الابتلاء سنة الله في خلقه

الكاتب: المدير -
الابتلاء سنة الله في خلقه
"الابتلاء سنة الله في خلقه




الحمد لله الصبور الشكور، العلي الكبير، السميع البصير، العليم القدير، الذي شمِلت قدرته كلَّ مخلوق، وجرَت مشيئته في خَلْقه بتصاريف الأمور، وخلق الموت والحياة ليبلوهم أيهم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، القاهر القادر؛ فكل عسيرٍ عليه يسيرٌ، وهو المولى النَّصير، فنعم المولى ونعم النصير.

 

أكد المولى تبارك وتعالى في كتابه أن ابتلاءَ الناس لا محيصَ عنه، حتى يستعدوا للنوازل؛ قال تعالى: ? وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ? [البقرة: 155]، وقال تعالى: ? وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ? [محمد: 31]، وقال تعالى: ? أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ? [البقرة: 214].

 

إنها سنَّة الله القديمةُ في تمحيص المؤمنين، وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا أهلاً لها، وأن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، وأن يلقَوا في سبيلها العنَتَ والألم والشدة والضر، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم، لم تزعزعهم شِدَّة، ولم تُرهِبْهم قوة، ولم يَهِنوا تحت مطارق المحنة والفتنة حتى استحقوا نصر الله.

 

واستحقُّوا الجنة؛ لأن أرواحَهم قد تحرَّرت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة؛ فهي أقرب ما تكون إلى عالَم الجنة، وأرفعُ ما تكون عن عالَم الطين.

 

فالابتلاء طريق الجنة، وهو طريق التمكين؛ روى الإمام البخاريُّ عن خبَّاب بن الأرَتِّ قال: شكَوْنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخَذُ الرجلُ فيُحفَر له حفرة في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضَعُ على رأسه فيجعل نصفين، ويُمشط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاءَ إلى حضرموتَ، لا يخاف إلا اللهَ والذِّئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).

 

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: ((الأنبياء))، قال: يا رسول الله، ثم من؟ قال: ((الصالحون، ثم الأمثلُ فالأمثلُ))؛ [رواه أحمد في الزهد].

 

هذا هو الطريق: إيمان وجهاد، ومحنة وابتلاء، وصبر وثَبَات، وتوجُّهٌ إلى الله وحده، ثم يجيء النصر، ثم يجيء النعيم: ? أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ? [البقرة: 214].

 

أيها الأحبة:

هذا الطريق ابتُلِي فيه أنبياء الله ورسله، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ? فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ? [الأنعام: 34]، ? اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 200].

 

الجَؤوا إلى الله، وتضرَّعوا إليه في الدعاء؛ فهو الذي يجيب المضطرَّ إذا دعاه؛ ? أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ? [النمل: 62]، ? وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ? [غافر: 60]، ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ? [البقرة: 186].

 

اثبُتوا على عهدِكم في طريقكم هذه؛ فإن النصرَ قريبٌ بإذن الله تعالى: ? أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ? [البقرة: 214].


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook