التعليم في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
التعليم في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

التعليم في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
كان مشعل التعليم والثقافة في مُدن جازان وقُراها يَقْتبِس نوره خلال القرون الأخيرة من عددٍ من المراكز الثقافيّة والمدارس العلميّة التي تناوبت الإسهام العلمي في المنطقة، وأبرزها: ضَمَد، والشقيري، وأبو عريش، وصَبْيا، وبَيْش، ثم صامطة. ويدلّ على ذلك النشاط ما يذكره مثلاً السخاوي   (ت 902هـ / 1497م) عن بعض شخصيات المخلاف السليماني العلميّة، وما يفصّله المحبّي (ت 1111هـ / 1699م) في تراجم الأعلام من علمائه وأدبائه، وما يقوله ابن أبي الرِّجال الصنعاني (ت 1092هـ / 1681م) في (مطالع البدور) عن ضَمَد في جازان أنه قد اشتهر على الألسنة أنه لا يخلو من عالم محقّق أو أديب بليغ  ،  وما يعبّر عنه الشوكاني  .  (ت 1250هـ / 1834م) في تراجمه من ثناءٍ على علماء المخلاف.
 
ولقد عُرفتْ الهِجَر العلميّة في جازان - منذ القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي - بمدارسها التي نشأت في بعض المدن والقُرَى، والتي يتمثّلُ نشاطها من خلال المساجد، أو الحِلَق العلميّة، أو منازل الأُسر التعليميّة، أو حُجرات كانت تُسمَّى (الزوايا)  . وقد تتطوّر حلقة المسجد إلى أن تصبح مدرسة، كما حدث لحلقة جامع أبي عريش، التي كان يُدرّس فيها عمر بن عبدالقادر بن صديق الحَكَمي لنصف قرن، ثم ابتنى له مدرسة بعدئذ  
وفي القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين / الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين شهد المخلاف نهضة علمية وفكرية واسعة، متّصلة بالحركة العلمية في اليمن بشكل أساسي. وكان لأمراء المخلاف إذ ذاك دورهم التشجيعي أحيانًا وبخاصة في مجال العلوم الدينية والأدبيّة، مثل بعض آل الخيرات، منذ أوّلهم: الشريف أحمد بن محمّد بن خيرات، الذي تولّى إمْرَة المخلاف السليماني سنة 1141هـ / 1728م. وكان آل الخيرات يقومون برعاية التعليم خلال توليهم إمارة المخلاف السليماني  
 
كما كان للشريف حمود بن محمّد بن أحمد الحَسَني التهامي، من آل الخيرات، والمعروف بأبي مسمار 1170 - 1233هـ / 1756 - 1818م دوره الفاعل في نهضة المنطقة سياسيًّا، وعمرانيًّا، وثقافيًّا، خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. وكان قد أوقف أوقافًا على العلماء، والمتعلّمين، والفُقراء، حتى قيل إنه لم يبلغ أحدٌ مبلغه ممّن تملّك المخلاف السليماني  .  ولذلك عبّر عاكش   عن عهد هذا الشريف قائلاً:
 
" كان في زمانه ظهور رياسة العِلْم، ونَفاق تجارته؛ والسبب أن السيد حسن بن خالد معاضدُه ووزيرُه، وهو من العلماء، فأرشده إلى تعظيم العلماء والمتعلّمين... وقَصَدَه العُلماء من كل جهة، ومن وصل إليه أكرمه، وقابله بالإجلال والتكريم... وأسكن بعضهم في قلاعه المختصّة به. وكان في جامعه المذكور جماعة يدرسون العلم، وصارت القراءة عليهم من الطلبة في كل فنّ من فنون العلم، فطار بذلك صيت الشريف كل مطار... ووفد إليه الأدباء، بعضهم من العراق، ومن كل جهة، ومدحوه بالقصائد البليغة "
 
وهنا يبرز دور الشريف حمود (أبي مسمار) ووزيره السيد حسن بن خالد الحازمي في تلك الحركة العلمية التي شهدها القرن الثاني عشر الهجري والثلث الأول من القرن الثالث عشر.
 
ومن أبرز العلماء والمؤرخين في ضَمَد خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وأصحاب المؤلفات أو المدارس العلميّة ذات السُّمعة في جنوب الجزيرة - على سبيل المثال -:
 
 أحمد بن عبدالله بن عبدالعزيز الضَّمَدي 1174 - 1222هـ / 1760 - 1807م؛ علاّمة المخلاف السليماني في زمنه، ومفتيه  .  وهو والد الحسن بن أحمد عاكش وهو من العلماء الذين سوف تأتي ترجمتهم. وُلد بضَمَد، ورحل إلى زبيد، ثم صنعاء، وصعدة، ثم مكّة، والمدينة، وتوفي في أبي عريش. من تأليفه: (مشارق الأنوار) وهو في أربعة مجلدات في الفقه؛ و (منحة الطُلاّب في شرح مُلحة الإعراب). لقّبه الشوكاني بـ (علاّمة ضَمَد) في كتابه المعنون: (العقد المنضَّد في جِيْد مسائل علاّمة ضَمَد)  
 
 الحسن بن خالد بن عز الدين الحازمي 1188 - 1235هـ / 1774 - 1820م، الذي عُرفتْ بلدته ضَمَد بـ (هجرة العلم)  ،  فقيه مجتهد، كان يجزم بتحريم التقليد، وألّف في ذاك رسالة. اتّخذه الشريف حمود (أبو مسمار) وزيرًا. شَهِد مواقع مع العثمانيين إلى أن لقي حتفه على أيديهم. له نظمٌ ورسائل  
 
 عبدالرحمن بن أحمد بن الحسن بن علي البهكلي الصَبْيائي   الضَّمَدي 1182 - 1248هـ / 1768 - 1832م؛ مؤرّخ، وُلد بصَبْيا، وترحّل بينها وبين صنعاء، فتلقّى عن الشوكاني، ثم عُيِّن حاكمًا لبيت الفقيه 1212هـ / 1797م. له شعر، ومن مؤلفاته: (نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود)؛ (الأفاويق الهامية بتراجم البخاري والتعاليق)؛ (مرقاة الثقات بمعرفة طبقات رجال الأمّهات)؛ (تيسّر اليُسرَى بشرح المجتبَى من السنن الكُبرَى للنسائي)؛ (كتاب الأنساب)  ؛  (كتاب تراجم أعيان القرن الثالث عشر)  .  تعرّض في آخر عمره لدسّ السم في شرابه، فعاناه حتى أودى بحياته  
 
 الحسن بن أحمد عاكش الضَّمَدي 1221 - 1289هـ / 1807 - 1872م؛ وهو تلميذ الحسن بن خالد الحازمي، أديب مؤرّخ، درس في المخلاف، ومكّة، واليمن، وتتلمذ على الشوكاني. كان قد اتّخذ من أبي عريش مستقرّه العلميّ. مؤلّفاته كثيرة، منها المطبوع والمخطوط والمفقود؛ فمن المطبوع: (الديباج الخسرواني)؛ تكملة (نفح العود للبهكلي)؛ (حدائق الزهر؛ في ذكر الأشياخ أعيان العصر والدهر)؛ (انسكابُ السحاب على رياض الأحباب؛ نظم قواعد الإعراب)؛ (الدُّر الثمين في ذكر المناقب والوقائع لأمير المسلمين محمّد بن عائض)؛ (رسالة إخوانيّة)؛ (كشف الستارة عن وجوه الأقوال المختارة في نظم معاني الاستعارة)؛ (مناظرة أحمد بن إدريس مع فقهاء عسير 1248هـ)؛ (وجوب قراءة الفاتحة على المأموم). وله ديوان شعر  ،  ومن المخطوطات: (خريدة العرائس وبهجة المجالس)؛ (شرح قصيدة في مدح الحسين بن علي بن حيدر)؛ (فتح الغفّار على حدائق الأفكار)؛ (فتح المنّان بتفسير القرآن)؛ (قمع المتجرّي على أولاد الشيخ البكري)؛ (عقود الدُّرر في تراجم رجال القرن الثالث عشر). أمّا آثاره المفقودة فمنها: (إرشاد الراغبين في الفقه)؛ (الأنفاس اليمنية بما تضمّنته سورة الصَّمَد من الردّ على الفرق اللغويّة)؛ (إيضاح الدلائل بجواب السِّتِّ المسائل)؛ (تسهيل الطُّلاّب لمُلحة الإعراب)؛ (الجواهر العسجديّة شرح نظم الدُّرر البهيّة في المسائل الفقهيّة)؛ (جواهر القلائد في العقائد)؛ (ديوان ما قيل في الحسين بن علي بن حيدر من أشعار)؛ (روض الأذهان؛ شرح نظم المدخل في علمَي المعاني والبيان)؛ (السيوف القاطعة لشبهة أبي طالعة)؛ (شرح لاميّة العرب للشنفرى)؛ (الفوائد الجليلة في حُكْم الوسيلة)؛ (مُجَلّد الإجازات)؛ (مُجَلّد المراسلات)؛ (مقامة أدبيّة)؛ (نـزهة الأبصار من السيل الجرّار) وهو حول كتاب (السيل الجرّار) للشوكاني؛ (النسمات السحريّة على النفثات النجديّة)  
 
وغير هؤلاء كثير من العلماء والأدباء، مثل محمّد بن علي بن عمر الضَّمَدي 990هـ / 1582م، ومحمّد بن أحمد بن علي بن إبراهيم النعمان الضَّمَدي 999هـ / 1591م، وحسين بن أحمد الشبلي 1017هـ / 1608م، والمطهّر بن علي بن محمّد الضَّمَدي 1048هـ / 1638م، وعبدالعزيز بن محمّد النعمان الضَّمَدي 1078هـ / 1667م، والحسن بن علي البهكلي 1155هـ / 1742م، وعبّاس بن إبراهيم عقيلي الحازمي، وولده إبراهيم بن عبّاس 1340هـ / 1922م  ،  وسواهم. حتى لقد ذكر عاكش   أن وادي ضَمَد وَحْدَه كان فيه " من العُلماء عدد واسع، ولا سيما قرية ضَمَد والشقيري، ففيهم العُلماء النحارير والأدباء المصاقع ". وقال: " وقد تتبّعتُ بحسب ما اطّلعتُ عليه من علمائهم قديمًا وحديثًا، فأنافوا على مئة عالم، فيهم مَنْ اتّصفَ بكمال التحقيق، وفيهم مَنْ اطَّلَعَ على سائر العلوم، تفسيرًا، وحديثًا، وفِقْهًا، وكلامًا، وأصولاً، وعربيّةً، وغير ذلك من سائر العلوم العقليّة والنقليّة، وفيهم من صَنَّف، وتصانيفه موجودة. " كما يقول عن ضَمَد ابنُها عبدالرحمن بن أحمد البهكلي  .:  إنها " المعروفة بهجرة العلم قديمًا وحديثًا، يسكنها بطون من الأشراف الحوازمة، والمعافَين، ويسكنها القُضاة البهكليون، وبنو النعمان، والعمريّون، حملة العِلْم 
 
وإذا كانت لضَمَد تلك المكانة العلمية في منطقة جازان فقد كانت لأبي عريش مكانة نظيره، ولا سيما أن أبا عريش كانت تضيف إلى مركزيّتها العلميّة مكانتها السياسية، بوصفها عاصمة للدولة في جازان في بعض الحِقَب، مثلما كان حالها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، يوم أن اتخذها الأشراف آل الخيرات عاصمة حكمهم. ولا غرو؛ فهذه المدينة أُسّست على الصلاح والعلم، منذ ابتنَى جدُّ بني الحَكَمي - قبل القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي - في المكان عَرِيْشَهُ الذي عُرفتْ المدينةُ فيما بعد باسمه. وكان الرجل مشهورًا بعلمه وفضله  ؛  فكان يقصده الناس من كل ناحية، فلذا يُسمَّى (أبو عريش). وكان أبو عريش هذا مشهورًا بصلاحه، وهو الذي أسّس جامع أبي عريش، فكان ذلك الجامع الشهير ينهض بدوره العلميّ، شأنه شأن أشباهه من الجوامع في العالم الإسلامي إذ ذاك، التي كانت بمثابة جامعاتِ اليوم في دورها العلمي. وقد ألمح الحافظ بن حجر العسقلاني 852هـ / 1448م إلى أبي عريش في كتابه (إنباء الغمر بأنباء العمر) باسم (عُرَيِّش)، وذلك في حديثه عن دخوله إلى اليمن سنة 800هـ / 1398م. ونوّه عاكش الضَّمَدي عاكش الضمدي، الحسن بن أحمد) الديباج الخسرواني، مرجع سابق، 66)   1290هـ - 1873م بمكانة أبي عريش في القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي وبأنها صارت من أحسن المدن؛ لما تحويه من العمائر العظيمة، والقصور الشامخة، والقِلاع المنيعة. وإلى جانب الدور العلمي الذي كان يضطلع به جامع أبي عريش، كانت حلقات المساجد الأخرى، والزوايا التدريسيّة، والبيوت العلمية في المدينة  ،  تنشر العلم مباشرة وتأليفًا.
 
ومن علماء أبي عريش المعروفين في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين: الهادي بن أبي القاسم بن علي بن أبي أبكر الحَكَمي 939هـ / 1532م، وأحمد بن أبي الفتح الحَكَمي 951هـ / 1544م، ومحمّد بن صدّيق بن عبدالرحمن الخراز 961هـ / 1554م، والصدّيق بن طاهر الحَكَمي 966هـ / 1559م، ومحمّد بن صدّيق بن أبي الفتح الحَكَمي 977هـ / 1569م، ومحمّد بن المحبوب الوليدي العريشي 990هـ / 1582م، وعُمَر بن عبدالقادر بن صدّيق الحَكَمي 1000هـ / 1592م، وصدّيق السلاط 1028هـ / 1619م، وأحمد بن موسى الأسدي 1037هـ / 1628م... وغيرهم. ولذا كانت مدينة أبي عريش شهيرة بسوقها في الكتب والمخطوطات، من مؤلّفات علمائها ومؤلّفات غيرهم؛ وقامت فيها سوق رائجة لحركة التأليف من جهة، ولنَسْخ المخطوطات من جهة أخرى، يقصدها تجار الكتب والباحثون  
 
لذلك كله لم يكن غريبًا أن نقف في المخلاف السليماني على تنوّعٍ في العلوم والمدارس العلميّة، من شرعيّة، وأدبيّة، وطبيعيّة. وإذا كان الحقلان الأوّلان (الشرعي والأدبيّ) من مألوف الحياة العلميّة والثقافية في ذلك الزمن، فإن الحقل الأخير (الطبيعيّ) لم يكن مُمْحِلاً في تلك الديار - وبخاصة في المراكز العلميّة مثل أبي عريش - يدلّ على ذلك أن تعرف المنطقةُ الطِّبَّ وبعض الأطبّاء المشهورين، مثل الطبيب أحمد محمّد أبي طالعة (ت 1257هـ / 1841م)   الذي اشتهر بين عامة الناس وخاصّتهم في أبي عريش بالبراعة في تركيب الأدوية، وعلاج الأمراض، والزهد في المقابل المادّي. ويُذكر أن هذا الطبيب كان قد أخذ الطبّ عن بعض الأطباء الهنود الوافدين على المخلاف السليماني  ،  ما يدلّ على اتصال الثقافة في المنطقة بغيرها من البلدان، متجاوزة البحر إلى آسيا أو إلى إفريقيا.
 
أمّا صَبْيا؛ فمن علمائها المذكورين في القرن العاشر والحادي عشر الهجريين: أبو الحسن بن الصدّيق النمازي الصَبْياني 965هـ / 1558م، له (الأنوار الساطعة) وهي منظومة في أصول الدين وشرحها، ويعقوب بن علي النمازي 979هـ / 1571م، والأمين بن أبي القاسم 1014هـ / 1605م، وأحمد بن علم الدين شافع 1063هـ / 1653م  
 
ولم يكن علماء المخلاف السليماني في شتّى العلوم منكفئين على مدارسهم المحلّيّة فقط، ولا منغلقين دون ما يموج من حولهم في أقطار العالم الإسلامي، بل كانوا كثيري التراسل والتواصل مع علماء من اليمن، وعسير، والحرمين الشريفين، ومصر، والعراق، والهند. كما كانوا يرحلون في طلب العلم، ويستقبلون وفود العلماء والدارسين  ،  وهو ما أدّى إلى ازدهار حركة أدبيّة وعلميّة منفتحة قَلّ نظيرُها إذْ ذاك في الجزيرة العربيّة. وقد امتدّت تلك الحركة إلى العهد الذي وصلتْ فيه دعوة الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب بما أحدثته من تفاعل فكريّ جديد، في ميدانٍ كان متهيّئًا للحوار والجدل ذا رصيد تاريخيّ من الممارسة الفقهية والفكرية والأدبيّة. ذلك أن دعوة الشيخ محمّد بن عبدالوهّاب الإصلاحية لمّا وَصَلَتْ إلى المنطقة وجدتها عامرة بالعلم والعلماء، حافلة بالتعدّد المذهبيّ، وحاضرة من حواضر المطارحات العلميّة والجدل الفقهيّ والفكريّ.
 
وعلى الرغم مما أَعْقَبَ العهدَ العلميّ الزاهر خلال القرن الثاني عشر الهجري والثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري من فتور الحركة العلميّة أثناء السيطرة العثمانية على المخلاف السليماني 1235هـ / 1820م، ثم ما تلا ذلك من فِتَنٍ وحروبٍ قَبَليّة، فقد كان لقدوم السيّد أبي العبّاس أحمد بن إدريس الحَسَني 1182 - 1253هـ / 1768 - 1837م   إلى مدينة صَبْيا، وما أحدثه من حراك فكري في المنطقة في الفترة من 1245هـ / 1829م إلى وفاته 1253هـ / 1837م، كان له دور في استئناف النشاط العلمي والثقافي، حتى صارت صَبْيا في عهد ابن إدريس: " محطّ رِحال الفُضلاء ومجمع العلماء من كل جهة "  .  وكان ابن إدريس قبل مُقامه في صَبْيا قد ذاع صيته في مكّة واليمن وغيرهما، وكثُر خصومُه وموالوه، فكانت إقامته في صَبْيا مكسبًا لها بحضوره من تفاعلٍ علميّ، واستقطاب أضواء ثقافيّة.
 
وقد أفاض عاكش الضَّمَدي   في ذكر فضائل أستاذه السيّد ابن إدريس ومكانته في أنواع العلوم والمعارف. ولئن كانت إفاضة عاكش تلك في حقّ أستاذه سداها الإعجابُ من تلميذ ولُحمتها العشقُ من مُريد، فإن في ما يشير إليه أمين الريحاني   - في حديثه عما كان إبّان الحقبة الإدريسيّة من نهضة علمية وأدبيّة في المنطقة - ما يدلّ على ما كان أحدثه وجود ابن إدريس هناك من حركة علميّة ونشاط فكري.
 
وكان من أبرز علماء صَبْيا في منتصف القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي: عبدالله بن محمّد السبعي 1256هـ / 1840م، الذي وُصف   بأنه كان مرجعًا علميًّا، وبارعًا في الفقه، والفرائض، وعلم الجَبْر، والمقابلة، والمساحة.
 
وكان قد ظهر في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري الأمير الحسين بن علي بن حيدر الذي عُمّرتْ في عهده المدارس، ونشط الشعراء، وشُجّع الفكر، وقُرّب العلماء. ومن أدباء تلك الفترة وعلمائها البارزين: الشاعر خيري الزمار في بندر جازان، والشيخ سالم بن عبدالرحمن باصُهيّ في صَبْيا، والشيخ إسماعيل بن الحسن عاكش في أبي عريش  
 
ولقد امتدّ بصَبْيا الحالُ من التوهّج الثقافي منذ وصل إليها أحمد بن إدريس 1245هـ / 1829م، حتى نهاية عهد الأدارسة في نصف القرن الرابع عشر الهجري، ولا سيما بعد سيطرة حفيد ابن إدريس: محمّد بن علي بن محمّد بن السيّد أحمد بن إدريس على مقاليد الأمور هناك سنة 1327هـ / 1909م وتأسيسه دولة الأدارسة في صَبْيا وعسير، إلى أن تُوفي سنة 1341هـ / 1923م  .  وإبّان العهد الإدريسي لم يَعُدْ التفاعل الفكري محصورًا في المنطقة، بل تجاوزها إلى أعلام من داخل الجزيرة العربية وخارجها.
 
وكان من أشهر علماء ذلك العهد - من أبناء المنطقة، أو من المسهمين في نهضتها التعليمية والثقافية من سواهم -: محمّد بن علي أبو زنبيل 1347هـ / 1928م، وإبراهيم مبجر 1350هـ / 1931م في الجارة، وعبدالرحمن العتمي 1351هـ / 1932م في أبي عريش، ومحمّد حيدر النعمي القبي 1351هـ / 1932م في ضَمَد، وأحمد بن علي البهكلي 1356هـ / 1937م، وعلي بن محمّد السنوسي 1363هـ / 1944م، ومحمّد الأمين الشنقيطي 1393هـ / 1973م، وعقيل بن أحمد 1301 - 1382هـ / 1884هـ - 1962م، وعبدالله بن علي العمودي 1398هـ / 1978م، وعلي بن حسن الضَّمَدي، وعلي بن إبراهيم عطيف، ومحمّد عبدالله عطيف، ومحمّد نوري الماردي  ...  وغيرهم.
 
وإذا كان هذا هو حال التعليم في أبرز المراكز الحضريّة والمدن الرئيسة خلال القرون الأخيرة فإن التعليم لم يكن قليل الانتشار في القرى والبلدات أيضًا، وإنْ كان أقلّ نشاطًا فيها منه في الحواضر بطبيعة الحال. بل لقد اشتهر من تلك المواطن النائية في بعض الفترات التاريخيّة العلماء والقُضاة. فمن تلك القُرى والبلدات التي عُرف فيها التعليم والعلماء: الباحر (قرية غرب صَبْيا)، من علمائها: الزين بن الأمين شافع الشافعي 340هـ / 951م؛ والحُسَيْني (بلدة شرق صَبْيا)، من علمائها: محمّد عثمان قاضي في القرن الرابع عشر الهجري (العشرين الميلادي)؛ والدهناء (من قُرى بَيْش، شمال غرب صَبْيا)، من علمائها: حمود بن أحمد بن علي عدوان النعمي 1287هـ / 1870م؛ وصلهبة (قرية شرق صَبْيا)، من علمائها: محمّد بن عبدالقادر المحلوي 1026هـ / 1617م، وابنه إسماعيل (أواخر القرن الحادي عشر الهجري)، وأحمد بن الحسن بن علي الحازمي 1026هـ / 1617م، وأحمد بن محمّد بن الحسن الحازمي 1281هـ / 1864م؛ والظبية (قرية جنوب شرق صَبْيا)، من علمائها: إسماعيل بن علي الحازمي في القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي، وعبدالله بن موسى الحازمي في القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، وحسن بن محمد الحازمي 1404هـ / 1984م؛ والعقدة (قرية شمال أبي عريش)، من علمائها في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين: أحمد بن محمّد القيراط في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، ومحمّد بن المحبوب الوليدي العريشي 999هـ / 1591م، وعُمَر بن أحمد بن محمّد القيراط 1010هـ / 1601م، وأبو بكر بن أحمد القيراط 1032هـ / 1623م  ؛  ومن أبناء فَيْفَاء (شرق جازان) فقهاء ومعلّمون خلال القرن الرابع عشر الهجري، وقد تلقّوا العلم إمّا في اليمن وإما على أيدي معلّمين أسهموا في التعليم ومنهم: الفقيه علي بن حسين بن علي آل مُدْهِش 1366هـ / 1947م، وكانت له مدرسة متنقّلة بين بيته والمسجد وبعض المتنـزّهات، وقد أُقيمتْ لأبناء قبيلتي آل الخُسافِيَة وآل المُثِيْب سنة 1356هـ / 1937م، بأمر أمير فَيْفَاء إذ ذاك رشيد بن خثلان، وتأييد شيخ شملها علي بن يحيى بن شريف آل سَنْحان، وكان هذا الشيخ نفسه وأبوه يحيى بن شريف من جملة من طَلَبوا العلم في اليَمَن. ومن فقهائها ومعلميها أيضًا الشيخ حسن بن يحيى بن شريف آل سَنْحان، والفقيه أحمد بن يحيى بن شريف آل سَنْحان، والقاضي حسن بن جبران آل سَنْحان 1364هـ / 1945م، والفقيه محمّد بن حسن بن جبران آل سَنْحان، والفقيه قاسم بن أسعد بن حسن آل سَنْحان، والفقيه حسن بن يحيى المُثِيْبِي (راعي حمزة)، وكانت له مدرسة. ثم الفقيه أحمد بن علي بن يحيى المُثِيْبِي، والفقيه جبران بن ساري بن آل عَطْنَة المُثِيْبِي، والفقيه يحيى بن جابر بن آل مسعود عيدان المُثِيْبِي، والفقيه حسن بن حسين بن شريف الداثري، والفقيه جبران بن أحمد بن سالم الخُسافي، والفقيه يحيى بن أحمد بن سالم الخُسافي، وكانت له معرفة بالطبّ العربي. ثم الفقيه يحيى بن أحمد بن جبران الخُسافي، والفقيه علي بن مسعود آل زايد الخُسافي، والعلامة السيد يحيى بن علي الشريفي، والفقيه فَرَح الشريفي، وكان مدرّسًا بمدرسة قبيلة الأشراف. ثم القاضي أحمد بن أسعد الأبياتي 1352هـ / 1933م، والفقيه أحمد بن علي آل خَفْشَة الأبياتي، والفقيه حسن بن أحمد بن علي آل خَفْشَة الأبياتي، وكانت له معرفة بالطبّ العربي. ثم الفقيه موسى بن أحمد بن علي آل خَفْشَة الأبياتي، وكان يدرِّس - مع أخيه السابق - في مدرسةٍ لقبيلتي الأبيات وآل عُمَر، ومقرّها: شِيْحَة. ثم القارئ - والشاعر الشعبي المعروف إذْ ذاك - فرح بن أسعد بن حسن بن آل يزيد بن مسعود الأبياتي، وكانت له معرفة بالطبّ العربي. ثم الفقيه محمّد بن أحمد العُمَري، والفقيه علي بن أحمد العُمَري، وكانت له معرفة بالطبّ العربي. ثم القاضي حسين بن شريف العَبْدِلِي 1365هـ / 1946م، وكان يدرّس في مدرسة قبيلة آل عَبْدِل، ومقرّها: العِلاج. ثم الفقيه حسن بن أحمد العَبْدِلِي، وكان يدرّس في مدرسة قبيلة آل عَبْدِل، ومقرّها: الغَمْر. ثم الفقيه محمّد بن سالم آل جرادة العَبْدِلِي، والفقيه جبران بن حسن المَشْنَوِي، والفقيه مسعود بن حسن المَشْنَوِي، والفقيه سليمان بن سلمان بن سليمان المَشْنَوِي، والفقيه زاهر بن حسن بن أسعد المَشْنَوِي، وكانت له معرفة بالطبّ العربي. ثم الفقيه سلمان بن حسن بن محمّد المَشْنَوِي، وكان وسابقه يعلّمان بمدرسة قبيلتي آل أبي الحَكَم وآل المَشْنِيَة، ومقرّها: الوِشْر. ثم الفقيه جبران بن أسعد المَدَرِي، وكان يدرّس في مدرسة أهل مَدَر، ومقرّها: البَديعة. ثم الفقيه مسعود بن ماطر الشراحيلي، وكانت له معرفة بالطبّ العربي، كما كان يدرّس بمدرسة الدَّفْرَة. ثم الفقيه سالم بن شريف الشراحيلي، وكان يدرّس بمدرسة قبيلة آل شراحيل. هذا إضافة إلى بعض المعلّمين من آل مشكاع الوافدين على فَيْفَاء، الذين عمل بعضهم في التدريس في عدد من المدارس (الكتاتيب)، مثل مدرسة الدَّرْب، لقبيلتي آل داثر وآل مَخْشَم، ومدرسة قبيلة آل ظلمة، ومقرّها: نيد المجزرة. ثم جاء تلميذ الشيخ المصلح عبدالله القرعاوي:   الشيخ أحمد بن علي بن سالم آل حالية الخُسافي، فأسّس معهد الخَشْعَة للبنين والبنات، وذلك في جبل آل أبي الحَكَم سنة 1373- 1374هـ / 1954- 1955م  
 
شارك المقالة:
121 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook