التجارة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التجارة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

التجارة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
اعتمد أهـل مكة المكرمة على التجـارة موردًا أساسًا للحصـول على الأمـوال منذ عصر ما قبل الإسلام إلى نهاية الحكم العثماني على الرغم من فترات الازدهار والكساد التي تصيبها على مر العصور والدول التي تعاقبـت على ولايتها منذ القدم  
 
وقد امتن الله سبحانه وتعالى عليهم أن قيض لهم مهابة واحترامًا بين الناس في رحلاتهم التجارية كونهم سكان حرم الله، فمن عرفهم احترمهم بل إن من سار معهم في رحلاتهم أمن بأمانهم  ،   ويتبين من آيات هذه السورة أن الله سبحانه قد يسر وسهل لقريش (سكان مكة المكرمة) ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشـام للتجـارة وشراء ما يحتاجون إليه في بلدهم الحرام من الأطعمة والثياب، وما يلزمهم من الأمور التي لا تتوافـر لديهـم؛ ما حقق لهم الربح في الذهـاب والإياب في تجـارتهم وهم آمنون مطمئنون لا يتعرض لهـم أحد بسـوء، وأن الله أنعـم عليـهـم وتكـرم بنعـمتيـن عظيـمتيـن من نعمه الكثيـرة وهما: نعمة الأمن والاستقرار، ونعمة الغنى واليسار.
 
وكانت مكانـة مكة المكرمة - أهم مـدن المنطقـة - الدينية، ووقوعها على طريق القوافل التجارية سببين مهمين لنماء التجارة بالمنطقة قديمًا وحديثًا، فضلاً عن تحقق الأمن في عهد الدولة السعودية الحديثة وتأمين الحجاج وإكرامهم.
 
وفي عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - تم استغلال موارد البلاد العينية والمعنوية وتطويرها لزيادة حجم التبادل التجاري، بما يحقق النفع لسكان المملكة على وجه العموم ومكة المكرمة على وجه الخصوص، ومن ذلك:
 
 تطوير الزراعة في كل من: المدينة المنورة والطائف ووادي فاطمة، وذلك بالاستفادة والاعتماد على المياه الجوفية بدلاً من اعتمادها السابق فقط على المياه السطحية؛ ما كان له الأثر في تعدد إنتاج التمور وزيادته وزيادة إنتاج الفواكه في مدينة الطائف لتفي باحتياجات المنطقة اليومية، وبيع الفائض منها على الحجيج لينقلوه هدايا لبلدانهم، وهذه الزيادة بطبيعة الحال أثرت في الحركة التجارية بالمنطقة  
 
 أفادت مكة المكرمة مما يرد إليها من الصناعات البسيطة القائمة في ذلك الوقت، من النسيج والجلود والبسط والسجاد والمعاطف وصياغة الحلي وغيرها مما يستهوي فئة كبيرة من الحجيج، فأدى ذلك إلى نشاط حركة البيع والشراء، ما عاد بمردود مالي جيد على سكان مكة المكرمة خصوصًا والمنطقة عمومًا الذين ينقلون منتجاتهم إليها في مواسم مختلفة وبالأخص في موسم الحج.
 
 أفادت مكة المكرمة أيضًا من الثروة الحيوانية التي تنتجها أراضي المملكة، وذلك من خلال بيعها للحجاج، فالماشية وتنميتها في بوادي المملكة من خلال تتبع مساقط الأمطار والبحث عن المرعى لم يكن ممكنًا لولا توافر المورد المعنوي الذي هيأه الله للبلاد والمتمثل في الأمن، ولنا أن نتصور الحجم الكبير للعوائد المالية من هذه التجارة ولا سيّما مع التزايد المستمر في أعداد الحجيج.
 
 نمو وتطور مدينة جدة لارتباطها بمكة المكرمة، إذ كانت معظم واردات مكة المكرمة ومدن المنطقة منذ بداية العهد السعودي تأتي عن طريق ميناء جدة لتنقل إليها، وبلغ حجم المبالغ المالية للبضائع المستوردة من خلال ميناء جدة عام 1375هـ / 1955م ما يقارب خمسة ملايين جنيه إسترليني، وهذا أيضًا يشير بوضوح إلى التطور الكبير الذي قد بدأ في المنطقة تجاريًا خلال العهد السعودي منذ عهد الملك المؤسس والباني لكيان الدولة السعودية الحديث.
 
وقد عانت مكة المكرمة - مثل بقية مدن المملكة العربية السعودية - من أزمة شديدة ابتداء من عام 1356هـ / 1937م حتى عام 1365هـ / 1945م تقريبًا، وذلك لسببين اثنين:
 
 قلة الواردات من السلع لضعف الموارد المالية لدى السكان.
 
 أحداث الحرب العالمية الثانية التي عاصرت كثيرًا من تلك المدة الزمنية فقد اشتدت الحرب التي دارت أحداثها في الفترة من عام 1358هـ / 1939م إلى 1365هـ / 1945م، وكان تأثيـرها سلبيـًا في معظم دول العالم، وأحدثت أزمة اقتصادية لدى الكثير منها، إلاّ أنه بفضل من الله سبحانه وتعالى تمكنت المملكة من تجاوز تلك المرحلة القاسية، فقد يسر الله سبحانه اكتشاف البترول وتصديره للخارج بكميات متزايدة مع مرور الأيام، وهذا أثر في زيادة الموارد المالية لدى سكان المملكة، وساعد على ازدياد حجم الإنفاق على إقامة مشروعات البنية الأساسية ومصالح الدولة المختلفة؛ ما أسهم في حركة رأس المال ونموها، والزيادة في حجم الدخول، ومن ثمّ زيادة الواردات، وبالتالي تطور حركة التجـارة وازدهارها في مناطق المملكة كافة.
 
وكان لما سبـق - إضافة إلى تحقق الأمن في ربوع المملكة العربية السعودية، والتطور الحاصل عالميًا في وسائل النقل والمواصلات، والتقدم التكنولوجي في حفظ البضائع والمنتجات خلال نقلها، وكذا إنشاء الطرق الطويلة في العهد السعودي بين مختلف مدن المملكة ومناطقها والدول المجاورة لها - تأثير واضح سهّل في نقل البضائع والمنتجات التي كان يتعذر نقلها سابقًا لصعوبة النقـل بسبب طول المسافـة وانعدام الأمن، وللخوف من تلفها كالأطعمة المختلفة من خضراوات وأسماك وما شابهها؛ إذ أصبحت المنتجات والبضائع وشتى الخيرات تنقـل منها وإليها من شتى بقـاع المعمورة، علاوة على انتقال كثير من أهل الخـبرة والمهارة في عدد من المهـن والحرف وصنوف التجــارة من مختلف الـدول الإسلاميـة إلى مكة المكرمة منذ زمن سابق، كل ذلك كان له الأثر البارز في نهوض التجارة بمنطقة مكة المكرمة إلى درجات لم تصل إليها من قبل، وخير دليل على ذلك شواهد التطور لبعض الأعمال التجارية بالمنطقة، ومن ذلك ظهور عدد من المصارف التجارية بالمنطقة، وازدهار تجارة المواد الغذائيـة وتجارة الحلي والساعـات وبعض أنواع الصناعات، وانتشار مزارع الدواجن بالمنطقة 
 
شارك المقالة:
69 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook