الاعتبار بانقضاء الأعمار بمناسبة انقضاء العام الهجري

الكاتب: المدير -
الاعتبار بانقضاء الأعمار بمناسبة انقضاء العام الهجري
"الاعتبار بانقضاء الأعمار
بمناسبة انقضاء العام الهجري

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

فها هو عام هجري ينقضي وعام جديد يشرق علينا وعلى الأمة الإسلامية، نسأل الله أن يجعله عام نصر وتمكين للإسلام والمسلمين.

 

أيها الأحبة الكرام:

محاسبة النفس ليست خاصة بنهاية العام، بل ينبغي أن نحاسب أنفسنا في كل يوم، ولكن انقضاء الأعوام يذكر بانتهاء العمر فهو عبرة لأُلي الأبصار وتذكير بفناء الأعمار، ودنو الآجال، وانقطاع الأعمال، قال سبحانه: ? وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ? [الفرقان: 62].

 

فالعاقل من حاسب نفسه وجاهدها، واستعد للقاء ربه بالاستقامة على دينه، فالدنيا دار عبور، ومحطة تزود للآخرة، سرعان ما تنقضي وكلما انقضى منها يوم فهو خطوة إلى القبر نمشيها.

 

إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالْأَيَّامِ نَقْعَطُهَا
وَكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الْأَجَلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا
فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرَانُ فِي الْعَمَلِ

 

يقول الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ? [لقمان: 33]

 

في انقضاء السنين تذكرة بحقارة الدنيا الفانية، فأين من تجبروا وتكبروا فيها، وأين من عمروا، وطالت أعمارهم، واراهم الثرى، ولم تبق إلا أعمالهم.

 

كم من أناس عاشوا بيننا وماتوا أمامنا، فارقوا الدنيا وبقينا، وغدًا نفارقها مثلهم، تخطانا ملك الموت إلى غيرنا، وغدا يتخطى غيرنا إلينا.

 

قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وللأمة كلها: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ [أخرجه البخاري ].

 

كم من أناس ماتوا قبلنا كانت لهم آمال كآمالنا ولكنهم لم يحققوها، بل باغتهم الأجل وفاجأهم هادم اللذات ومفرق الجماعات.

 

وتلك سنة الله في خلقه، فلا مفر من هذا المصير المحتوم، والأجل الموعود.

 

تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ
أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا

 

قال سبحانه: ? فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ? [الأعراف: 34]

 

أيها الإخوة الكرام:

ومن لم يغتنم عمره ندم عند بلوغ أجله وهناك لا ينفع الندم ولا تجدي الحسرات كما قال سبحانه: ? حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ? [المؤمنون: 99، 100].

 

هؤلاء الذين لا يستعدون للنهاية، ولا يتزودون للآخرة، يقضون حياتهم في اللهو واللعب، سيعلمون يوم القيامة أن دنياهم كانت قصيرة كأنها حلم في منام، وكأنها كساعة مضت من نهار كما أخبر سبحانه في قوله: ? فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أو لُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ? [الأحقاف: 35].

 

فهذا هو حال الدنيا وهذا هو عمر الإنسان.

 

لا تَأْسَفَنَّ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا
فَالمَوْتُ لا شَكَّ يُفْنِيْنَا وَيُفْنِيْهَا
وَمَنْ يَكُنْ هَمُّهُ الدُّنْيَا لِيَجْمَعَهَا
فَسَوْفَ يَوْمًا عَلَى رَغْمٍ يُخَلِّيْهَا
لا تَشْبَعُ النَّفْسُ مِنْ دُنْيَا تُجَمِّعُهَا
وَبُلَغَةٌ مِنْ قِوَامِ العِيْشِ تَكْفِيْهَا
اعمل لِدَارِ البَقَا رِضْوَانُ خَازنُهَا
الجَارُ أحْمِدُ والرَّحمنُ بَانِيْهَا

 

أيها الإخوة الكرام:

إن الموفق من ينتهي عمره ولا تتوقف حسناته، لأنه ترك له أثرًا دائمًا من عمل صالح يجري له بعد الموت، من عِلم أو صدقة أو ولد صالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: « إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له »؛ رواه مسلم.

 

فماذا أعددت أخي الكريم من هذه الأعمال ليجري عليك أجرك.

فعمرك رأس مالك، وهو مزرعتك للآخرة، فزد في عملك في كل يوم فإن أجلك ينقص.

 

قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي.


وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ابن آدم! إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم ذهب بعضك. ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ ولدتك أمك.


فوقت الإنسان وعمره أغلى من الذهب، ولذلك كان الصالحون أحرص على أوقاتهم من حرصهم على أموالهم.

قال الحسن: أدركت أقوامًا كان أحدهم أشحّ على عمره منه على درهمه.



نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل وحسن الخاتمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook