يُعد درب زبيدة من الطرق البرية العامرة بالمستوطنات الإسلامية منذ فجر الإسلام؛ ولذا فإن استكشاف محطاته واستراحاته من أهم المشروعات الضخمة التي اضطلعت بها الإدارة العامة للآثار والمتاحف، وقد تم مسح درب زبيدة على ستة مواسم بدأت من عام 1395هـ / 1975م إلى عام 1401هـ / 1981م  . 

 

 

لقد كان هدف المسح الأثري هو تحديد مسار الطريق، ومعرفة محطات طريق الحج المصري والشامي الذي يصل بين مصر وسوريا وفلسطين والأردن من جهة، والأراضي المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة من جهة أخرى. وقد تم تسجيل 32 محطةً وموقعًا على طريق الحج الساحلي المصري، و 25 محطةً وموقعًا على الدرب الساحلي بين مكة المكرمة والمدينة المنورة  . ويزخر هذا الطريق بكثير من المنشآت المعمارية مختلفة الأنواع والأغراض؛ من آبار، وبِرَك، وقنوات. وأحواض، وقلاع، ووحدات سكنية. ومن أهم المواقع الأثرية على هذا الطريق: البدع، والمويلح؛ وفيها قلعة قديمة تُعرف باسم قلعة الوكيل، ومقبرة إسلامية، وموقع الأزلم، وعنتر (بركة عنتر)، والرس، وينبع، والجار، وتبوك، والمعظم؛ وهي من المحطات الكبيرة على درب الحج الشامي، وتشتمل على: قلعة قديمة، وبركة، إضافة إلى ثلاثة مبانٍ لسكة الحديد (استراحات ومحطات).ومن المهم أن نعرض لواحد من أهم المواقع الأثرية الواقعة على هذا الطريق، وهو موقع العُلا الذي يوازي موقع الربذة في الأهمية، ويقع في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بين المدينة المنورة وتبوك  .  ويُعد محطة على طريق الحج الشامي، ويشتمل على ثلاثة مواقع أثرية هي: الخريبة، والحجر (مدائن صالح)، والمابيات. ويعود موقع المابيات  (قرح) إلى العصرَين الأموي والعباسي  ،  وهو من أهم المواقع الإسلامية المبكرة في شمال غرب المملكة وأكبرها. وفي عام 1404هـ / 1984م قامت وكالة الآثار والمتاحف بإجراء تنقيبات أثرية في هذا الموقع الذي يشغل مساحة 640كم  ، وأهم ما كشفت عنه التنقيبات هو بقايا مدينة إسلامية محاطة بسور متعرج لـه ثلاث بوابات، ويرتبط بالسور تلٌّ بُني على قمته حصن للمراقبة مشيَّد باللَّبِن والآجر، كما وُجدت معثورات أخرى من أهمها نصف دينار يحمل اسم الخليفة العزيز بالله الفاطمي. ويُجري قسم الآثار بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود تنقيبات أثرية في هذا الموقع، وأسفرت نتائج الحفريات في جزء من موقع مدينة قرح عن وجود آثار معمارية منها أجزاء من السور بعرض 1.6م، وأساسات وجدران لمبانٍ فيها قنوات لمياه الشرب، إضافة إلى نقوش كتابية وملتقطات سطحية، من: أدوات زينة، وأوانٍ معدنية ونحاسية، ومجامر، ومسكوكات، وأوانٍ فخارية وخزفية... وغيرها  . 

 

 

 

كان يوجد طريقان للحجاج والمسافرين القادمين من اليمن عن طريق صنعاء إلى مكة، وهما:

 

1 - طريق صنعاء - مكة الداخلي:

 

وهو من أهم الطرق المفضلة للحجاج اليمنيين، ويسلك هذا الطريق شمال هضبة اليمن، ثم يسير عبر منطقة عسير الجبلية إلى أن يصل إلى إقليم الحجاز، حيث يمر بالطائف، ثم إلى مكة. وعلى الرغم من أن هذا الطريق يجتاز مناطق ذات طبيعة تضاريسية صعبة؛ إلا أنه كان الطريق المفضل للحجاج والمسافرين؛ لأنه يمر عبر أراضٍ خصبة دائمة الخضرة تتوافر فيها المياه، ويكثر الغذاء، وتنمو الخضراوات، فتكون في متناول السكان والحجاج والمسافرين. ووُجدت على هذا الطريق آثار الاستراحات والمستوطنات التي سجَّلها عدد من الرحالة والجغرافيين.

 

2 - طريق صنعاء - مكة الساحلي:

 

وهذا الطريق محاذٍ للبحر الأحمر عبر تهامة، ولم يعطِ الجغرافيون المسلمون معلومات كافية عن المسافة الكلية للطريق، ولا المسافات بين المحطات، وإن كان الحربي قد أعطى وصفًا للطريق مع إضافة بعض المحطات  . 

 

 

 

وهو طريق الحج من البصرة إلى مكة المكرمة، ويبلغ طوله 1200كم، ويُعد واحدًا من أشهر الطرق في الجزيرة العربية، وهو يربط العراق والمشرق الإسلامي بمكة المكرمة والمدينة المنورة. وتقع على امتداد هذا الطريق 27 محطة رئيسة بين البصرة ومكة المكرمة، وتشتمل هذه المحطات - من محطة ضرية حتى محطة أوطاس - على مواقع أثرية تضم آثارًا مختلفة؛ من أساسات مبانٍ، وبِرَك، وآبار. وأحواض، وملتقطات سطحية متناثرة لقطع فخارية وزجاجية وحجرية  . 

 

 

 

تقع على هذا الطريق ستة مواقع أثرية تشير أمكنتها وما تحتويه من سمات معمارية إلى احتمال وجود علاقة بينها وبين طريق الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وتشتمل على حصن متهدم فوق بروز صخري، وعلى بُعد 45كم شمال الموقع يوجد حصن آخر متهدم، وعُثر حوله على خزف عثماني. ويوجد موقع على بُعد 15كم غرب المدينة المنورة فوق قمة جبل يطل على طريق الهجرة، يتكون من منطقة محاطة بالأسوار، ويوجد فيها كثير من نقاط المراقبة، كما يحيط بها بعض المباني التي يُرجَّح أنها مساكن لحامية من الجنود  .  ويُعد طريق الهجرة وما ارتبط به من مواقع من أوائل الأمكنة الأثرية المرتبطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة.وفيما يأتي عرض لنماذج مما يحويه النطاق الجغرافي لمكة المكرمة من مواقع تاريخية وأثرية ترجع إلى الفترات الإسلامية؛ ففضلاً عن البيت الحرام وبئر زمزم والمشاعر الإسلامية المقدسة (عرفات، ومزدلفة، ومنى) فإنها تحتوي على كثير من المساجد القديمة والمباني المهمة مثل: مسجد البيعة، ومسجد بلال رضي الله عنه، وغيرها من المساجد ذات القيمة التاريخية الكبيرة، مثل: مسجد حمزة رضي الله عنه بالمسفلة، ومسجد الخيف بمنى، ومسجد خالد بن الوليد رضي الله عنه، ومسجد التنعيم  .  كما يوجد في مكة عدد من المباني التاريخية المهمة، مثل: مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم  .  ومن المباني التاريخية المهمة أيضًا منـزل السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها  ،  ومنها أيضًا دار الأرقم رضي الله عنه  .  ومن المواقع المهمة غار حراء  وجبل ثور  .  فضلاً عما كان في مكة المكرمة من خانات وحمامات ومكتبات، بالإضافة إلى قلعة أجياد، وقلعة هندي، وقلعة لعلع، وقد شُيِّدت جميعًا في فترات مختلفة من العصر الإسلامي.كما تزخر مكة بالمواقع الكثيرة التي تحوي كتاباتٍ ونقوشًا إسلامية ترجع إلى فترات زمنية مختلفة وتتباين في موضوعاتها، ولعل من أشهر المواقع التي تتضمن كتابات إسلامية في مكة المكرمة وأغناها: مقبرة المعلاة التي تضم ثروة هائلة من النقوش الشاهدية المؤرَّخة  . وبالإضافة إلى ما سبق فإن منطقة مكة المكرمة تشتمل على كثير من مواقع الاستيطان الأخرى، ويتم هنا تناول المواقع القريبة من مدينة مكة المكرمة، لا تلك التي تقع ضمن النطاق الجغرافي لمنطقة مكة المكرمة، ومنها - على سبيل المثال - المواقع الآتية:

 

موقع البرود

 

وهو أكبر موقع أثري على طريق الحج بالقرب من مكة المكرمة إلى الشمال الشرقي منها بنحو 20كم  ،  ويتضمَّن آثار 30 وحدة معمارية ذات وظائف مختلفة، منها: آثار قصر كبير المساحة يتضح من بقايا أساساته أنه مدعَّم بأبراج دائرية وأبراج نصف دائرية، ومنازل سكنية كبيرة، وبركة كبيرة مستطيلة المساحة.

 

موقع أم الضميران

 

يقع على مسافة 15كم شمال غرب قرية سولة الحديثة الواقعة شمال شرق مكة المكرمة بنحو 45كم، وتُعد أم الضميران واحدة من المحطات الكبيرة على درب زبيدة، وتضم: بركتين  ، وقنوات سطحية، وقناة أرضية، ومبانيَ متنوعة، وأساسات، وبقايا أساسات لقلعتين  . 

 

 موقع القصر الملكي

 

يقع القصر الملكي في حي المعابدة (شارع الأبطح)، ويُعد من المباني القديمة بمكة المكرمة، وهو بناء كبير ضخم مكوَّن من دورين، وله بوَّابة تتوسَّط الواجهة الشمالية ومدخلان ثانويان، ويلحق بالقصر برج حربي ناحية الركن الشمالي الشرقي  . 

 

 مواقع السدود

 

تُعد السدود المشيَّدة في محافظة الطائف من أهم أنواع الآثار في الحجاز، وقد تم مسح تسعة سدود، من أقدمها سد الصحابي الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه المؤرَّخ بسنة 58هـ / 678م، كما عُثِر في موقع عين العقرب على ثلاثة سدود  ، وعُثِر حول السد المتوسط على شبكة قنوات، وخزَّان للمياه، ومستوطنة صغيرة، وكِسَر من الفخار.

 

موقع الربذة

 

وهو من المواقع الأثرية المهمة، ويبعد عن المدينة المنورة نحو 200كم إلى الجنوب الشرقي  .  وقد أسفرت التنقيبات الأثرية فيه عن العثور على مقبرة إسلامية في غرب الموقع، وأعداد كبيرة من الآبار المطمورة، وبركة مربعة، وأخرى دائرية، ومسجدين، وحصن، ومعثورات فنية كثيرة مختلفة الأنواع، كثير منها معروض الآن في متحف كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود، والمتحف الوطني بالرياض.

 

يموقع معدن بني سليم (مهد الذهب)

 

يُعد موقع معدن بني سليم (مهد الذهب) من محطات الحج التي ازدهرت في العصر العباسي، ويقع على بُعد 160كم جنوب شرق المدينة المنورة، وتقع المعالم الأثرية فيه على بُعد 3كم من مدينة المهد الحديثة  .  وكشفت أعمال المسح الأثري لهذا الموقع عن آثار لمدينة كبيرة المساحة، وست وحدات معمارية رئيسة، وبركة دائرية في وسط الوادي، وبقايا قصر كبير ملحق به مسجد وحصن صغير، وبقايا أدوات قديمة كانت تُستخدم في معالجة الذهب، وبقايا مساكن للعمال، ونقوش كتابية.

 

 موقع فيد

 

تقع فيد شرق مدينة حائل على بُعد نحو 130كم، وتتركز الآثار الباقية شمال شرق البلدة الحديثة بنحو 1.5كم، ويشتمل الموقع على بقايا حصن فيد (قصر خراش) وحوله عدد من الآبار وبركتان؛ إحداهما مربَّعة، والأخرى مستطيلة، وبعض أجزاء لمطاحن حجرية، وكِسَر فخارية وخزفية، ويرجع هذا الموقع إلى العصر العباسي، إذ وصلت فيد إلى قمة ذروتها السياسية، وإلى درجة عالية عمرانيًا وحضاريًا في تلك الفترة  .