التبدلات الحاصلة خلال الحمل

الكاتب: د. ايمان شبارة -
التبدلات الحاصلة خلال الحمل.

التبدلات الحاصلة خلال الحمل.

تحدث في أسابيع الحمل المتتالية تبدلات كبيرة في فيزيولوجية المرأة تهدف إلى توفير المُغذيات التي يحتاج إليها الجنين للنمو والتي تحتاج إليها الأم لتقدر على متابعة الحمل والمخاض والإرضاع. تحدث معظم هذه التبدلات قبلما تتزايد متطلبات الجنين وهذا نتيجة لأن الأرومة الغاذية trophoblast المشيمية هي المُنظّم الرئيس لهذه العملية. تقوم هذه الأرومة الغاذية العالية النشاط بنقل هذه المواد الموفورة في دورة الأم الدموية إلى الجنين، مثل البروتين والڤيتامينات، وتقوم بتحويل مواد أخرى وتصنيعها، كما تُعيد مواد تزيد على حاجة الجنين إلى الدورة الدموية الوالدية مثل الإستروجين والبروجسترون. يتمّ توفير كل هذه المواد الكيمياوية الضرورية من دم الأم، ولكي يتمّ توفير هذه المواد وتبادلها بمقادير كافية يحدث هدوء وبطءٌ في الدوران الدموي في هذه المنطقة. ويشمل هذا الهدوء الحاملَ كلياً مما يمكّنها من الحفاظ على طاقتها وهو ما يتظاهر على شكل تَفَشُّغ plethora وهدوءٍ وبطءٍ في الحركة وهي الصورة المدرسية للحامل. وفيما يلي التبدلات المختلفة في أجهزة الحامل.

1 ـ التبدلات الهرمونية

تقوم المشيمة  ـ في مدة أيامٍ من انغراس البيضة الملقحة في الغشاء الساقط  decidua ـ بتصنيع وإحصاف elaboration  الهرمونات وعلى رأسها موجهة الغدد التناسلية المشيمائية chorionic gonadotrophin (HCG) ومُحفِّز الإلبان البشري المشيمي human placental lactogen (HPL)  وهما هرمونان فريدان وخاصّان بالحمل، وكذلك الستيروئيدات الجنسية والإستروجينات والبروجستوجينات. يمكن كشف هذه الهرمونات منذ الأيام الأولى للحمل وتفيد في كشف الحمل المبكر ولها معايرات معروفة تفيد في تقييم حُسن سير الحمل  أو خلله.

2 ـ التبدلات في بقية الغدد

تقوم بقية غدد الجسم بنشاطات مماثلة تهدف كلها إلى توفير النمو الطبيعي للجنين؛ مثل النخامية pituitary gland بفصيها الأمامي والخلفي والكظرين adrenal glands والدرقية thyroid، ولا يوجد دليل يدعم دور الدرقية في تطور بعض ملامح الحمل الطبيعي مثل زيادة معدل الاستقلاب الأساسي basal metabolic rate وحرارة الجسم ومعدل دقات القلب.  وحدثت وما زالت تحدث تطورات جديدة واكتشافات في التبدلات الصماوية مثل ازدياد تركيز البرولاكتين بصورة واضحة، وتثبّط هرمون النمو البشري HGH، وتطور مقاومة الأنسولين، وازدياد وظيفة الدرقية ازدياداً طفيفاً، وتعزّز انتقال الكلسيوم عبر المشيمة، وازدياد تركيز الكورتيكوستيرويد وغير ذلك.

 3 ـ التبدلات الجهازية

تشمل استتباب الحجم volume homeostasis. إن احتباس السوائل هو واحد من أكثر التبدلات الجهازية في الحمل الطبيعي، إذ يحتبس الجسم 8 إلى 10كغ من السوائل من أصل متوسط زيادة وزن الحامل والمقدّر بـ 11 إلى 13كغ. ينجم معظم هذا عن ازدياد حجم البلازما وهو ضروري لتوفير الزيادة في النِتاج القلبي وفي جريان الدم الكلوي. ويؤدي أي انخفاضٍ في هذه الزيادة إلى مضاعفاتٍ مثل تقييد النمو داخل الرحم intrauterine growth restriction، ومقدمة الارتعاج pre ـeclampsia.

4 ـ تبدلات الجهاز التناسلي

ينجم عن ازدياد الهرمونات وتنبيهها للجهاز التناسلي نمو مفرط في الألياف العضلية للرحم بمقدار خمس عشرة مرة، يزداد وزن الرحم من 50 غراماً قبل الحمل إلى الكيلو غرام في نهايته. يتمّ ذلك بفرط تنسّج عضلات الرحم وبتضخمها في بداية الحمل ثم بتمددها وتمطّطها كلما نما الجنين وكَبُرَ. كذلك ينتفخ عنق الرحم ويلين وتؤثر البروستاغلاندينات في ألياف العنق الكولاجينية ولاسيما في أسابيع الحمل الأخيرة مما يسهّل امّحاء العنق واتساعه في أثناء المخاض. كذلك تسمك ظِهارة المهبل وتتضخّم عضلاته ونُسجُه الضامّة المحيطة به لتُمكّن الجنين من المرور في أثناء الولادة بسلام. وتحدث تبدلات مهمة في أنسجة الثدي فتترسب الدهون حول النسيج الغدي ويزداد عدد القنوات الغدية بتأثير الإستروجين في حين يعمل البروجسترون وكذلك اللاكتوجين المشيمي البشري على زيادة عدد أسناخ الغدد. على الرغم من ازدياد تركيز البرولاكتين المصلي طوال الحمل فإن ذلك لا يؤدي إلى درّ اللبن بسبب معاكسة الإستروجين لتأثيره في مستوى المستقبِلات السنخية alveolar receptors. إن الهبوط السريع للإستروجين في الـ 48 ساعة بعد الولادة هو الذي يزيل تثبيط الإستروجين لفعل البرولاكتين المُدرّ للبن، كذلك يعزز المص الباكر والمتكرر درّ اللبن بتنبيه النخامية الأمامية وكذلك بتنبيه النخامية الخلفية لإطلاق الأوكسيتوسين.

5 ـ تبدلات الجهاز القلبي الوعائي

يزداد حجم الدم ليواكب الزيادة الحاصلة في الحيّز داخل الوعائي بنمو المشيمة والأوعية الدموية. يزداد حجم البلازما بنسبة 50 بالمئة عما قبل الحمل، أما حجم الكريات الحمر فيزداد فقط بنسبة 30 بالمئة وذلك بازدياد تصنيع هذه الكريات. وبما أن ازدياد الكريات أقلّ من ازدياد حجم البلازما فهذا يعني أن هناك تمدداً حقيقياً في الدم ونقصاً في عدد الكريات الحمر وهو ما كان يدعى بفقر الدم الفيزيولوجي الحملي. ونتيجة لذلك يزداد نِتاج القلب تدريجياً بنسبة 30 إلى 50 بالمئة (من متوسط أقل من خمسة لترات في الدقيقة قبل الحمل إلى سبعة لترات في الدقيقة في الأسبوع 20 من الحمل). تتوازن هذه الزيادة بتناقص مقاومة الأوعية الدموية المحيطية بفعل هرمونات الإستروجين والبروجسترون، كما يلاحظ انخفاض في الضغط الشرياني في معظم فترة الحمل ويكون الانخفاض في ضغط الدم الانبساطي أكثر وضوحاً من الانخفاض في الضغط الانقباضي. كذلك تتوسع الأوردة وتنتبج ولاسيما في الأطراف السفلية بسبب ضغط الرحم الحامل عليها. يزداد جريان الدم إلى كل الأعضاء ولكن أكبر زيادة هي التي  تتلقاها الرحم (من 75 ميلي لتر في الدقيقة في بداية الحمل إلى 500 ميلي لتر في الدقيقة في نهايته).  

6 ـ تبدلات السبيل البولي والوظيفة الكلوية

يؤدي ارتخاء العضلات المُلس إلى توسّع أو مَوَه الكلى hydronephrosis في معظم  الحوامل (97%) في الأثلوث الثالث للحمل، وهو ما يؤهب للإصابة بعدوى السبيل البولي الصاعد وهو من مضاعفات الحمل المهمة والشائعة. كذلك يزداد معدل الترشيح الكُببي glomerular filtration rate بنحو 50%، وعليه تنخفض تركيزات العديد من المواد في البلازما مثل اليوريا والكرياتينين.

7 ـ التبدلات الصُمّاوية

مازال فهم هذه التبدلات غير مكتمل، فقد لوحظ أن العديد من الهرمونات الببتيدية والستيروئيدية التي تفرز من الغدد الصُّمّ في حالة غير الحامل تنتج أيضاً من أنسجة الرحم الحامل، وتمارس فعلها بطريقة غير مباشرة بتآثرها مع السيتوكينات cytokines والكيموكينات chemokines بصورة معقدة في البشر. 

يمكننا الخلوص إلى أن التبدلات والتلاؤمات التي تطرأ على جسم الحامل وعلى غددها وأخلاطها وعلى نفسيتها تهدف كلها إلى نمو الجنين نمواً صحياً وسليماً مع وقايته من كل الأخطار المحتملة التي قد يتعرض لها داخل الرحم مثل الأخماجinfections . وإن أي اضطرابٍ في هذه الآليات قد يُعرّض الجنين لمخاطر عديدة كثيراً ما يمكن الوقاية منها بالمراقبة الطبية الواعية.

شارك المقالة:
109 مشاهدة
المراجع +

arab-ency.com.sy

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook