الاشتقاق المحوري أو التأصيلي

الكاتب: رامي -
الاشتقاق المحوري أو التأصيلي

الاشتقاق المحوري أو التأصيلي

المقصود بالاشتقاق المحوري: تتبع استعمالات الجذر، واستخلاص معنًى منها ترجع كلها إليه؛ إما مباشرة، أو بتأويل مقبول .
 
قال ابن جني: الاشتقاق عندي على ضربين: كبير وصغير، فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم، كأن تأخذ أصلًا من الأصول، فتتقَّراه فتجمع بين معانيه، وإن اختلفت صيغه ومبانيه، وذلك كتركيب (س ل م)، فإنك تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه؛ نحو: سلم ويسلم وسالم وسلمان، وسلمى والسلامة، والسليم: اللديغ أطلق عليه تفاؤلًا بالسلامة، وعلى ذلك بقيَّة الباب إذا تأوَّلته، وبقيَّة الأصول غيره، كتركيب (ض ر ب) و (ج ل س) و (ز ب ل) على ما في أيدي الناس من ذلك .
 
وجاءت ملاحظ الاشتقاق التأصيلي متفرقة في أثناء الشرح، ويمكن أن يُعَدَّ تأصيلًا جزئيًّا؛ إذ إن الشراح لم يكونوا يستقصون دوران فروع الجذر اللغوي حول دلالته الأصلية؛ وذلك لأنهم كانوا يهدفون إلى شرح ألفاظ الغريب، لا إلى تتبع دورانها حول دلالتها الأصلية.
 
وقد اتخذ التعبير عن هذا التأصيل طرقًا متميزة في الشرح، وهي:
 
الأولى: تفسير اللفظ الوارد في الحديث تفسيرًا سياقيًّا، ثم النص على دلالته الأصلية بعبارة: (أصل كذا هو كذا)، ثم إيراد بعض الفروع المتولدة من جذر هذا اللفظ، وتفسيرها بما يناسب الدلالة الأصلية المنصوص عليها.
 
مثال ذلك: قال أبو عبيد في الإهلال بالحج: قال الأصمعي وغيره: الإهلال التلبية، وأصل الإهلال: رَفْعُ الصوت، وكل رافع صوته فهو مُهِلٌّ.
 
قال أبو عبيد: وكذلك قول الله تعالى في الذبيحة: ﴿ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 173]: هو ما ذُبِحَ للآلهة، وذلك لأن الذابح يسميها عند الذبح، فذلك هو الإهلال.
 
وقال النابغة الذبياني يذكر دُرَّة أخرجها الغواص من البحر، فقال: (الكامل)
 
أو دُرَّةٌ صَدَفِيَّةٌ غَوَّاصُها بَهِجٌ متى يرها يُهِلُّ ويَسْجُدِ
 
يعني بإهلاله: رفعه صوته بالدعاء والتحميد لله - تبارك وتعالى - إذا رآها، وكذلك الحديث في استهلال الصبي أنه إذا ولد لم يَرِث ولم يُورَث حتى يستهل صارخًا.
 
قال أبو عبيد: فالاستهلال هو الإهلال .
 
الثانية: تفسير اللفظ تفسيرًا سياقيًّا، ثم الإتيان بمصدره، والتصريح بالدلالة الأصلية لهذا المصدر، ثم سرد بعض فروع هذا المصدر، وتفسيرها بما يوافق الدلالة الأصلية التي ذكرت.
 
ومثال ذلك: ما ذكره ابن قتيبة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم "أنَّه كان يصلِّي الهجير التي يُسَمُّونها الأولى حين تَدْحض الشمس".
 
فقوله: حين تدحض الشمس يعني تزول، وأصل الدَّحض الزَّلَق، يقال: دَحَض يدحَض دَحْضًا إذا زَلِق، وجعل الشمس تُدحض؛ لأنها لا تزال ترتفع من لَدُن تطلع إلى أنْ تصيرَ في كَبِد السماء، ثم تنحط عن الكبد للزوال، فكأنها تزلق في ذلك الوقت، فلا تزال في انْحِطاط حتى تغرب.
 
ومن ذلك قول معاوية لعمرو بن العاص حين ذكر له ما رواه عبدالله ابنه عن قول النبي لعمَّار: (تقتلك الفِئةُ الباغية): لا تزال تأتينا بهَنَة تدحض بها في نَوْلك، أنحن قتلناه؟ إنما قتَله الذي جاء به .
 
الثالثة: تفسير اللفظ التفسير السياقي، ثم إيراد بعض الفروع المنتمية إلى نفس الجذر اللغوي للفظ المشروح، وتفسير دلالتها جميعًا تفسيرًا واحدًا، مما يعني اشتراكها في دلالة أصلية واحدة، تدور في فلكها سائر دلالات فروع هذا الجذر اللغوي دون النص على الدلالة الأصلية.
 
مثال ذلك: ما ذكره الحربي: جَاءَ كَعْبٌ إِلَى عُمَرَ فاسْتَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ مُصْحَفًا قَدْ تَشَرَّمَتْ حَوَاشِيهِ، فَقَالَ: فِي هَذِهِ التَّوْرَاةُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا التَّوْرَاةُ فَاقْرَأْهَا .
 
وقال: عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَفَعَ رياطُ الحَرْبَةَ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ أَبْرَهَةَ، فَوَقَعَتْ عَلَى جَبِيَنه، فَشَرَمَتْ عَيْنَهُ وَأَنْفَهُ وَشَفَتَهُ .
 
قَولُه: تَشَرَّمَتْ حَوَاشِيهِ، يَقُولُ: تَقَطّعَتْ، وَأصْلُهُ القَطْعُ فِي الأرْنَبِة والأَنْفِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبْرَهَةُ الأَشْرَمَ، والشَّرْمَ: لُجَّةُ البَحْرِ .
 
وقد امتلأت كتب غريب الحديث موضع البحث بهذه الطرق، وسأقوم - إن شاء الله تعالى - بعرضها من خلال الشرح.
 
شارك المقالة:
247 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook