مجاز القرآن، والمجاز يعني الدلالة التي تتميّز بالدقة في صياغة التعابير والجُمل، وهو أوّل من صّنَّف في المجاز، ولم يُرد بالمجاز نقيض الحقيقة، وإنّما أراد تفسير الآيات، وأراد من تأليفه للكتاب تقريب الناس من اللغة العربية؛ لعلمه أنّ الجهل بها قد يصل بالناس إلى الشكّ في إعجاز القرآن الكريم، وألّف الرماني كتابه: النكت في إعجاز القرآن، حيث قام في كتابه بإرجاع وجوه الإعجاز إلى سبع جهاتٍ، منها: نقض العادة، وما فيه من الأخبار الصادقة عن الأمور المستقبليّة، وقسّم الرماني البلاغة إلى ثلاث طبقاتٍ؛ فجعل في الطبقة الأولى العليا بلاغة القرآن، أمّا الطبقة الثانية والثالثة؛ ففيها أهل البلاغة على تفاوتهم في صياغة الألفاظ حتّى تصل إلى القلب وتترك الأثر.

شارك المقالة:
102 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook