الاضطرابات القلبية الحاصلة خلال الحمل.

تعدّ أمراض القلب والأوعية في أثناء الحمل خطراً لا يمكن السيطرة عليه أحياناً، وقد قلَّت مصادفتها عما كانت عليه في العقود الخمسة السابقة بفضل القدرة على السيطرة على فوعة العقديات Streptococcaceae المسببة للرثية المفصلية بما وجد في الساحة الطبية من الصادات الحيوية الفعالة أدت إلى انحسار الآفات القلبية الناجمة عن الرثية المفصلية والتهاب اللوزتين في بعض البلدان المتقدمة، ولكنها مازالت ترى في الأقطار النامية.

يمكن إيجاز أنواع أمراض القلب بما يلي:

1 ـ أمراض القلب الرثوية المنشأ.

2 ـ تشوهات القلب الخلقية.

3 ـ أمراض القلب التالية لارتفاع الضغط الشرياني.

4 ـ أمراض القلب الناجمة عن إصابة الأوعية الإكليلية.

5 ـ أمراض القلب الناجمة عن فرط نشاط الدرق.

6 ـ أمراض القلب من منشأ مناعي.

7 ـ أمراض القلب الناجمة عن آفة رئوية.

8 ـ أمراض القلب الناجمة عن الزهري.

علماً أن أمراض القلب الخلقية أصبحت تحتل الصدارة في البلدان المتقدمة.

تبدلات جهاز الدوران الفيزيولوجية في أثناء الحمل

يزداد حجم الدم داخل الأوعية في أثناء الحمل بتأثير الهرمونات المشيمية كالإستروجين الحابس للماء بنسبة 40%، ويزيد بذلك العبء على القلب الأيسر، والمشيمة المؤلفة من آلاف الاتصالات الشريانية الوريدية تؤدي كذلك إلى إجهاد القلب وضعفه، والبروجسترون المفرز من المشيمة يعمل بالمقابل على توسيع الأوعية المحيطية الشريانية والوريدية.

إن القلب السليم قادر على تحمل هذه التغيرات الفيزيولوجية ومجاراتها، ولكن القلب المريض وبحسب شدة المرض لا يتمكن من مجاراتها؛ مما قد يؤدي إلى استرخاء القلب الحاد ذي الإنذار السيئ إن لم يُتدبر الأمر بسرعة.

وأكثر الآفات القلبية مشاهدة في الحوامل هي الآفات الدسامية من منشأ رثوي، وتصيب غالباً الدسام التاجي؛ وأقل من ذلك الدسام مثلث الشرف أو الدسام الأبهري، وتتظاهر بتضيق الدسام التاجي أو بقصوره أو بالتضيق والقصور معاً؛ وهو ما يعرف بالداء التاجي.

الأعراض والعلامات والتشخيص

تتظاهر أمراض القلب بالشعور بالتعب حين الجهد وبالخفقان وضيق التنفس مع تسرع النبض.

إن تشخيص الآفات الدسامية أصعب في الحامل مما هو في غير الحامل، والسبب في ذلك أن الحمل الطبيعي قد تصاحبه نفخة انقباضية فيزيولوجية تزول بزوال الحمل. كما أن الرحم الحامل التي ترفع الحجاب الحاجز تؤدي إلى ارتفاع موضع القلب وتسطحه مع ضيق التنفس الذي هو شكاية شائعة في الحوامل؛ ولاسيما في أشهر الحمل الأخيرة. وعلى هذا فكثيرة هي الحالات التي تشخص فيها آفة قلبية مع أنها ليست إلا تغيرات فيزيولوجية تتراجع بعد الولادة. ولذلك اعتمد وجود أحد المظاهر التالية للقول بوجود آفة قلبية:

1 ـ سماع نفخة انقباضية أو ما قبل الانبساطية أو نفخة مستمرة.

2 ـ ضخامة قلبية غير متناسقة.

3 ـ نفخة انقباضية عالية يرافقها هرير thrill.

4 ـ اضطراب ضربات القلب اضطراباً شديداً .

تصنيف المرض

صنفت جمعية نيويورك لأمراض القلب درجات المرض كالتالي:

 ـ الدرجة الأولى I: يكون المريض فيها مرتاحاً وقادراً على القيام بالأعمال الفيزيائية دون الشعور بعرض ما يحد من نشاطه.

 ـ الدرجة الثانية II: لا يشعر المريض بعرض ما إذا كان مرتاحاً؛ ولكن تنتابه حين القيام بجهد فيزيائي متعب بعض الأعراض كالخفقان وضيق التنفس وتسرع القلب.

 ـ الدرجة الثالثة III: تبدو فيها الأعراض القلبية حين يقوم بأي جهد فيزيائي مهما صغر.

  ـ الدرجة الرابعة IV: تتظاهر فيها الأعراض القلبية حتى لو كان المريض مضطجعاً في سريره. وهذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة من استرخاء القلب غير المعاوض.

التدبير

1 ـ التدبير في أثناء الحمل: يختلف التدبير باختلاف شدة الآفة القلبية، وعلى العموم يجب الإخلاد إلى الراحة في السرير مدة لا تقل عن ثماني ساعات في الأربع والعشرين ساعة، والابتعاد عن القيام بالجهود الفيزيائية والأعمال التي تحتاج إلى القدرة العضلية. وإذا كانت المريضة مصابة بفقر الدم فمن الواجب معالجته؛ لأن فقر الدم نفسه يعدّ عاملاً مؤهباً لاسترخاء القلب في أثناء الحمل. كما يجب فحص البول فحصاً دورياً للتأكد من عدم وجود خمج بولي قد يؤهب لاسترخاء القلب والتهاب الشغاف. وينصح بإعطاء البنسلين الطويل التأثير بمقدار 1.200.000 وحدة كل أسبوعين في الآفات القلبية الرثوية. ويجب الابتعاد عن تناول الطعام الغني بالملح لتفادي حبس الماء وزيادة العبء على القلب، ويراقب وزن الحامل والعمل على ألا يزيد الوزن على 10 ـ12كغ في أثناء الحمل.

2 ـ التدبير في أثناء المخاض: دور المخاض من أخطر الأدوار التي تهدد حياة الماخض المصابة بآفة قلبية؛ لذا يجب أن تتم الولادة في المستشفى تحت رقابة شديدة من فريق طبي قادر على تقديم العون اللازم حين حدوث طارئ ما.

توضع الماخض في السرير ورأسها وصدرها أعلى من جذعها والجزء السفلي من جسمها، ويفتح وريد يسرّب به المصل السكري يستعمل لإدخال الأدوية حين الضرورة. يراقب الضغط الشرياني والنبض، ويُعمل على تقصير دور الماخض ما أمكن  ـولا سيما دورالانقذاف ـ باستعمال ملقط الجنين حين تمام الاتساع وتدخل الرأس للإقلال من الجهد المبذول، كما يجب تخفيف الألم بإعطاء المسكنات، وقد يُعمد إلى التخدير فوق الجافية على نحو مستمر.

كما يجب الحذر من هبوط الضغط الشرياني الشديد؛ لأن ذلك يهدد الحياة، وقد يكون مميتاً.

ويجب الانتباه لعدم إعطاء السوائل  ـولا سيما الملحية ـ في أثناء المخاض مع مراقبة حجم السوائل المعطاة وحجم البول المطروح.

ولا مكان للعملية القيصرية في التدبير إلا حين وجود استطباب ولادي كالمجيء المعترض أو ارتكاز المشيمة المعيب أو انسدال السرر.

3 ـ التدبير في عواقب الولادة والنفاس: بعد ولادة المشيمة والملحقات والتأكد من عدم وجود تمزق في السبيل التناسلي وتشكل كرة الأمان يرجع الطرفان السفليان؛ ليكونا على مستوى الجسم، ويجرى هذا العمل ببطء خوفاً من هجوم دم الطرفين السفليين الفجائي نحو القلب الذي قد يكون السبب في استرخاء القلب الحاد، إضافة إلى أن العود الوريدي يزداد بعد تصغر كتلة الرحم؛ لذلك يفضل أن يبقى رأس الماخض وجذعها أعلى قليلاً من جسدها، وأن تبقى النفساء تحت المراقبة مدة لا تقل عن ساعتين لكشف أي عرض من أعراض استرخاء القلب. وينصح بإعطاء الصادات مدة 7 ـ10 أيام بعد الولادة وقاية من الإنتان النفاسي والتهاب الشغاف.

4 ـ تدبير استرخاء القلب الحاد: يعطى «الديجيتال» بطريق الوريد، وتعطى المدرات والمورفين أو ما يشبهه لتهدئة المريضة، وقد يضطر لاستعمال الأكسجين عبر الأنبوب الأنفي أو خيمة الأكسجين، علماً أن من أوائل علامات استرخاء القلب تسرع النبض والتعطش للهواء والقلق والتعرق البارد والخراخر الرطبة في قاعدة الرئتين والسعال الممزوج بنفث الدم وأخيراً هبوط الضغط الشرياني هبوطاً مفاجئاً إذا لم تقدم للمريضة المساعدة الطبية اللازمة.

تنظيم الأسرة وأمراض القلب

ينصح بعدم الحمل في الحالات المتقدمة من أمراض القلب (استرخاء القلب)، وإن حدث الحمل يفكر بالإجهاض الدوائي بقرار من الطبيب الاختصاصي بأمراض القلب. ولا يجوز استعمال مانعات الحمل الهرمونية، بل يفضل استعمال اللوالب الرحمية أو العازل المطاطي.