التجارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التجارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

التجارة بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعد التجارة من الأنشطة الاقتصادية التي لها مكانة خاصة في اقتصاد المدينة المنورة نظرًا إلى وقوعها على طريق القوافل قديمًا بين الشام واليمن، واستمرت أهميتها التجارية خلال التاريخ الإسلامي إلى اليوم نظرًا إلى مكانتها الدينية حيث مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.وسيتم تناول قطاع التجارة في منطقة المدينة المنورة كما يأتي:
 
لمحة تاريخية:
 
كانت التجارة تمثل النشاط الاقتصادي الثاني بعد الزراعة في يثرب، وقد أسهم في ذلك موقعها على الطريق بين الشام واليمن، وطبيعتها الزراعية التي جعلت منها محطة استراحة وتموين، ومركزًا لتبادل بعض السلع مع أهلها، حيث ظهرت الأسواق فيها قديمًا، وتوزعت في جهاتها الأربع: الجرف أو زبالة، وسوق حباشة، وسوق الصفاصف والعصبة، وسوق مزاحم وهذه الأسواق لا تعدو أن تكون أرضًا فضاء يفد إليها التجار في الصباح، ومن يسبق إلى مكان يضع فيه سلعته فيبيع ويشتري إلى المساء، ويحمل ما تحصل عليه أو بقي إلى بيته ليعود في اليوم التالي. وليس فيها بناء مخصص لأحد، وعندما هاجر المسلمون إليها، وكان معظمهم تجارًا، تعاملوا في أسواقهم المحلية ثم اختط رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوق المناخة وصارت السوق الرئيسة للمدينة على مدى قرون طويلة. وألغيت المعاملات الربوية، وتحولت الطرق التجارية عنها إلى ساحل البحر حتى فتحت مكة المكرمة، ثم عادت إليها من دون أن يلغى الطريق الساحلي. وقد نشطت التجارة في أواخر العهد النبوي، وظهرت القوافل التجارية الضخمة التي كان يمولها بعض الصحابة دون أن يسافروا، كقوافل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وبعض الأنصار، وكانت حمولة بعضها تبلغ ألف جمل. وأهم ما تحمل إلى المدينة الأقمشة، والثياب، والزيت، والقمح، والعطور، والجواهر، والأسلحة... إلخ. وكانت تعود من المدينة بالتمور، والشعير وبعض الأدوات المنـزلية، يضاف إلى ذلك قبل الإسلام المصوغات والحلي  . 
 
وكانت المدينة المنورة (يثرب) في الماضي من المراكز التجارية المهمة في الجزيرة العربية على الرغم من أن التجارة لم تكن المهنة الأساسية للسكان. فالمدينة على العكس من مكة المكرمة كانت واحة زراعية كثيرة المياه الباطنية، كما كانت تتمتع بتربة زراعية جيدة؛ ولذا فقد اشتهرت بالزراعة أكثر من اشتهارها بالتجارة. ومع ذلك فقد كانت التجارة سواء الداخلية أو الخارجية تؤدي دورًا مهمًا في حياة السكان، وكان ذلك لسببين:
 
الأول: أن عدد سكان المدينة وما حولها كان كبيرًا، كما كانت أنشطتهم الاقتصادية متنوعة. فقد اشتهر الأوس والخزرج بالزراعة، في حين كان بعض السكان يعملون في صناعة الآلات الزراعية وأدوات الزينة وآلات الحرب؛ لذا كان السكان يتداولون إنتاجهم فيما بينهم.
 
الثاني: أن المدينة كانت تتوسط طريقين من طرق القوافل المهمة: طريق اليمن من الجنوب إلى الشام في الشمال، وكان ذلك الطريق يتبع الساحل في معظم الأحوال، ولكنه كان في أحيان أخرى ينحرف بالقرب من عكاظ إلى الشمال الشرقي ليصل المدينة المنورة (يثرب)، ثم يواصل السير شمالاً ليصل إلى مدن الشمال - خيبر، والعلا (دادان)، وتيماء - حتى بلاد الشام. والطريق الثاني من رابغ والجحفة مرورًا بالمدينة المنورة (يثرب) إلى نهر الفرات. وعلى الرغم من أن سكان المدينة لم تكن لهم قوافل خاصة بهم، فإن يثرب كانت منطقة راحة للقوافل، وهناك كان يحدث التبادل التجاري بين القوافل وسكان المدينة؛ فقد كانت القوافل تشتري التمور والشعير وأدوات الزينة، وتبيع بعض المنتجات الهندية واليمنية والشامية والأوروبية، وكانت تلك المنتجات تشمل الحرير والتوابل والعطور والزيوت، وكان أهل المدينة يستوردون من الشام الحبوب والدقيق، وتجلب إلى المدينة الدروع التي كانت تصنع في بلاد الفرس والروم. وقد مرت التجارة الخارجية والداخلية بفترات ازدهار وفترات ركود؛ وذلك لتفاعل عدد من العوامل المختلفة، ومن أهمها العامل السياسي، وعامل النمو السكاني؛ ففي الفترة الأولى لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هاجر عدد كبير إلى المدينة المنورة، فازداد عدد سكانها، وهؤلاء المهاجرون كانوا على معرفة جيدة بالتجارة، ولذا فقد نشطت التجارة الداخلية والخارجية نشاطًا ملحوظًا. ولكن مع انخراط أعداد كبيرة من السكان في الجيوش الإسلامية، هاجر عدد كبير منهم إلى البلاد المفتوحة. ومع بداية العهد الأموي تضاءل الأمل في استعادة المدينة سكانها خصوصًا بعد أن نقلت عاصمة الخلافة إلى دمشق التي هاجر إليها الناس من كل حدب وصوب، وبالتالي قل النشاط التجاري. وظل الحال هكذا بالمدينة لفترة طويلة من الزمن  
 
ازداد بعدها النشاط التجاري بسبب تحسن الأحوال الاقتصادية ووفرة المال لدى فئة موسرة، ووصلت منتجات المدينة إلى عدة بلدان مثل الهند، وفارس، وبخارى، ومصر، واستفادت المدينة من مواسم الزيارة إذ كان الزوار يحملون معهم سلعًا من بلادهم البعيدة فيبيعونها في المدينة أو مكة المكرمة. ومع تقلص دور المدينة في العصر العباسي تقلصت التجارة وأخذت في التدهور، ثم اضطربت مع اضطراب الأمن، وظهور اللصوص، وقطاع الطرق؛ ما اضطر الخليفة الواثق إلى أن يرسل حملة تأديبية بقيادة ابنه الكبير، ضربت القبائل المتهمة بالفساد، وأمنت الطريق لعدد من السنوات. ولكن ضعف الخلافة العباسية واستمرار الاضطرابات في القرون التالية أثر سلبًا على حركة القوافل التجارية والأسواق في المدينة، فتشح السلع حينًا وترتفع الأسعار بشدة، وتكثر وتهبط الأسعار حينًا آخر، فضلاً عن الإتاوات التي تدفعها القوافل في الطريق، وهذه الحالة لا تسمح بظهور سوق كبيرة إلا في مواسم الزيارة. وفي بداية العصر الحديث شهدت المدينة نشاطًا تجاريًا ضخمًا عندما وصل إليها القطار عام 1326هـ / 1908م ووصلت إليها البضائع من آفاق العالم عن طريق إستانبول ودمشق مثل: الأخشاب، ومواد البناء، والأدوات المنـزلية، والأقمشة، والثياب، والأثاث، والبرتقال، والبطيخ، والدقيق، ونقل منتجاتها من التمور، والجلود، وبعض الخضار فضلاً عن منتجات نجد، ومصر، واليمن، والهند. وبلغ ما نقله القطار في العام الأول من إنشائه اثنين وتسعين ألف طن من المواد الغذائية وحدها، ارتفع في العام الثاني إلى مئة وعشرين ألف طن. لكن قيام الحرب العالمية الأولى وثورة الشريف حسين أوقفا ذلك النشاط، وتوقف القطار، وهاجر كثيرون، وغدت المدينة خلال الحرب العالمية مدينة محاصرة قليلة السكان تعيش على بقايا مخزونها، والقليل الذي يهرَّب إليها. وانتهت الحرب العالمية وتسلم الهاشميون السلطة في المدينة وعاد بعض أهلها، ولكن لم يعد ذلك النشاط التجاري الذي عرفته من قبل، وأصبحت التجارة تعتمد على القوافل المحدودة التي تصلها بين الحين والآخر. وفي العهد السعودي تغير الحال تدريجيًا فقد استخدمت السيارات في المدينة ثم شقت الطرق وبدأت المدينة تنمو وتزداد سنة بعد أخرى، ونشطت الحركة التجارية لاستتباب الأمن ثم قفزت قفزة واسعة بعد أن ظهر النفط شرق المملكة ومحقت الأحوال الاقتصادية السابقة  . 
 
 أبرز التطورات:
 
شهدت التجارة بالمدينة المنورة ازدهارًا كبيرًا في العهد السعودي، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب نذكر منها:
 
 استقرار الأمن.
 
 انتعاش الاقتصاد السعودي نتيجة للطفرة الاقتصادية التي واكبت اكتشاف وتصدير البترول.
 
 زيادة عدد السكان من السعوديين، والوافدين الذين عملوا في مجالات الخدمات المختلفة، والصناعات المحلية، والزراعة، والإنشاءات العمرانية.
 
 نشأة عدد من الصناعات المحلية تلبية للطلب المحلي.
 
 زيادة عدد المعتمرين والحجاج.
 
ومع توحيد المملكة عام 1351هـ / 1932م استقر الأمن، وأصبح التنقل ممكنًا من دون خوف على النفس أو البضائع، وتم بناء الطرق الحديثة وتعبيدها، ما ربط المدينة المنورة بميناء جدة - البوابة الرئيسة للمملكة - وبميناء ينبع. كما ربطت هذه الطرق المدينة داخليًا بالقصيم والرياض والمنطقة الشرقية، وشمالاً بتبوك والأردن وسورية حتى تركيا، وجنوبًا بالطائف وأبها حتى اليمن. إن إنشاء طرق النقل لم يقتصر على الطرق المسفلتة فقط، بل تعدى ذلك إلى إنشاء الموانئ البحرية والجوية، فضلاً عن ذلك فقد تطورت طرق الاتصال الحديثة تطورًا كبيرًا جدًا؛ نتيجة لذلك كله فقد تطورت التجارة الداخلية والخارجية، ومع تطور وسائل النقل، تطورت الزراعة حول المدينة، وفي المملكة بصورة عامة، وأصبح كثير من المنتجات الزراعية يأتي إلى سوق المدينة من القصيم (كالتمور على سبيل المثال)، ومن منطقة تبوك تأتي الخضر والفواكه، كذلك تأتي الفواكه من الأردن وسورية وتركيا من طريق الشاحنات المبردة، ومن مصر من طريق البحر والبر.
 
وفي ظل هذه المشروعات التنموية أصبحت سوق المدينة لا تقتصر فقط على سكان المدينة وإنما تعدت ذلك بكثير؛ فالمدينة مع مكة المكرمة والقدس إحدى المدن الإسلامية الثلاث في العالم التي تشد لها الرحال لزيارة أحد المساجد الثلاثة؛ ما جعلها تستقبل أعدادًا كبيرة من المعتمرين والحجاج كل عام. وربما بلغ عدد الزوار نحو أربعة ملايين من الحجاج والمعتمرين في العام الواحد، وكثير من هؤلاء يشترون المواد الغذائية من سوق المدينة أثناء إقامتهم بها، كما يشترون كثيرًا من المنتجات التي يحملونها معهم إلى بلادهم. ومن الظواهر المهمة التي تؤكد أن سوق المدينة يفد إليها أعداد كبيرة وقوميات كثيرة أن عددًا كبيرًا من تجار المدينة يستطيعون التفاهم مع المشترين بلغات مختلفة، وإن كانت اللغة العربية هي السائدة، فالتجار يتحدثون مع المشترين بعدد من اللغات، منها: التركية، والأردو، والفارسية، والإنجليزية، والفرنسية. وما لا شك فيه أن معرفة التجار بتلك اللغات تنحصر بقدر حاجتهم إلى التعامل مع رواد السوق، وقد لا تتعدى معرفة النطق ببعض الأرقام بتلك اللغات. ويمكن القول إن التجارة في المدينة المنورة قد استفادت من إنشاء الطرق والموانئ، ومن الاتفاقيات الدولية بين المملكة والدول الأجنبية  
 
 
شارك المقالة:
56 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook