الاستعارة

الكاتب: رامي -
الاستعارة , تعريف الإستعارة

الاستعارة

الاستعارة لغة رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر ، يقال استعار فلان سهما من كنانته : رفعه وحوّله منها إلى يده.
 
وعلى هذا يصح أن يقال استعار إنسان من آخر شيئا ، بمعنى أن الشيء المستعار قد انتقل من يد المعير إلى المستعير للانتفاع به. ومن ذلك يفهم ضمنا أن عملية الاستعارة لا تتمّ إلا بين متعارفين تجمع بينهما صلة ما.
 
ويؤكد هذا المعنى ويوضحه قول ابن الأثير : «الأصل في الاستعارة المجازية مأخوذ من العارية الحقيقية التي هي ضرب من المعاملة : وهي أن يستعير بعض الناس من بعض شيئا من الأشياء ، ولا يقع ذلك إلا من شخصين بينهما سبب معرفة ما يقتضي استعارة أحدهما من الآخر شيئا ، وإذا لم يكن بينهما سبب معرفة بوجه من الوجوه فلا يستعير أحدهما من الآخر شيئا إذ لا يعرفه حتى يستعير منه. وهذا الحكم جار في استعارة
 
الألفاظ بعضهما من بعض ، فالمشاركة بين اللفظين في نقل المعنى من أحدهما إلى الآخر كالمعرفة بين الشخصين في نقل الشيء المستعار من أحدهما إلى الآخر».
 
ولعلنا نلحظ من ذلك صلة بين المعنى اللغوي أو الحقيقي للاستعارة ومعناها المجازي ، إذ لا يستعار أحد اللفظين للآخر في واقع الأمر إلا إذا كان هناك صلة معنوية تجمع بينهما.
 
وإذا شئنا التعرف على تاريخ «الاستعارة» لدى البلاغيين فإننا نجد الجاحظ «٢٥٥ ه‍» من أوائل من التفتوا إليها وعرّفوها وسمّوها وأفاضوا بعض الشيء في الحديث عنها.
 
فالاستعارة عنده : «هي تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه» ، ورد ذلك التعريف في تعليقه على البيت الثالث من الأبيات التالية :
 
يا دار قد غيّرها بلاها
 
 
كأنما بقلم محاها ..
 
أخربها عمران من بناها
 
وكرّ ممسناها على مغناها
 
وطفقت سحابة تغشاها
 
 
تبكي على عراصها عيناها
 
فقد علق الجاحظ على البيت الثالث هنا بقوله : «وطفقت ، يعني ظلت. تبكي على عراصها عيناها ، عيناها ها هنا للسحاب ، وجعل المطر بكاء من السحاب على طريق الاستعارة ، وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه»
 
 
وكثيرا ما يستعمل الجاحظ في تعليقاته على النصوص عبارات «على التشبيه» : «وعلى المثل» ، «وعلى الاشتقاق» وهو يعني بها الاستعارة أو المجاز بمعناه العام الذي تندرج تحته الاستعارة. وليس في ذلك من غرابة ، فالاستعارة مجاز علاقته المشابهة ، وكلمة التشبيه ترد عند تحليل الاستعارة أو إجرائها ، ثم هي في حقيقتها تشبيه حذف أحد طرفيه.
 
* * *
 
وجاء بعد الجاحظ ابن المعتز «٢٩٦ ه‍» فتحدث عن الاستعارة وعدها أول باب في كتابه «البديع» وأورد لها أمثلة من الكلام البديع من نحو قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) وقوله تعالى أيضا : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ،) وقول الشاعر : «... والصبح بالكوكب الدريّ منحور».
 
وقد علق على هذا الكلام بقوله : «وإنما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها مثل أم الكتاب ، ومثل جناح الذل ، ومثل قول القائل «الفكرة مخ العمل» فلو كان قال «لب العمل» لم يكن بديعا». ومن هذا التعليق يمكن استشفاف مفهوم ابن المعتز للاستعارة.
 
وكما أورد أمثلة شتى للاستعارة البديعة وعلق على بعضها بما يؤكد مفهومه السابق للاستعارة أورد كذلك أمثلة للاستعارة المعيبة في نظره من مثل قول أبي تمام :
 
كلوا الصبر غضا واشربوه فإنكم 
 
أثرتم بعير الظلم والظلم بارك 
 
متى يأتك المقدار لا تك هالكا
 
ولكن زمان غال مثلك هالك
 
* * *
 
ثم نلتقي بعد ابن المعتز بقدامة بن جعفر المتوفي سنة ٣٣٧ للهجرة ، فقد عقد قدامة في كتابه «نقد النثر» بابا للاستعارة تحدث فيه عن الحاجة إليها في كلام العرب ومفهومها عنده ، كما تحدث عن الاستعارة المكنية وإن لم يسمها الاسم الذي عرفت به فيما بعد.
 
فعن الأمرين الأولين يقول قدامة : «وأما الاستعارة فإنما احتيج إليها في كلام العرب لأن ألفاظهم أكثر من معانيهم ، وليس هذا في لسان غير لسانهم ، فهم يعبرون عن المعنى الواحد بعبارات كثيرة ربما كانت مفردة له ، وربما كانت مشتركة بينه وبين غيره ، وربما استعاروا بعض ذلك في موضع بعض على التوسع والمجاز ، فيقولون إذا سأل الرجل الرجل شيئا فبخل به عليه : «لقد بخّله فلان» ، وهو لم يسأله ليبخل وإنما سأله ليعطيه ؛ لكن البخل لمّا ظهر منه عند مسألته إياه ، جاز في توسعهم ومجاز قولهم أن ينسب ذلك إليه.
 
ومنه قول الشاعر : «... فللموت ما تلد الوالدة» ، والوالدة إنما تطلب الولد ليعيش لا ليموت ، لكن لما كان مصيره إلى الموت جاز أن يقال : للموت ولدته» (٢).
 
فالاستعارة في نظر قدامة تتمثل في استعارة بعض الألفاظ في موضع بعض على سبيل التوسع والمجاز.
 
وعن الاستعارة المكنية التي التفت إليها ولم يسمها باسمها
 
الاصطلاحي المعروف يقول : «ومن الاستعارة ما قدمناه من إنطاق الربع وكل ما لا ينطق إذا ظهر من حاله ما يشاكل النطق. ومما جاء من هذا النوع في القرآن قوله : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.) لما جاز أن تحتمل مزيدا من الكافرين حسن أن يقال : قالت وهل من مزيد؟ وكذلك قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ ،) وذلك لما كانتا عن إرادته من غير استصعاب عليه ولا عصيان له ، جاز أن يقال إنهما قالتا أتينا طائعين.
 
وكذلك قوله : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ ،) لما كانت الإرادة من أسباب الفعل وكان وقوع الفعل يتلوها ، جاز لما قد كاد أن يقع وقرب وقوعه ، أن يقال أراد أن يقع.
 
ومثل ذلك قول الشاعر : «... امتلأ الحوض وقال قطني» ، أي لما لم تكن فيه ـ الحوض ـ سعة لغير ما قد وقع فيه من الماء ، جاز على الاستعارة أن يقال : قد قال حسبي ، وهذا شائع في اللغة كثير»
 
وإذا كانت الاستعارة المكنية هي ما حذف فيها المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه فإن في كل من «جهنم ، والسماء ، والأرض ، والحوض» الواردة في الأمثلة السابقة استعارة مكنية حذف في كل منها المشبه به وهو شخص أو إنسان ورمز إليه بشيء من لوازمه هو «النطق والقول».
 
ومن البلاغيين من يسمي هذا النوع من الاستعارة «التشخيص» حيث تمثل فيه المعاني والجمادات إلى أشخاص تكتسب كل صفات الكائنات الحية أيا كانت وتصدر عنها أفعالها.
 
وهم يعدون هذا النوع من أجمل الصور البيانية لما فيه من التشخيص والتجسيد وبث الحياة والحركة في الجمادات وتصوير المعنويات في صورة محسة حية.
 
وبعد فقد عرضنا في مستهل هذا الكتاب وعلى التحديد في مبحث «نشأة علم البيان وتطوره» لتاريخ الاستعارة مبينين كيف نشأ البحث فيها وتطور لدى رجال البلاغة في العصور المختلفة.
 
وليس من قصدنا أن نعيد هنا ما سبق أن ذكرناه عن الاستعارة ، فهذا أمر يمكن الرجوع إليه وتتبعه تاريخيا في مكانه من الكتاب. وإنما القصد أن نلقي مزيدا من الضوء على أوائل من فطنوا إلى الاستعارة وقاموا بالمحاولة الأولى في بحثها ، تلك المحاولة التي التقطها البلاغيون من بعدهم وتوسعوا في دراستها ، حتى وصلت الاستعارة بفضل جهودهم إلى ما وصلت إليه من التفريع والتقسيم.
 
ذلك هو القصد ، وقصد آخر هو أن نتخذ من ذلك مدخلا إلى دراسة الاستعارة دراسة موسعة تعززها الأمثلة والشواهد الكثيرة ، وذلك لأهميتها في باب البيان العربي ، تلك الأهمية التي جعلت إماما من أئمة البلاغة هو عبد القاهر الجرجاني ينظر إليها وإلى المجاز والتشبيه والكناية على أنها عمد الإعجاز وأركانه ، والأقطاب التي تدور البلاغة عليها ، وذلك إذ يقول : «ولم يتعاط أحد من الناس القول في الإعجاز إلا ذكرها ، وجعلها العمد والأركان فيما يوجب الفضل والمزية ، وخصوصا الاستعارة والمجاز ، فإنك تراهم يجعلونهما عنوان ما يذكرون وأول ما يوردون».
شارك المقالة:
367 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook