الإنفاق والرزق

الكاتب: المدير -
الإنفاق والرزق
"الإنفاق والرزق

 

قال تعالى: ? وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ? [1]

معنى الرزق: العطاء وما ينتفع به، ويقال: رزق الله الخلق[2]

معنى الإنفاق: لغة: يقال: نفقت الدراهم، وأنفق الرجل على عياله، ونفق روحه: خرج[3]، والإنفاق الإخراج، أي إخراج المال من اليد، ومنه: نفق البيع: أي خرج من يد البائع إلى المشتري. ونفقت الدابة: خرجت روحها، ومنه: المنافق: لأنه يخرج من الإيمان، أو يخرج الإيمان من قلبه، ونفق الزاد: فنى[4].

المعنى في الاصطلاح: هو إخراج المال لغرض، والمراد بالنفقة هنا: الزكاة المفروضة، وقيل: الإنفاق على العيال، وقيل الإنفاق في سبيل الله وقيل هو عام[5].

 

وإضافة رزقهم إلى الله تعالى في قوله (رزقناهم) إشارة إلى أن الله تعالى قد تفضل عليهم بالرزق، كما أنه إشارة إلى أن هذا الرزق هو رزق حلال طيب؛ فهم ينفقون مما تفضل الله عليهم به.. فيخرجونه عن طيب نفس وينفقونه شكرًا لله عز وجل، فالمال مال الله والرزق من عند الله، غير أن الله تعالى فضل بعض الناس على بعض في الرزق؛ لينفق الغني على الفقير وتسود المحبة والإخاء بين الناس؛ قال تعالى ? وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ? [6].

 

ومن لطائف الاستهلال وروعته في السورة الكريمة قوله تعالى: ? يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ? [الأنفال: 1]، فهناك أنفال وهي غنائم حلال غنمها المسلمون، فكأنها بشرى بعهد جديد؛ عهد الغنائم والرزق الكريم، عهد الغنى بعد الفقر والعطاء بعد الحرمان، ثم يأتي قوله تعالى:  ? وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ? [البقرة: 3]، ليؤكد المعنى السابق؛ لأنه يمكن صرف المعنى ليكون عامًا مطلقًا لأي نوع من أنواع الرزق، كما يمكن صرفه إلى المعنى الخاص بغنائم بدر، ويكون ذكر الإنفاق من رزق الله وصفا (أو) مدحًا، كما هو الأمر في إقام الصلاة: (والذين يقيمون الصلاة) وإضافة الرزق إلى الله تعالى إشارة إلى طيب هذا الرزق وشرفه، والإنفاق إنما هو من رزق الله.

 

وقد جاء التحريض على الإنفاق في عموم القرآن المكي والمدني، إلا أنه قد تعين فرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة[7]، أي مع فرض القتال لما بين الزكاة والجهاد من علاقة وثيقة، فإخراج الزكاة تطهير وتزكية للمال والنفس، وتربية على حب العطاء والبذل، ومقاومة الشح والبخل والتمسك بالمال وحب التملك والطمع، والتعلق بملذات الحياة، وهو كذلك ضرورة من ضرورات القتال ومقدماته، لتجهيز الجيوش وإعداد العدة، لهذا قرن بين الجهاد بالمال والنفس في مواضع كثيرة في القرآن الكريم.. كما جاء الأمر بالإنفاق في سبيل الله؛ وسبيل الله أي: الغزاة وقيل: طلبة العلم[8]، هذا والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس؛ لأن الإعداد والتجهيز يحتاج إلى المال، ولأن المسلم قد ينفق المال في الجهاد وهو لا يستطيع أن يجاهد، فيكون قد أعد جيشًا أو جهز غازيًا، أو خلفه في أهله بخير، وإعداد القوة يحتاج إلى أموال، لذا وجب على المسلمين أن يهتموا بالناحية الاقتصادية، وألا يكونوا عالة على غيرهم وأن يستغلوا مواردهم، ليحققوا الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس، خصوصًا في تسليح جيوشهم بأحدث ما وصلت إليه التقنية العسكرية وصناعة السلاح لا أن يستوردوا ما صدأ وتآكل في مخازن الأسلحة الغربية أو الشرقية، وتضيع أموالهم هباء لتذهب إلى جيوب أعدائهم وخزائنهم فيستعينون بها على المسلمين، ويزداد أعداؤهم قوة ويزداد المسلمون ضعفًا ومهانة..

 

وقوله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون)، دلالة على أن هذا الرزق هو رزق طيب وذلك في قوله (رزقناهم) فالرزق مضاف إلى الله تعالى، وهو عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ فالإنفاق لابد أن يكون من الحلال، ومن أطيب وأحب ما عند المسلم، قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ? [9]؛ وقال تعالى: ? لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ?[10]. وعن فضل النفقة في سبيل الله، يقول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [11].

 

إن الله عز وجل هو واهب النعم والمتفضل بها على عباده، وشكر هذه النعم إنما هو تصريفها وإنفاقها في طاعة الله عز وجل، ونعم الله تعالى كثيرة - لا تعد ولا تحصى - قال تعالى: ? وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ? [12]، وليس المال وحده هو ما يجب إنفاقه في سبيل الله؛ بل هناك نعم أخرى كثيرة كالصحة والوقت والعلم وغير ذلك، وإذا سخر العبد ما وهبه الله من نعم في سبيله وابتغاء مرضاته؛ فإن هذه النعم تربو وتتضاعف، وتعود ثمرتها على العبد وعلى الناس ويسود الحب والإخاء وتزول الضغائن والأحقاد، وتتحقق في المجتمع المسلم الفوائد الآتية:

1- القضاء على الفقر وسد حاجة الفقراء والمحتاجين.

2- القضاء على الحقد الطبقي؛ فإن عدم إنفاق الأغنياء على الفقراء يزكي نار الحقد الطبقي؛ ويجعل طبقة الفقراء تحقد وتحسد طبقة الأغنياء مما يهدد بانهيار المجتمع وتفكك الجبهة الداخلية وفساد ذات البين.

3- القضاء على جرائم السرقة؛ فإن السارق لو قضيت حاجاته، ونال حقه من الغنى فلن يسرق؛ ففي عصور الإسلام الزاهرة حينما كان شرع الله قائمًا والحدود مقامة لم يكن هناك وقتها فقير أو محتاج فلا حاجة أن يلجأ إنسان إلى أخذ مال الغير خلسة أو نهبًا أو رشوة.

 

إن وجل القلب عند ذكر الله تعالى وزيادة الإيمان والتوكل على الله عز وجل، - وكلها أعمال باطنة - وقيام الليل وإقامة الصلاة إن لم يظهر أثر ذلك وثماره في الإنفاق من رزق الله، فإنه لا فائدة وتكون هذه الأعمال مجرد عبادات تؤدى ودعاوى يشوبها الكذب والنفاق؛ لذا كانت الصدقة برهان على صدق الإيمان وأنه حقيقة واقعة، فعلى الداعي أن ينفق جل وقته وأن يبذل طاقته وجهده ويسخر كل ما يملك في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وأن يوصي مدعويه إلى الإنفاق من رزق الله ونعمه.




[1] سورة الأنفال (3).

[2] مختار الصحاح.

[3] أساس البلاغة.

[4] تفسير القرطبي، ج1، ص 157.

[5] المرجع السابق.

[6] سورة النحل (71).

[7] انظر: فقه السنة، الشيخ سيد سابق، مجلد 1، ص 328، دار الكتاب العربي.

[8] روح المعاني، ج6، ص171.

[9] سورة البقرة (267).

[10] سورة آل عمران (92).

[11] سورة البقرة (261).

[12] سورة النحل (18).


"
شارك المقالة:
36 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook