الاحتفال بالمناسبات الدينية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الاحتفال بالمناسبات الدينية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الاحتفال بالمناسبات الدينية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
أ - دخول رمضان:
 
كان إعلان إثبات دخول شهر رمضان يشكل همًا لسكان القرى قديمًا؛ لعدم وجود إذاعات، ولضعف الاتصالات والمواصلات، ولهذا كان بعضهم يصعد إلى قمة جبل عالٍ، ويبدأ في تحري رؤية الهلال، وإذا رأوه فإنهم إما أن يشعلوا نارًا على قمة ذلك الجبل بحيث يعلم من يراها بدخول الشهر، وإما أن يطلقوا ثلاث رصاصات من إحدى بنادقهم ومن يسمعها يعلم أن الشهر قد دخل ويُعلِم من حوله. وفي أحيان كثيرة يذهب الناس إلى مزارعهم وهم لا يعلمون بدخول الشهر، وفي الضحى يأتيهم مندوب من القرية يعلمهم بدخول الشهر وأن عليهم الإمساك.
 
وكان الكبار في كثير من القرى يفطرون جماعة في فناء المسجد، ويتناوبون على إحضار طعام الإفطار، وهو صحن تمر، وقهوة، وخبزة تُقسم بعدد الحاضرين. وكان كثيرون منهم يتجمعون في فناء المسجد من بعد صلاة العصر إذا لم تكن لديهم أعمال في مزارعهم، ويمارسون لعب (القَطْرَة)  ،  ويتبادلون الأحاديث، وكان لعب (القَطْرَة) يقوي الأواصر بينهم، ويشكل قاسمًا مشتركًا بين الذين يمارسونها. وكان الناس في رمضان وغيره ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة، وكانت صلاة التراويح تتم في وقت قصير، إذ يقرأ معظم الأئمة قصار السور، وسورة الإخلاص في جميع الركعات الثانية. أما السحور فكانوا يستيقظون له على أصوات الديكة، وكان السحور غالبًا عصيدة ولبنًا، أو خبزة ولبنًا.
 
وعندما يأتي شهر رمضان في المواسم الزراعية فإن إيقاع الحياة لا يتغير، ويستمر الفلاحون في ممارسة أعمالهم وهم صائمون مثلما كانوا يفعلون قبل الصيام.
 
ب - عيد الفطر:
 
عيد الفطر من المناسبات القليلة التي تُعد موسمًا للفرح والبهجة للجميع، فالجميع في ذلك اليوم ينطلقون والسرور يملأ قلوبهم بإتمام شهر الصيام، وبالاحتفاء بالعيد، ولهذا فهم يستعدون له قبل حلوله بوقت كافٍ، ومن ذلك شراء الملابس الجديدة لأفراد الأسرة، وكثير من الناس كان ينتظر هذه المناسبة ليملك ثوبًا جديدًا، وكانت النساء والأطفال يعلقون على العيد آمالاً عريضة في شراء الملابس وتلقي (العيديات) من الأقرباء، فقد كان الرجل يقدم لقريباته - مثل أخواته وعماته وبناته اللائي يعشن خارج المنـزل مع أزواجهن - مبلغًا من المال لا يتجاوز ريالاً أو ريالين، ثم تطور إلى خمسة ثم عشرة ثم خمسين، ومائة، وأصبح يتراوح بين مائتين وخمسمائة ريال، وأحيانًا أكثر حسب حالة القريب المادية. وكان الناس يذهبون إلى الأسواق لشراء الأقمشة للنساء، والملابس الجاهزة للرجال.
 
وكانت رؤية هلال شوال تتم بالطريقة نفسها التي تتم بها رؤية هلال رمضان، ويتم الإعلان عن العيد بالمشاعل في رؤوس الجبال (والمشاعل: جمع مشعل، وهو هنا شعلة النار التي تخرج من النباتات وأغصان الشجر عند حرقها)، كما يتم الإعلان عن دخول الشهر بإطلاق الرصاص، أو بهما معًا.
 
وفي يوم العيد يجتمع الرجال في مصلى العيد، وأحيانًا يأتون من عدد من القرى، وبعد الصلاة يتبادلون التحية، ويجتمعون في منـزل واحد لتبادل الحديث وتبادل التهاني بالعيد، وتناول القهوة والشاي، وغالبًا ما يتناولون الطعام في ذلك المنـزل وهو خبزة ومرقة (مسلوقة)، وبعدها يعود الذين أتوا من قرى أخرى في الغالب إلى قراهم. أما أهل القرية فإنهم في ذلك اليوم يقومون بزيارة منازل بعضهم ويتناولون في كل منـزل القهوة والشاي والخبزة والمرقة، وهي أشياء متشابهة ولكن الهدف هو دخول المنـزل ومعايدة أهله، وكانوا يقولون عند الدخول: (العيد مبارك)، ويرد صاحب المنـزل بقوله: (علينا وعليكم يعود ويتبارك)، وعند المغادرة يقولون: (عاد عيدكم)، فيقول صاحب المنـزل: (تعودون له) وبعضهم يضيف: (من السالمين). وكانوا عند الانتقال من القرية الكبيرة إلى القرى الصغيرة التابعة لها يسيرون بعرضة، وقد يطلقون الرصاص في الهواء احتفاءً بالعيد وإظهارًا للفرحة.
 
ج - عيد الأضحى:
 
لا فرق بين كل من عيد الفطر وعيد الأضحى في عملية تحري دخول الشهر، إلا أن عيد الأضحى يكون في اليوم العاشر بعد أداء الركن الأكبر للحج وهو الوقوف بعرفة، ولهذا فإنه يوجد وقت كافٍ لإخبار الناس بيوم العيد، ولا يتم عند رؤية الهلال إيقاد النار على رؤوس الجبال، ولا يتم إطلاق الرصاص لأن الفترة بين دخول الشهر والعيد فترة كافية.
 
وقبل العيد بفترة يختار الناس ضحاياهم، وكانت غالبًا من ذكور الضأن أو المعز، ولكن ذلك لا يمنع من ذبح الإناث السمان عند بعضهم. وكان الناس يقومون بالمراسم نفسها التي يقومون بها في عيد الفطر، من لبس الملابس الجديدة أو النظيفة، وزيارة المنازل وتناول الطعام، وتقديم (العيديات) للقريبات من النساء، والهدايا الرمزية للأطفال. وكان اليوم التالي ليوم العيد - وهو الحادي عشر من ذي الحجة - يُسمى (يوم ذِبَّاح النحورة) وهو اليوم الذي تُذبح فيه الأضاحي، وكان كل شخص بعد أن يسلخ أضحيته (نحرَهُ) يفتح بطنها ويربط الشحوم ويعصبها، ويقومون بتعليق الأضحية في مدخل المنـزل ليراها من يمر بهم، وكان من العادة أن يمر الناس ببعضهم لمشاهدة أضحياتهم، وغالبًا ما يعقدون مقارنة غير مباشرة بينها، وأحيانًا يعلنون ذلك في مجالسهم فيقولون أن أضحية (أو نحر) فلان هي الأفضل، ويُعد هذا وسامًا معنويًّا له ولأسرته. ولعدم وجود الثلاجات كان الناس يقْلِمُون اللحم (بتقطيعه إلى قطع صغيرة وذرِّ الملح عليه، وطبخه إلى ما دون النضح بكثير، ثم يتم إخراجه وإضافة مزيد من الملح عليه لحفظه ويُجفف) ويُسمى هذا اللحم (القليم)، أو يملحونه وينظمونه في حبل من الخوص بشكل يشبه القلادة، وكل مجموعة من اللحم في الحبل الواحد تُسمى (طِفْيَة)، ويضعونه على خشبة يُعلَّق طرفاها في السقف، وتُسمى (الحمَّالة) لأنها تحمل اللحم بعيدًا عن القطط والدواب الأخرى، ويقومون باستهلاكه حسب الحاجة.
 
د - عودة الحجاج:
 
كان الناس في بعض القرى يرافقون الحجاج إلى أن يخرجوا من مشارف القرية، وهناك يودعونهم وداعًا حارًا؛ لأن السفر إلى الحج كان يتم على ظهور الدواب وفي بعض الأحيان مشيًا على الأقدام، وكان الحجاج يقطعون المسافة من منطقة الباحة إلى مكة المكرمة في مدة تراوح بين خمسة أيام وأسبوع، وذلك حسب موقع القرية التي ينطلق منها الحجاج وحسب حمولة الدواب التي معهم، وكانت تهامة أقرب إلى المشاعر المقدسة، وطرقها التي يمر بها الحجاج كانت أقل صعوبة؛ لقلة المرتفعات وكثرة الخبوت والسهول. وكان الحجاج قبل توحيد المملكة على يدي الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يتعرضون للسلب والنهب والقتل والابتزاز من قِبَل قطاع الطرق، وكان عليهم في بعض الأحيان أن يدفعوا مبلغًا من المال لشخص يرافقهم من أهل المنطقة التي يمرون بها ليجيرهم من أهلها ومن كل اعتداء يقع فيها. ولهذا كان الذاهب إلى الحج شبه مفقود والعائد منه شبه مولود، وتبعًا لذلك كان الوداع حارًا وعميقًا فربما لا يشاهد الأقرباء قريبهم الذاهب إلى الحج مرة أخرى.
 
وعندما يحين موعد العودة يبدأ أهل القرية في إقامة مراسم (المدريها) وهي أراجيح يحضر اللعب بها الرجال والنساء والأطفال، وتُردَّد خلاله بعض الأناشيد والأهازيج. وعندما يصل الحجاج يكون جميع أهل القرية في استقبالهم، ويكون اللقاء حارًا ومؤثرًا، وربما انهمرت فيه دموع الفرح من بعض أقرباء العائدين من الحج كما يقول بعض كبار السن. وإذا كان الحاج ميسورًا فإنه يُحضر هدايا وكسوة لأقربائه ولأعيان القرية، مثل العمائم وقطع القماش المختلفة. ويبدأ أقرباء العائد من الحج في إقامة ولائم له وللعائدين من الحج، ويكون ذلك بالتناوب بين أقرباء الحجاج، يليهم من أحضر له الحجاج كسوة أو هدية، وفي المسامرات يتحدث الحجاج عن رحلتهم وما لاقوه فيها من مصاعب ومتاعب، ومن مسرات ومواقف طريفة.
 
شارك المقالة:
53 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook