التلطف والتدرج: رفع للدرجات ودلالة على العلم وأدعى لقبول النفوس

الكاتب: المدير -
التلطف والتدرج: رفع للدرجات ودلالة على العلم وأدعى لقبول النفوس
"التلطف والتدرج
رفعٌ للدرجات ودلالةٌ على العلم وأَدعَى لقبولِ النفوس




ذكر تعالى أنَّه رَفَع درجات من تلطَّف في الوصول إلى مصالح الدين والدنيا؛ ففي شأن التوصُّل لمقصودٍ ديني، ذكر تعالى أنَّه رفع درجاتِ إبراهيم حينما تلطَّف وتدرَّج في توصيل الحقِّ لقومه بعد ما ناظرهم في احتمال كون النجم ربًّا فأبطله، ثمَّ القمر فأبطله، ثم الشمس فأبطلها، ثمَّ قرَّر التوحيد وتحنَّف تاركًا أوجه الشِّرك كلَّها، ثمَّ علا حينئذ بحجَّته عندما رفض الخوفَ من المشركين وآلهتهم، واستنكر كيف يخاف الموحِّد ولا يخاف المشرك وهو على خطرٍ عظيم، بينما المؤمن في الركن الآمِن، ثم قرَّر أنَّ الأمن والهداية لصاحب الإيمان والتوحيد؛ فقال تعالى عقب هذا: ? وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ? [الأنعام: 83].

 

وذكر تعالى وصول يوسف للاحتفاظ بأخيه بأن جعل السِّقاية في رَحْله، ثمَّ نادى المنادي بفقدان السقاية، وقبل التفتيش قرَّرهم بعقوبتهم هم لِمن وُجد في رحله، فقالوا: إنَّ العقوبة عندنا أن يُسترقَّ صاحب السرقة؛ فقرَّرهم بأخذ أخيه والاحتفاظ به، ثمَّ تدرج بأن بدأ بأَوْعيتهم لإبعاد الشبهة، ثمَّ كان استخراج المتاع من رَحْل أخيه متأخرًا؛ فقال تعالى بعدها: ? كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ? [يوسف: 76].

 

فذكر تعالى رفع الدرجات لكلَيهما، ووصفهما بالعلم في تلطُّفهما وتدرُّجهما؛ هذا لمصلحة الدين، وهذا لمصلحة الدنيا.

 

فعُلم أنَّ التدرُّج والتلطف والمقدِّمات المفْضِية لنتائج طبيعية هو الطريق المعتمَد، وهي لِأُولي العلم، لا الهجوم على النفوس والعقول فتنفر أو تستنكر.

 

ومن هذا أنَّه قبل أن يقلب الله تعالى عصا موسى حيَّةً قال له: ? وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ? [طه: 17]، وقبل بيان إبراهيم لقومه الشرك سألهم: ? مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ? [الأنبياء: 52].

 

ومن هذا ما قدَّره تعالى بميلاد يحيى من أبٍ كبير وأمٍّ عاقر عجوز، إرهاصًا ومقدمة وتلطفًا بين يدي ميلاد المسيح عليه السلام بدون أبٍ، وقبلهما ما كان يجد زكريا عندها من الرِّزق المخالِف لقانون الأسباب والمسبِّبات المعتادة.

 

إنَّها قاعدة في الدعوة، وفي التربية، وفي السياسة، وفي الإعلام، وفي النظام الاجتماعي والعلاقات الاجتماعيَّة، بل هي قاعدة الحياة وطبيعتها وتدرُّجها.

 

وهذا لا ينفي ولا يتعارض مع بيان الحقِّ كاملاً بلا غبش أو ميوعة أو تفريطٍ أو قوة، فهو التلطُّف في إظهار الحقِّ لا في إخفائه، تلطف في المحاجَّة عن الحق، وعَرْضه كما أنزله الله تعالى بلا تنازل وبلا تراجع.

 

فافهم أخي ذلك، واركُزْه في وَعْيِك وتصرَّفْ بمقتضاه، فردًا وجماعات، والله الموفِّق.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook