الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
أ - الزواج:
 
كان الاحتفال بالزواج في الماضي بسيطًا جدًّا، وكان همُّ والد الفتاة الأول ينصبُّ على وجود رجل لديه القدرة على توفير الطمأنينة والاحتياجات الأساسية لابنته من مأوى ومأكل وملبس ومشرب، ولهذا كان من يملك مساحات كبيرة من المزارع غالبًا ما يكون لديه أكثر من زوجة وربما وصل عددهن إلى أربع زوجات؛ وذلك لكي يستفيد من مشاركتهن في العمل في المزارع والعناية بالماشية. وكان المهر ومراسم الزواج في تلك الفترة بسيطة جدًّا، فكثير من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم تسعين عامًا يذكر أنه تزوج بريال، ويذكر بعضهم الآخر أن مهر زوجته كان بقرة، أو عددًا من الغنم، أما مائدة الطعام فكانت تقتصر على تقديم ما يكفي أهل العروس وأقرباءها لوجبة واحدة.
 
وفي مرحلة لاحقة بدأت المهور تتزايد مع مرور الزمن، وفي الستينيات وإلى أواسط التسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري/الأربعينيات والسبعينيات من القرن العشرين كان الاحتفال بالزواج متسقًا تقريبًا مع تغيرات بسيطة تفرضها متغيرات الحياة ودخول بعض المنتجات المعاصرة إلى حياة الناس. لقد كان المتزوج - أو أحد أقربائه - يقضي وقتًا قد يصل إلى أسبوع أو أكثر وهو يمر على البيوت في القرى المجاورة؛ ليستعير بعض قطع الأثاث ليستخدمها في الزواج، ثم يعيدها إليهم بعد انتهاء مراسم الزواج، لقد كان يجمع على ظهر جمله (الزوالي) وهي قطع السجاد والمفارش، والوسائد، والأتاريك، والصحون، والطيس (الأقداح المعدنية)، والقدور الكبيرة... وما شابه ذلك، وكان يكتب أسماء أصحابها خلفها كيلا تختلط ببعضها وكي يتمكن من إعادتها إليهم، وغالبًا ما يتحاشى صاحب الزواج الاستعارة من قريته؛ لأن أفرادها يشاركون في مراسم الزواج باستضافة بعض الضيوف للنوم عندهم، وتقديم طعام الإفطار لهم، ويشارك أقرباء المتزوج في تقديم طعام الغداء للضيوف.
 
كان الزواج يتم في يوم الخميس أو في يوم الأحد ولا يُقام في غيرهما، وكان المتزوجون ينسقون مع بعضهم في كثير من الحالات ليقيموا الزواج في وقت واحد تقليصًا للتكاليف، ويذكر أحد كبار السن أنه في أواسط الثمانينيات الهجرية/الستينيات الميلادية أُقيم في قريته ستة وعشرون زواجًا في ليلة واحدة، ولم تتجاوز الذبائح لكل عريس ثلاثًا أو أربعًا.
 
كانت العروس تُزف إلى زوجها بعد الظهر، ويتم ذبح عدد من الأغنام في منـزل العريس وفي منـزل أهل العروس لوجبة الغداء في اليوم الذي ستُزف فيه العروس، وتُحمل العروس على جمل، ويركب أمامها على الجمل أحد إخوتها أو والدها، ويتبع جملَ العروس عددٌ من الجمال تحمل جهازها، وكلما كان عدد الجمال كبيرًا كان ذلك دلالة على مكانة أهل العروس وأهل العريس، فكانوا يقولون: فلان روَّح (أرسل) مع ابنته خمسة جمال أو ستة أو سبعة، وهذه الجمال تحمل فراش العروس، وشنطتها (حقيبتها) وهي غالبًا حقيبة حديدية كبيرة تشبه السحارة (السحارية)، وتحمل الجمال أيضًا منبرًا مصنوعًا من الخشب لتجلس عليه العروس،  وبعض الحبوب، والقهوة، والسكر، والشاي، وبعض الأثاث الضروري لمنـزلها.
 
وعندما تصل العروس إلى بيت العريس تستقبلها النساء بالرقص ودق الطبول، وتُسمى عملية الاستقبال تلك (الجرة) لأنهن يتحركن ويجررن ثيابهن مع العروس منذ نـزولها عن الجمل حتى تدخل إلى المكان المعدّ لاستقبالها، وهو المكان المعدّ للنساء غالبًا.
 
أما الرجال من أهل العروس فإنهم يأتون بعد صلاة العصر حاملين بنادقهم، ومتقلدين أحزمتهم التي تكون مرصوفة بالرصاص، وإذا لم يكن يوجد مانع - مثل الوفاة أو المرض - فإنهم غالبًا يدخلون إلى منـزل العريس وجماعته بعرضة، ويستقبلهم أهل العريس بعرضة مشابهة، وكان الرصاص يُطلق في الهواء ترحيبًا بالضيوف، وبعد أن تنتهي العرضة ينـزل الضيوف في المنـزل المعدّ لإقامتهم، ويقوم أهل العريس بجمع بنادق أهل العروس وخناجرهم وأحزمتهم في مكتل كبير ويحفظونها في مكان أمين إلى حين مغادرتهم في اليوم الثالث، أو طلبها للعرضة، أو رمي المثل (الهدف) في اليوم الثاني، والغاية من ذلك هو إراحتهم من حملها، والمحافظة عليها.
 
وفي يوم الزفاف يتجمع الشباب والقادرون على المساعدة من أهل القرية لتقديم الخدمة في الزواج، مثل إعداد الفُرُش، وصنع القهوة والشاي وصبِّهما للضيوف، وذبح الغنم وسلخها وطبخها. أما نساء القرية فيقمن بصناعة الخبز الكبير، كل خبزة تتكون من ثلاثة إلى أربعة أمداد تقريبًا، أي ما يقارب 12 - 15كجم، وبعد صلاة المغرب يتم جمع الخبز من البيوت المتفرقة، وأحيانًا يتم حمله على الدواب، وفي مرحلة لاحقة أصبح يُجمع بوساطة السيارات (اللواري)، وعند جمعه يُوضع بعضه فوق بعض مشكلاً بناءً أسطوانيًّا يرتفع عن الأرض ما بين نصف متر ومتر، وبعد أن يكتمل جمع الخبز يتم (تشتيره) أي تقطيعه إلى مربعات، ثم تُرص تلك المربعات (الشتار) على السفرة في صفين طويلين، وقد يصل طول المائدة إلى 20م، وتُوضع بين الصفين طيس (جمع طاسة؛ وهي أقداح معدنية) مملوءة مرقًا من القدور التي طُبخت فيها الذبائح، وتُترك بين كل طاسة وأخرى مسافة مناسبة، وعندها يُطلب من الضيوف أن يدنوا إلى الطعام، وبعد أن ينتهوا يعقبهم أهالي القرية والقرى المجاورة، ثم يعقبهم الأطفال.
 
وبعد الانتهاء من أكل الخبز والمرق يُرفع ما على السفرة من خبز ومرق، وتُرص الذبائح في صف واحد؛ كل ذبيحة في صحن مستقل لتسهُل معرفة عدد الذبائح التي تم إعدادها للضيوف، ويقوم صاحب الحفل - أو والده أو عمه - بالترحيب بالضيوف قائلاً: (بلال عشاكم والله يحيي لحاكم) أو ما شابه ذلك من صيغ تؤدي المعنى نفسه. وبعد الترحيب يقوم مجموعة من الأشخاص بتقطيع اللحم فوق سُفَر دائرية مصنوعة من سعف النخل، ويتم ذلك أمام أعين الضيوف غالبًا، ويقوم بعضهم بتقطيع الشحم والكبد والكرش والطحال، وبعد أن يتم التقطيع يُوزَّع اللحم في صحون كثيرة، ويُوضع في كل صحن شيء من الشحم والكبد لأن الناس كانوا يبدؤون بهما، عندها يقول المضيِّف: (تمُّوا حياكم الله)، وعندها يتحلق الناس حول الصحون، وأحيانًا يُعطى أهل القرية نصيبهم في أيديهم، ليأكلوه أو يأخذوه إلى بيوتهم.
 
وكانت بعض القرى تقدم العشاء قبيل صلاة المغرب حتى يتمكن أهل القرى المجاورة من الذهاب إلى قراهم قبل حلول الظلام، ومعظم القرى كانت تقدم العشاء بعد صلاة المغرب مباشرة، وبعد صلاة العشاء تبدأ مراسم الحفل بعرضة موجزة، تعقبها ملعبة داخل أحد المنازل  .  وبعد انتهاء مراسم الحفل يأخذ كل شخص من أهل القرية عددًا من الضيوف ليناموا عنده، ويقدم لهم طعام الإفطار في صباح اليوم التالي، أما طعام الغداء فيقوم به أبناء عمومة المتزوج و (لُحمته)، ويتم في بيوتهم أو في البيت المعدّ لاستقبال الضيوف. وبعد صلاة العصر تبدأ العرضة، وتصحبها (الحَلَجَة) - بفتح الحاء واللام والجيم - وهي الرقص بالبنادق وإطلاقها في الهواء. وبعد العرضة يأتي رمي المثل (الهدف)، إذ يبدأ جماعة العريس بذلك، وتُوضع الأهداف في أمكنة بعيدة، وهي مجموعة من المرو الأبيض الموضوع بعضه فوق بعض، وتبدأ المنافسة بين جماعة العريس وجماعة العروس، والذي يصيب أكثر يُعد فائزًا، ويسجل الشعراء هذه المواقف في قصائدهم غالبًا.
 
وفي مساء اليوم التالي تُقدَّم الوجبة الثالثة للضيوف بالطريقة نفسها التي قُدِّمت بها في الليلة الماضية غالبًا، وقد يُنحر في تلك الليلة جمل، أو يُذبح ثور أو بقرة أو مجموعة من الغنم. وفي صباح اليوم الثالث يغادر الضيوف إلى بيوتهم بعد أن يتناولوا وجبة خفيفة بعض الشيء تُسمى (المعرَّق) وهي خبز ومرق مصنوع مما يتوافر من بقايا لحوم الليلة السابقة، وتُضاف إليه الصلصة أو الطماطم، وقد تُذبح واحدة من الغنم أو اثنتان لهذا الغرض. وعند المغادرة يعقد الضيوف عرضة، ويسيرون وهم يغنون إلى أن يبتعدوا عن منازل أهل العريس. وكانت الكُسا (جمع كسوة) تُقدَّم لأهل العروس بعد الغداء في اليوم الثاني أو قبيل مغادرتهم، والكُسا هي مشالح (بشوت) لوالد العروس وإخوانها وبعض أقربائها، وبعض المال لأمها وأخواتها وعماتها.
 
وبعد أسبوع أو نحوه يقوم والد العروس بدعوتها وزوجها مع أقربائه وبعض جماعته، ويُسمى ذلك (النُقلة)، وفيها يُقدَّم لهم الطعام والذبائح بالطريقة نفسها التي تتم في الزواج ولكن بطريقة مختصرة جدًّا.
 
أما النساء فتتم احتفالاتهن في منـزل العريس، ويُقدَّم لهن الطعام بالطريقة نفسها التي يُقدَّم بها للرجال، إلا أن أعدادهن تكون قليلة ومقتصرة على قريبات العروس والعريس، وفي اليوم الثاني والثالث يتوافد نساء القرية والقرى المجاورة إلى بيت العريس لتهنئة العروس، والمشاركة في الرقص، ورقص النساء يكون في صفين متقابلين، وقصائدهن غالبًا تتكون من بيتين؛ بيت لكل صف، ولحنها ثابت ومعروف، وأثناء اللعب يقوم بعضهن بالرقص بين الصفين، وغالبًا ما يتم ذلك بمصاحبة الدف ونقره من قِبَل التي ترقص، وكان الرقص يُسمى (المَْيَس).
 
ومن الأعراف والتقاليد المتعلقة بالزواج:
 
1 - العلوم (أو العِلَّامة):
 
كان الناس عندما ينتقلون من مكان إلى آخر ويذهبون من قرية إلى أخرى لحضور الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية المختلفة؛ يقوم كبيرهم بإعطاء (العلوم؛ أو العِلَّامة، بكسر العين وتشديد اللام) وعادة ما يتم ذلك بعد وصول القهوة، وعند بداية تناولها مع التمر. والعلوم: نشرة أخبار موجزة عن الزراعة والأمطار والأسعار والأحداث في المنطقة التي قدِم منها الضيف، ويبدؤها عادة بقوله: (علومنا خير) وعندها ينصت الجميع، ويثنِّي بقوله: (من يم كذا) ويسمي المنطقة التي قدِم منها، ثم يتحدث عن الموضوعات التي يود الحديث عنها مثل أسعار السلع، وحالة الزراعة والمراعي والأمطار في منطقتهم، وأهم الأحداث، ويذكر الغرض الذي قدِموا من أجله، مثل إجابة الدعوة، أو يقول: (جيناكم طلابة حسب ونسب) وهذا في حال الخطبة، أو (جينا نسلِّم عليكم ونتخذ بكم عهد)، أو نعزي، أو نبارك في مولود، أو نعود مريضًا، ويسميه. وعندما ينتهي يقول: (هذي علومنا وما عندنا، وسلامتكم). عندها يبدأ كبير المضيفين أو الشيخ أو عريف القرية بالرد، بادئًا غالبًا بقوله: (سالم ولا بنادم، وحياك الله وعلومك)، ثم يتحدث في الموضوعات التي أثارها الضيف فيما يخص قريتهم، وفي النهاية يعيد الترحيب بهم، ويقول: (ما جيتم له حق وصايب، والله يكتب لكم الأجر)، ويختتم بقوله: (هذا ما نرد به في علومكم، وسلامتكم، والله حياكم) أو ما شابه ذلك من عبارات. وفي حالات نادرة يقوم الشاعر الذي يصحب الوفد القادم بتقديم العلوم في قصيدة مثلما فعل الشاعر خُرصان الغامدي من (قرير الطويلة) وذلك في حفل زواج حضر فيه مع أهالي قرية رغدان إلى دوس في زهران:  
 
يا قبايل دوس حنَّا نعلمكم بخير
والصلاة على الرسول
أرضنا رغدان وانحن رجال بني خثيم
واسمنا غامد جميع
أرضنا في خير وبخير ما طاري خلاف
حضرنا والبادية
في المزارع والبساتين ما يشفي اهلها
من حبوب وخضراوات
والنجادى (1) غالية من مية لا ميتين
في البنادر? (2) كلها
والثمن والسبع والتسع في الروس الكبار (3)
هذي اعلوم الديار
والعلوم اللي بعيدة كفى الله شرها
تسمعون كما نحن
غيرها، ما غيرها إلا نسلِّم عالعواني (4)
واللوازم (5) غالية عند بيضان الوجوه
 
معاني الكلمات:
 
(1) النجادى: الغنم النجدية. (2) البنادر: الأسواق. (3) الروس الكبار: الأبقار؛ أي أن أسعارها ثمانمائة وسبعمائة وتسعمائة ريال. (4) العواني: الأصهار. (5) اللوازم: الواجبات تجاه الأرحام.
 
2 - السايرة:
 
وهي مبلغ من المال يقدمه الأصدقاء من قرى مختلفة أو من القرية نفسها للشخص الذي يتزوج أو يزوج أحد أبنائه، وقبل الزواج يقوم صاحب الزواج بإرسال مندوب إلى كل أصدقائه في القرى المختلفة يعلمهم بموعد الزواج ويدعوهم إليه، وعندها يحضر الصديق ومعه مجموعة من الأفراد من أهل قريته، ويتم استقبالهم استقبالاً خاصًا وحافلاً لتتبين للجميع قيمتهم وأهميتهم، وبعد أن يتناول الضيوف القهوة يقوم أكبرهم بتقديم العلوم  ،  ثم يقوم الصديق بتقديم مبلغ من المال أمام الجميع ويقول: (هذه سايرتنا) بمعنى: ما سار عليه أجدادنا وآباؤنا مع أجدادكم وآبائكم، وكانت قديمًا لا تتعدى ريالاً فرنسيًّا، ثم أصبحت ريالين في السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري/الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي، ثم خمسة، وعشرة في الثمانينيات الهجرية/الستينيات الميلادية، وفي التسعينيات الهجرية/السبعينيات الميلادية وصلت إلى مائة ريال، أما في نهاية الربع الأول من القرن الخامس عشر/الحادي والعشرين الميلادي فتختلف من قرية إلى أخرى ومن شخص إلى آخر حسب قدراته المادية، فقد تكون مائة ريال أو مئتين، وقد تكون خمسمائة أو أكثر. وبعضهم يقوم بما يُعرف بـ (السَّوق) أي يسوق خروفًا أو أكثر، أو بعيرًا، وبعضهم يضيف إلى الذبيحة أو الذبائح التي يقدمها بعض (المقاضي) مثل كيس أرز، وصندوق شاي، وكيس سكر... ونحو ذلك، ويُقال إن فلانًا ساق (طليًا وعِلْفَة)، وكلمة (عِلْف) - بكسر العين وتسكين اللام - تعني توابع الذبيحة وما تحتاج إليه عند طبخها وتقديمها للضيوف، وما يصاحب ذلك من تقديم الشاي والقهوة.
شارك المقالة:
34 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook