التجارة بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التجارة بالرياض في المملكة العربية السعودية

التجارة بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 

لمحة تاريخية

 
تشير كثير من المصادر التاريخية والاجتماعية والجغرافية عن منطقة الرياض إلى أنه على الرغم من قلة الموارد الاقتصادية، فقد استطاع السكان أن يتعاملوا مع شظف العيش وصعوبة الحياة باستغلال ما هو متوافر من الموارد المحدودة التي كان يتمثل أهمها في زراعة ما يحتاجون إليه من طعام ورعي الأغنام والإبل تحت رحمة الله بتوافر المياه الكافية التي تعتمد على موسم الأمطار. إذ عانت منطقة الرياض من سنوات الجدب والقحط الذي يؤثر بدوره على معيشة السكان تأثيرًا بالغًا. وقد اعتمد السكان في توفير احتياجاتهم على التجارة بمقايضة ما ينتجونه من مزروعات أو مصنوعات مقابل ما يحتاجونه؛ ولعل أبرز الأمثلة هو مقايضة البر والتمر بما يجلبه أهل البادية من سمنٍ وأقطٍ، كما اعتمد السكان في القرى على مقايضة الخدمات، إذ اعتاد الرجال والنساء على مساعدة غيرهم في أوقات الحصاد مقابل مساعدتهم في حصاد مزروعاتهم، ولهذا فقد كان الاعتماد على الحرف الأولية والمهن التقليدية في استجابة للاحتياجات المحلية المحدودة، وكانت الصناعات بسيطة تتمثل في صناعة المنسوجات الصوفية؛ العباءات والبُسُط والسجاد، وصناعة الأواني الفخارية، وتعدين الأحجار لعمل طواحين الغلال الحجرية، وصناعة السِّلال والقفاف والمراوح اليدوية والأقفاص المصنوعة من جريد النخل وسعفه، وصناعة الحبال من ألياف النخل والصناعات الخشبية من جذوع النخيل أو الأثل لصنع الأبواب والنوافذ والسروج والسواني، والصناعات الجلدية، والصناعات النحاسية مثل الدلال المزخرفة والقدور وبعض الأواني المنـزلية، وصناعة الحلي من الذهب والفضة، والصناعات الحديدية مثل الأدوات الزراعية كالمساحي والمناسيف والفواريع والمحاش، وصناعة الأسلحة مثل السيوف والخناجر. والنشاط التجاري لا ينمو بمعزل عن غيره من الأنشطة؛ لأن التجارة وسيلة تسويق الإنتاج الزراعي والصناعي، كما أنها وسيلة توفير الخامات والسلع الوسيطة.
 
وفي ظل هذه الظروف تركزت المعاملات المتبادلة في ذلك الوقت على المنتجات المحلية، وما يجلب من سلع مختلفة من الخارج، وهي مبادلات محدودة بطبيعتها تبعًا لتأثر الأنشطة بواقع الاكتفاء الذاتي وانعكاس ذلك على الاحتياجات الإنتاجية والطلب على السلع، ثم لصعوبة المواصلات ومشكلات الأمن وانعزال المناطق في الداخل بعضها عن بعض وكذلك عن الخارج. أما التعامل المالي فكان يتم بعملات أجنبية (ذهبية وفضية)، وكانت العملات المتداولة غير موحدة وتختلف من منطقة إلى أخرى تبعًا لاتصالاتها الجغرافية والتجارية والسياسية، ولما كان تداولها يتم على أساس قيمتها بوصفها معدنًا، فقد كانت أسعارها كثيرة التذبذب بفعل التغير المستمر في أسعار معدني الذهب والفضة مسببة خسائر للمتعاملين بها  
 
كان استيراد المواد الغذائية من الخارج قليلاً، وقد عانت البلاد بصفة عامة - ومنطقة الرياض خصوصًا - سوء الأحوال المعيشية وقسوتها، فالقوت الرئيس هو التمر والحليب، ويأتي من بعده البر، أما الأرز فقد لا يوجد بصورة ميسرة إلا عند عدد قليل من الناس، وفي السنوات التي تحدث فيها مجاعة لا يجد الناس من الغذاء سوى التمر القليل، وقد ينعدم عند الطبقة الفقيرة، فتضطر تحت هذه الظروف إلى أكل أوراق بعض أنواع الشجر.
 
ولما وقعت الحرب العالمية الثانية وامتدت من 1359 - 1364هـ / 1940 - 1945م، تأثرت الواردات من الخارج، كما تأثرت موارد الدولة لنقص أعداد الحجاج وتوقف تصدير النفط، وحدث نقص في بعض المواد الغذائية، فعمد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى افتتاح مراكز تموين في بعض المدن الكبيرة لبيع تلك المواد بأسعار التكلفة لضمان عدم استغلال الظروف والمغالاة في الأسعار خصوصًا في الحجاز حيث موسم الحج وتوافد الحجاج  
 

أبرز التطورات

 
مع التزايد في حركة النشاط التجاري في المملكة منذ توحيدها؛ تلك الحركة المرتبطة بزيادة موارد الدولة وزيادة الدخل المالي، كان لزامًا أن تصدر التعليمات والأنظمة لتنظيم هذا القطاع، وكان أول الأنظمة صدورًا هو نظام السجل التجاري، تلاه مجموعة من الأنظمة مثل: نظام الشركات، وأنظمة المهن الحرة، ومع تزايد حركة التبادل التجاري مع الخارج صدرت أنظمة الوكالات التجارية، والعلامات التجارية، ثم نظام حماية المستهلك، ونظام مكافحة الغش التجاري، ونظام التحكيم، ونظام التسوية الواقية من الإفلاس، ونظام التستر التجاري، ونظام الأوراق التجارية، وهذه الأنظمة وغيرها، مما ينظم المبادلات والتعاملات التجارية، انعكست على الواقع التجاري لمنطقة الرياض وللمملكة إجمالاً، فنشطت الحياة التجارية وانتظمت وتطورت بشكل كبير.
 

نظام السجل التجاري

 
يعد نظام السجل التجاري من أبرز التنظيمات الإدارية في المجال التجاري، إذ يستلزم من كل فرد أو مؤسسة تريد مباشرة الأعمال التجارية الحصول على ترخيص للسجل التجاري، يوضح فيها النشاط أو الأنشطة المسموح لصاحب هذا السجل بمزاولتها وفق الأنظمة والتعليمات، وقد صدر هذا النظام بموجب الأمر السامي رقم 21 / 1 / 4470 وتاريخ 9 / 11 / 1375هـ الموافق 18 / 6 / 1956م.
 
ونظرًا للتغيرات الاقتصادية والنمو المطرد في أعداد المؤسسات والشركات، فقد صدر نظام السجل التجاري الجديد بتاريخ 21 / 2 / 1416هـ الموافق 20 / 7 / 1995م الذي بموجبه أُلْغِيَ النظام السابق للسجل التجاري، وفي نطاق تطور القطاع التجاري وتنظيمه في المملكة، فقد صدر أيضًا نظام الأسماء التجارية، بموجب المرسوم الملكي رقم م / 15 وتاريخ 12 / 8 / 1420هـ الموافق 21 / 11 / 1999م الذي من ضمن مهامه منع استخدام الأسماء الأجنبية، وكذلك الأسماء التي تتعارض مع قيم الشريعة الإسلامية.
 
وقد استمرت وزارة التجارة في دراسة طلبات قيد الشركات والمؤسسات وفروعها بالسجل التجاري وسجل الشركات، وتجديد السجلات القائمة في مختلف الأنشطة الاقتصادية وتعديل بياناتها وشطب ما يستوجب الإلغاء منها، وفي نهاية عام 1426هـ / 2005م بلغ العدد التراكمي للسجلات التجارية القائمة في المملكة 621376 سجلاً قائمًا.
 
ويوضح (جدول 23) تطوّر أعداد السجلات القائمة في المملكة وفي منطقة الرياض في أعوام مختلفة.
 
وتبعًا لتطور أعداد السجلات التجارية تطور عدد المحال التجارية، فقد كان عددها في مدينة الرياض لا يتجاوز 5000 محل عام 1387هـ / 1967م، ثم أصبح عددها 10777 محلاً عام 1397هـ / 1977م أي بنسبة نمو بلغت 116% خلال عشر سنوات، ثم حدثت زيادات كبيرة ومتلاحقة في السنوات التالية، فقد بلغ إجمالي عدد المحال المرخصة في منطقة الرياض لعام 1425هـ / 2004م 70310 محال يمثل 31.8% من إجمالي عدد المحال المرخصة في جميع أنحاء المملكة 
 
نظرًا لوجود منطقة الرياض في وسط المملكة، فقد كان لمراكز الاستقرار فيها أهمية تجارية كبيرة في الماضي، من حيث وقوعها على طريق القوافل التجارية التي تعبر الجزيرة العربية من الشرق إلى الغرب أو من الشمال إلى الجنوب، ونتيجة لاحتكاك أهل هذه المنطقة بأصحاب القوافل، فقد اكتسبوا منهم الخبرات التجارية، بل إن بعضهم رافقهم إلى مناطقهم، وهكذا اشتهر كثير من بلدان المنطقة بالتجارة.
 
كما أن إقليم اليمامة (الرياض حاليًا) اشتهرت قديمًا بسوق (حجر اليمامة) الذي يقصد من جميع أطراف الجزيرة العربية وسواحل الخليج العربي والعراق وبلاد الشام  
 
وبعد توحيد المملكة واتخاذ الرياض عاصمة لها، ازدادت الأهمية التجارية لمنطقة الرياض إجمالاً ولمدينة الرياض على وجه الخصوص، لأنها تعد أكبر مدن المملكة وأهمها، وفيها تتركز الفعاليات التجارية والأنشطة الاقتصادية الرئيسة، كما أنها مركز الاتصالات البرية والجوية، وتنتهي إليها خطوط السكة الحديدية القادمة من المنطقة الشرقية، وبما أنها من أكبر المدن السعودية سكانًا ومساحة لهذا فقد تركز فيها أكبر عدد من الوظائف على مستوى مدن المملكة، وبلغ عدد العاملين في القطاع الخاص نحو 677000 عامل في عام 1424هـ / 2003م، كما يستحوذ القطاع الحكومي على معظم العمالة السعودية، إذ يشكل عدد العاملين في هذا القطاع في مدينة الرياض ما نسبته 22% من إجمالي العاملين في المدينة، وإضافة إلى تطور الإسكان والمساكن في المدينة، فقد قُدِّرت أعداد المساكن عام 1424هـ / 2003م بنحو 847 ألف مسكن 
 
وانعكست هذه الأهمية لمدينة الرياض على مكانتها المالية والسياسية والاجتماعية، وتركَّزت فيها المؤسسات المالية الكبرى والوزارات الحكومية المختلفة والسفارات الأجنبية والمؤسسات والمصانع والشركات الرئيسة، ونتيجة لذلك أصبحت من أهم المراكز الحضرية وأكبرها في المملكة، كما أن موقعها الجغرافي في المنطقة زاد من أهميتها وثقلها التجاري.
 
شارك المقالة:
41 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook