التربة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 التربة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

التربة بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تُعد التربة أحد المصادر الطبيعية المتجددة في منطقة مكة المكرمة، وهي من المقومات الأساسية والضرورية التي يعتمد عليها وجود الغطاء النباتي في المنطقة على وجه الخصوص وبقية الكائنات الحية الأخرى على وجه العموم، كما أنها أحد العوامل البيئية الطبيعية المؤثرة في توزيع الغطاء النباتي في المنطقة، إذ تعتمد النباتات عليها اعتمادًا كليًا في الحصول على جميع متطلباتها المائية والغذائية، والتربة بشكل عام هي الطبقة العلوية الهشة والمفتتة من قشرة المنطقة الصخرية بفعل عمليات التجوية، وخضعت فيما بعد إلى ظروف بيئية طبيعية أدت إلى حدوث بعض التغيرات الكيميائية والفيزيائية، واختلطت بها بعض المواد العضوية والسائلة والغازية، وأصبحت - فيما بعد - صالحة لنمو نباتات المنطقة
 
وتتكون تربة منطقة مكة المكرمة  - مثلها مثل أي تربة موجودة على سطح الأرض - من أربع موادّ رئيسة هي: المعدنية والعضوية والسائلة والغازية، ومكونات التربة تلك يرتبط كل واحد منها بغلاف من أغلفة الكرة الأرضية، فالمادة المعدنية ترتبط بالغلاف الصخري، بينما ترتبط المادة السائلة بالغلاف المائي، وأما المادة الغازية فإنها ترتبط بالغلاف الغازي، وترتبط المادة العضوية بالغلاف الحيوي
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن تربة منطقة مكة المكرمة هي مجموعة من التفاعلات التي تحدث بين الأغلفة الأربعة في المنطقة، وإن مكوناتها تختلف من مكان إلى آخر تبعًا لاختلاف خصائص ذلك المكان المناخية والجيولوجية والتضاريسية والحيوية، ولذا فإن فهم تربة المنطقة ومعرفة مكوناتها وخصائصها الكيميائية والفيزيائية خلال وقت معين يتطلب معرفة خصائص المنطقة الجيولوجية، والتضاريسية، والمناخية والحيوية في ذلك الوقت
أدت العوامل البيئية الطبيعية في منطقة مكة المكرمة دورًا مهمًا في التأثير في مكونات التربة، وفي تنشيط عوامل تكوين التربة وعملياتها وتشكيلها، وفي تحديد خصائصها الفيزيائية والكيميائية، وأهم ما يميز تربة المنطقة أن محتواها الرطوبي منخفض في معظم شهور السنة وتنعدم الرطوبة فيها في بعض الأشهر، وهذا عائد إلى قلة الأمطار وارتفاع معدلات كل من درجات الحرارة والتبخر، وكذلك يعود إلى هبوب الرياح الجافة والحارة، وقد نتج عن ذلك تنشيط عمليات التجوية الطبيعية والتعرية الريحية، كما تتميز تربة بعض أراضي المنطقة بضحالة قطاعاتها وبخاصة في تربة المناطق الجبلية الشديدة الانحدار، بينما تتميز تربة الأودية والمناطق المنخفضة بعمق قطاعاتها واستواء سطحها، وهي في معظمها صالحة للزراعة.
ولا يتوقف تكوين التربة على العوامل الطبيعية الآنفة الذكر، بل إن الإنسان أيضًا أدى دورًا مهمًا في تكوينها والتأثير في خصائصها الكيميائية والفيزيائية، وبدأ ارتباط الإنسان بالتربة والتعامل معها في المنطقة منذ قيامه بزراعة الأرض واستغلالها من أجل توفير الغذاء، ومن تلك الفترة بدأ الإنسان يتوسع في استغلال التربة الخصبة في المنطقة، وأدى هذا الاستخدام الطويل الأمد إلى إحداث بعض التغيرات السلبية على التربة، مثل ارتفاع ملوحتها وزيادة معدلات تعريتها، كما قام الإنسان في بعض الأراضي بالحفاظ على التربة من التعرية وبتخصيبها عن طريق إضافة الأسمدة العضوية، وللإنسان أيضًا مجموعة من التأثيرات السلبية الأخرى في تربة منطقة مكة المكرمة نتجت عن الرعي الجائر والاحتطاب والتوسع العمراني وبناء الطرق وإقامة السدود وإنشاء المصانع وغيرها من أنشطة الإنسان الأخرى، وقد تعرضت تربة منطقة مكة المكرمة نتيجة لتلك الأنشطة إلى التعرية الريحية والمائية وكذلك إلى التلوث
ولأن التربة مورد طبيعي متجدد تنمو فيه نباتات المنطقة المختلفة، ومنه تحصل على متطلباتها المائية والغذائية، لذا فإن معرفة أصل تربة المنطقة ونشأتها وتكوينها، وكذلك معرفة مركباتها الكيميائية والبيولوجية والعوامل والعمليات التي تؤثر فيها، ومحاولة تحديد أنواعها وأصنافها وتوزيعها، وكذلك معرفة خصوبتها ومدى ملاءمتها وصلاحيتها لنمو النباتات - أمر مهم لإدارة تلك الأراضي وتحسين إنتاجيتها والبحث في آليات الحفاظ عليها من التدهور والتعرض إلى عملية التعرية والتملح، وغيرها من العمليات المضرة بإنتاجية التربة
 

عوامل تكوين التربة وعملياته

 
تؤدي مجموعة من العوامل والعمليات دورًا بارزًا ومهمًا في تكوين التربة وتشكيلها في منطقة مكة المكرمة، كما تقوم بدور واضح في تحديد خصائص تربة المنطقة الفيزيائية والكيميائية، وفيما يأتي تفصيل لأهم العوامل والعمليات المؤثرة في تكوين تربة المنطقة
 
1 - المواد الأولية:
يتكون التركيب الصخري في منطقة مكة المكرمة من أنواع مختلفة من الصخور، ومن تلك الصخور تشتق مادة تربة المنطقة الأولية، وتُعد التكوينات الصخرية العائدة إلى ما قبل الكامبري من أقدم تكوينات المنطقة الصخرية، ومن هذه التكوينات الصخرية يتشكل هيكل الصخور القاعدية، لذا تغطي الكتل الصخرية الجوفية والصخرية الصلبة والمتحولة والاندفاعية معظم أجزاء منطقة مكة المكرمة، وتعد الصخور النارية الجوفية (الديوريت والجرانيت)، والاندفاعية (البازلت)، والمتحولة (النيس والشيست) من أهم أنواع الصخور التي تتكون منها مناطق المرتفعات والهضاب، ومن تلك الصخور اشتقت معظم أنواع تربة المنطقة عن طريق تعرض تلك الصخور إلى مجموعة من عمليات الحت والترسيب والنقل  .  كما اشتقت مادة تربة بعض مناطق مكة المكرمة الأولية من تشكيلات الحجر الرملي والجيري والطفلي والأنهيدريتي والملحي المنتشرة في السهل الساحلي الشرقي للبحر الأحمر، وكذلك من الحجر الجيري الموجود في بعض القمم الجبلية في المنطقة  .  ومن الصخور التي اشتقت منها أيضًا مادة التربة الأولية الحجر الرملي المنتشر في أمكنة منعزلة ومبعثرة في المنطقة
وبناء على ما ذكر آنفًا، فإن مواد التربة الأصلية التي تكونت منها تربة المنطقة تختلف من مكان إلى آخر، ولهذا السبب تختلف الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمادة التربة الأولية تبعًا لاختلاف خصائص الصخور المشتقة منها، ويكون أثر المادة الأولية أكثر وضوحًا في خصائص التربة الأكثر حداثة والأقل تطورًا ونضجًا في المنطقة من تلك التربة القديمة والناضجة، ويظهر أثر المادة الأولية بشكل رئيس على قوام التربة، فعلى سبيل المثال تتسم التربة التي اشتقت مادتها الأولية من الصخر الجرانيتي والحجر الرملي في المنطقة بأن قوامها خشن، بينما تتسم التربة التي اشتقت مادتها من الصخور البازلتية والطفلية والطينية بأن قوامها يكون ناعمًا، ويؤدي قوام التربة دورًا مهمًا في رسم خصائص تربة المنطقة الفيزيائية، كالنفاذية والمسامية وقدرتها على الاحتفاظ بالماء، كما يؤدي القوام أيضًا دورًا فعالاً في تحديد تهوية التربة وجودة تصريفها للماء الفائض
وتؤثر المادة الأولية للتربة في نوعية المواد المغذية للنباتات التي تشتمل عليها التربة في المنطقة، فنوعية المواد المغذية التي تحتوي عليها التربة تختلف تبعًا لاختلاف معادن المادة الأولية، فعلى سبيل المثال فإن التربة التي تشتق مادتها الأولية من صخور ذات معادن قاعدية كالبازلت تكون غنية بالحديد والكالسيوم والمغنيزيوم، بينما التربة التي تشتق مادتها الأولية من صخور ذات معادن حامضية كالجرانيت فإنها تكون غنية بالسليقا والألمنيوم 
 
2 - المناخ:
تتأثر خصائص تربة منطقة مكة المكرمة تأثرًا واضحًا وقويًا بسماتها المناخية التي تختلف من جهة إلى أخرى ويعود ذلك الاختلاف إلى تأثير التضاريس، وعامل البعد من البحر الأحمر والقرب منه، وموقع المنطقة الفلكي
وتؤدي العوامل المذكورة آنفًا دورًا مهمًا في تحديد قيم العناصر المناخية في منطقة مكة المكرمة، فعلى سبيل المثال تختلف كمية الأمطار المتساقطة من جهة إلى أخرى، كما سبق إيضاحه
أما فيما يتصل بدرجات الحرارة فإنها هي الأخرى تتباين من جهة إلى أخرى كما سبق إيضاحه أيضًا، وتؤدي ظروف المنطقة المناخية دورًا مهمًا في تكوين التربة وتشكيلها وتطوير قطاعها في المنطقة خصوصًا التأثير الناتج عن الأمطار ودرجات الحرارة التي تؤدي الدور البارز في عملية تفتيت الصخور، ومن ثم نقل تلك المفتتات وترسيبها في أمكنة أخرى، ففي المرتفعات الجبلية من المنطقة ذات الأمطار الغزيرة نسبيًا والحرارة المعتدلة تنشط عمليتا تجوية الصخور الكيميائية والبيولوجية وتنشط عملية الحت المائي، بينما تنشط عملية تجوية الصخور الفيزيائية وعمليتا الحت والترسيب الريحي للمفتتات الصخرية في الأمكنة قليلة الأمطار وعالية الحرارة، كما تؤثر كمية الأمطار في المحتوى الرطوبي للتربة، ففي الأمكنة التي تتمتع بأمطار لا بأس بها يكون محتوى تربتها المائي أعلى من المحتوى الرطوبي للتربة الموجودة في الأمكنة قليلة الأمطار، وتؤثر كمية الأمطار في فرصة حدوث بعض عمليات تكوين التربة، ففي الأمكنة التي تتساقط فيها أمطار لا بأس بها كما هو الحال في محافظة الطائف، تنشط عمليتا الغسيل والإزالة داخل قطاعات تربتها، بينما تنشط عمليتا التكلس والتملح في الأمكنة قليلة الأمطار كما هو الحال في السهل الساحلي من المنطقة. وقد أدت كمية أمطار المنطقة دورًا كبيرًا في تحديد نوع تعرية التربة، ففي المرتفعات الجبلية غزيرة الأمطار تنشط عملية التعرية المائية، بينما تنشط التعرية الريحية في الأمكنة قليلة الأمطار، كما تقوم مياه الأمطار التي تدخل إلى قطاع التربة في المنطقة بإزالة مواد التربة المعدنية والعضوية من الطبقة العلوية إلى الطبقات الوسطى والسفلية من القطاع، وفيما يتعلق بدور درجات الحرارة في تكوين تربة المنطقة فإنه يكمن في تحديد معدلات تحلل المخلفات والبقايا النباتية والحيوانية وتحويلها إلى مادة عضوية خلال وقت قصير مقارنة بما يحدث في المناطق الباردة
ويؤدي العامل المناخي أيضًا في المنطقة دورًا غير مباشر في التأثير في تكوين التربة عن طريق تأثيره في كثافة الغطاء النباتي وفي وجود بقية الكائنات الحية الحيوانية والدقيقة وفي نشاطها، بالإضافة إلى ذلك أدت قلة الأمطار المتساقطة على المنطقة إلى انخفاض كثافة الغطاء النباتي في معظم أجزائها، لذا فإن وفرة المادة الأولية اللازمة لتكوين المادة العضوية محدودة جدًا، وهذا يسهم بدوره في تحديد نسبة المادة العضوية في تربة المنطقة
 
3 - الكائنات الحية:
يعيش على سطح تربة مكة المكرمة وفي داخل قطاعاتها مجموعة من الكائنات الحية بعضها نباتي وبعضها الآخر حيواني، كما تعج بعض ترب المنطقة بعدد كبير من الكائنات الحية الدقيقة، وتختلف كثافة الكائنات الحية ونوعيتها من جهة إلى أخرى تبعًا لاختلاف كمية الأمطار المتساقطة وقيمتها الفعلية، وكذلك تبعًا لطبيعة تضاريس المنطقة؛ ففي المناطق المرتفعة يسود الغطاء النباتي المتكون من الأشجار القصيرة من أنواع الطلح مثل البشام والعراد، بينما يسود في الأجزاء الأقل ارتفاعًا أشجار السمر والسلم، أما في مناطق الأودية فتزداد كثافة الغطاء النباتي من الأشجار كالسدر والمرخ والخروع والطلح، كما تنمو الأعشاب المعمرة والأعشاب الحولية، بينما تنمو في السهول الساحلية أنواع مختلفة من الأشجار والأعشاب المعمرة 
تعيش على الغطاء النباتي مجموعة من الحيوانات الرعوية، وهذا قد يؤثر في نوعية الغطاء النباتي وكثافته ويؤدي إلى تجريد التربة منها ومن ثم تعريضها إلى التعرية الريحية والمائية، وتؤدي النباتات والحيوانات الرعوية والكائنات الحية الدقيقة دورًا فعالاً في تكوين تربة المنطقة، وذلك بقيام النباتات الخضراء والحيوانات بتقديم المواد الأولية اللازمة لتكوين المادة العضوية في التربة، بينما تقوم الكائنات الحية الدقيقة الأخرى بتحويل المخلفات النباتية والحيوانية إلى مادة عضوية تضاف إلى التربة، كما توجد كائنات حية أخرى تقوم بخلط حبيبات التربة ومزجها بعضها مع بعض ومع المادة العضوية، لذا فإن دور الكائنات الحية فعال في تحديد بعض خصائص تربة المنطقة، إلا أن النباتات تعد أكثرها أثرًا في تشكيل تلك الخصائص، وللنباتات مجموعة من التأثيرات في التربة، ومن بينها ما يأتي
 يؤثر التركيب الكيميائي للمخلفات والبقايا النباتية تأثيرًا مباشرًا في درجة الحموضة، إذ يؤدي تحلل بقايا الأشجار ومخلفاتها إلى زيادة حموضة التربة، بينما يؤدي تحلل مخلفات الحشائش وبقاياها إلى خفض حموضة التربة
 تؤدي النباتات التي تنمو في تربة المنطقة دورًا مهمًا في استرجاع المواد المعدنية من نطاق جذور النباتات إلى سطح التربة، خصوصًا العناصر موجبة الشحنة مثل: الكالسيوم، والمغنيزيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم
تؤدي النباتات في الأمكنة ذات الكثافة النباتية العالية دورًا فاعلاً في تكوين الأفق العضوي في الجزء العلوي من قطاع التربة
 تقوم المادة العضوية الناتجة من المخلفات والبقايا النباتية بربط حبيبات التربة مع بعضها ببعض دون ملء الفراغات والمسامات بين الحبيبات
 يؤدي الغطاء النباتي  دورًا فعالاً في الحد من كمية المادة المفقودة من التربة الناتجة من فعل التعرية المائية والريحية
لقد أثرت الأنشطة المختلفة للإنسان في خصائص تربة المنطقة، ففي المناطق الرعوية - على سبيل المثال - مناطق الهضاب المنبسطة والهضاب المرتفعة وفي الجبال والسفوح، أدى الرعي الجائر في تلك المناطق إلى تجريد التربة من الغطاء النباتي، ما جعلها أكثر عرضة إلى عمليات التعرية الحادة، والمصير نفسه آلت إليه تربة المناطق التي قام الإنسان بتجريدها من غطائها النباتي عن طريق الاحتطاب، أما في المناطق الزراعية فلقد قام الإنسان - نتيجة لاستغلاله لتلك التربة - بتغيير بعض خصائصها، وبعض تلك التغيرات نافعة لنمو المحصولات الزراعية وزيادة إنتاجيتها في المنطقة، من ذلك تحسين خصوبة التربة وتطويرها بوضع الأسمدة والمواد العضوية، بينما هناك تغيرات سلبية يتمثل بعضها في تملح التربة والتغدق
وغيرها
 
4 - التضاريس: 
يرتبط تكوين تربة منطقة مكة المكرمة ارتباطًا قويًا ووثيقًا بتضاريسها، إذ تؤدي أشكال المنطقة التضاريسية دورًا فعالاً في التأثير في كثير من خصائص تربة المنطقة التي تختلف من جزء إلى آخر، وذلك تبعًا لاختلاف وحداتها التضاريسية، ويتكون سطح المنطقة من مجموعة من الوحدات التضاريسية من أهمها الجبال والهضاب والأودية والسهول، ويعد عامل انحدار تلك الوحدات وارتفاعها وتوجهها من أهم العوامل التضاريسية تأثيرًا في تكوين التربة، وبشكل عام فإن معظم الوحدات التضاريسية تميل إلى الانحدار التدريجي نحو الشرق وإلى الانحدار الشديد نحو الغرب، كما هو الحال في مرتفعات الحجاز التي تعد من أهم الوحدات التضاريسية في المنطقة أثرًا في تكوين التربة
وتمثل جبال السروات والحجاز الأجزاء عالية الارتفاع في المنطقة، وتتسم سفوح المرتفعات الشرقية بقلة أمطارها وبانحدارها التدريجي نحو الشرق، بينما تتسم السفوح الغربية لتلك المرتفعات بغزارة أمطارها وبانحدارها الشديد نحو الغرب، وتجري من تلك المرتفعات مجموعة من الأودية نحو الشرق، والجزء الآخر من الأودية يتجه نحو الغرب كما سبق إيضاحه
ويرتبط تكوين قطاعات الترب على سفوح مرتفعات السروات والحجاز بدرجة انحدار تلك السفوح؛ فتربة السفوح الغربية تتسم بضحالة قطاعاتها بسبب شدة الانحدار التي تؤدي إلى النقل المستمر لمكونات التربة عن طريق التعرية المائية والجاذبية الأرضية، كما تتسم تربة تلك السفوح بانخفاض سعتها التخزينية للماء، وهذا راجع إلى ضحالة القطاع وإلى سرعة الجريان في تلك الأجزاء، إذ لا يعطي الجريان السريع فرصة للماء بأن يتوغل داخل القطاع، ولهذا السبب تنخفض كثافة الغطاء النباتي في الأجزاء شديدة الانحدار من تلك السفوح، وأحيانًا تنعدم الحياة النباتية، ما يجعل تربة المنحدرات فقيرة بالمادة العضوية، ومن أهم ما يميز تربة المنحدرات التهوية والتصريف الجيد، وأن قطاعاتها لا تحتوي على الآفاق التشخيصية فهي تربة غير ناضجة وتبقى في مرحلة الشباب، وفي المقابل تحظى قطاعات تربة السفوح الشرقية بالعمق؛ لأن الانحدار على تلك السفوح بسيط، وكذلك الحال بالنسبة إلى تربة الأودية والسهول الفيضية والساحلية والمنخفضات، وهذا راجع إلى نحت المواد ونقلها من المناطق المرتفعة وترسيبها وتراكمها في تلك المناطق
وتتمتع تربة هذه الأجزاء بقدرتها التخزينية العالية للماء، وهذا يعود إلى سماكة القطاع، وإلى بطء الجريان المائي السطحي، ما يعطي الماء فرصة للتوغل داخل قطاع التربة، وتتميز كذلك تربة هذه المناطق بغناها بالمادة العضوية من جراء ارتفاع كثافة الغطاء النباتي النسبي فيها مقارنة بالأجزاء الأخرى، ودائمًا يلاحظ أن تربة الأراضي المنخفضة والمستوية في المنطقة رديئة التهوية والتصريف، وفي بعض الأحيان تتحول إلى سباخ بسبب تراكم الأملاح المنقولة بوساطة الجريان السطحي من المناطق المجاورة المرتفعة، ما يؤدي إلى وجود غطاء نباتي متحمل للأملاح، وفي أحيان كثيرة ينعدم الغطاء النباتي في هذه السباخ
 
5 - الزمن:
يتوقف طول الزمن المطلوب - لتكوين تربة ناضجة ذات قطاعات تشتمل على آفاق تطويرية متميزة في أي جزء من سطح منطقة مكة المكرمة - على طبيعة مادة الأصل المتفككة منها مادة التربة الأولية، وعلى ظروف المنطقة المناخية، وعلى طبيعة تضاريسها، فضلاً عن ذلك فإن النشاط البيولوجي في تلك المنطقة يلعب دورًا في ذلك، لكن اشتقاق مادة التربة الأولية في المناطق المغطاة بالصخور النارية يحتاج إلى وقت طويل بسبب صلابة تلك الصخور وقدرتها العالية على مقاومة عمليات التجوية، بينما يحتاج اشتقاق مادة التربة الأولية في المناطق المغطاة بالصخور الرسوبية إلى وقت قصير، وهذا عائد إلى هشاشة تلك الصخور، وليونتها، وضعف قدرتها على مقاومة عمليات التجوية والتعرية
وتؤدي خصائص المنطقة المناخية دورًا واضحًا في إطالة الوقت المطلوب من أجل تكوين تربة ناضجة، ففي الأجزاء المرتفعة ذات الانحدار الشديد تؤدي الأمطار الغزيرة المتساقطة عليها إلى تنشيط عملية التعرية المائية وتأخير عملية تكوين التربة، أما في الأجزاء قليلة الأمطار في المنطقة فإن عملية تكوين التربة تكون بطيئة نتيجة انخفاض معدل عمليات التجوية وعمليات الإذابة والغسيل، وكذلك يقوم عامل انحدار السطح في المنطقة بدور فعال في عدم اكتمال تكوين قطاعات التربة من خلال الإزالة المستمرة للأجزاء العلوية من قطاع التربة في السفوح شديدة الانحدار بوساطة عملية التعرية المائية والقيام بترسيبها في الأجزاء المنخفضة، ما يجعل تربة المناطق شديدة الانحدار ذات قطاعات ضحلة وغير ناضجة
وللغطاء النباتي في بعض أجزاء مكة المكرمة دور مهم في بروز نشاط الكائنات الحية الحيوانية والدقيقة وتكوين المادة العضوية، وهذا يؤدي إلى تكوين الأفق العضوي في تربة تلك المناطق، كما أن اختفاء الغطاء النباتي واختفاء أنشطة الكائنات الحية الأخرى أيضًا في الأجزاء الأخرى من المنطقة له دور في انعدام المادة العضوية في تلك الأجزاء، واختفاء الأفق العضوي من قطاع التربة
 

عمليات تكوين التربة

 
يشترك في تكوين تربة منطقة مكة المكرمة مجموعة من العمليات المختلفة (عمليات تفتت الصخور وتحللها، وعمليات الإضافة والفقد لمواد التربة، وعمليات النحت والنقل والترسيب، وعمليتا التملح والغسل)، ولكل عملية من هذه العمليات دورها الواضح والفعال في تطوير قطاعات تربة أراضي المنطقة؛ ففي الأجزاء قليلة الأمطار من المنطقة مثل المنحدرات الشرقية لجبال الحجاز، تقوم عملية التجوية الفيزيائية بتفتيت الصخور واشتقاق مادة التربة الأصلية، وتنشط في هذه الأجزاء عمليات الحت والنقل والترسيب الريحي لمواد التربة، وتنشط عملية التكلس (عملية ترسيب وتراكم لكربونات الكالسيوم داخل قطاع التربة)، كما تحدث في المنطقة عملية التملح في أجزائها المنخفضة والمستوية وذات المنسوب المائي الأرضي القريب من السطح، إذ يتحرك الماء داخل قطاع التربة من الأسفل إلى الأعلى بوساطة الخاصية الشعرية، وينتج عن هذه العملية تراكم الأملاح وتجمعها في تلك الأراضي، ومع مرور الوقت يمكن أن تتحول إلى سباخ، بينما تقوم عملية التجوية الكيميائية بعملية تفتيت الصخور وتحللها واشتقاق مادة التربة الأصلية في المناطق المرتفعة الغزيرة الأمطار نسبيًا، كما تنشط في هذه الأجزاء عمليات الحت والنقل والترسيب المائي لمواد التربة، وعملية إذابة مواد التربة وغسلها وإزالتها وترسيبها داخل قطاعها
 
شارك المقالة:
67 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook